فى كل عام تحل ذكرى العاشر من ديسمبر حيث تم إقرارالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوضع في العام 1948 ، وبالبحث في تاريخ الأمم القديمة اتضح لي كم كانت حضارة الأجداد عظيمة في تقديرها للإنسان فقد كانت بصدق حضارة القيم والحب والسلام ، ولقد أراد أعداء تلك الحضارة الإنسانية الخالدة على مر العصور تشويهها وانتساب أفعال وحشية لها لم تثبت الوثائق والأدلة التاريخية والأثرية صحتها حتى يومنا هذا ، فلم تعرف مصر التضحية البشرية ولا السخرة كما ادعوا عليها ، ولم يعرف عن مصر وحكامها إنهم كانوا جبابرة مستبدين كما أرادوا أن نعرف ذلك. ولن أدافع عن الحضارة المصرية العظيمة فهي المدافعة عن ذاتها من خلال الوثائق والادله الأثرية المكتشفة ، فلقد كانت مصر ضمير العالم القديم في تلك الازمنه السحيقة ، والتي كان مقبول فيها تلك الأفعال المتوحشة في رحلة تطور الإنسان من الحياة الحيوانية إلى حياة المدنية والتحضر. لكن مصر سبقت الدنيا وتنبهت مبكراً لأهمية إقرار قانون ونظام يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكومين وكذلك العلاقة بين المحكومين وبعضهم البعض ، ذلك النظام والقانون كان (ماعت) والذي أسست مصر عليه نظامها السياسي والإداري والديني والاجتماعي ، وهذا ما يبرر أن الإنسان المصري في ذلك الزمن كان يصف نفسه بـ (الإنسان) ويصف الشعوب الأخرى بالمتوحشين ، فلم تكن تلك عنصرية من جانب المصريين آنذاك كما ادعى المستشرقين والمستغربين بقدر ما هو وصف للحقيقة التي سادت تلك العصور الهمجية ، فكانت (ماعت) هي النظام والحق والحضارة في مواجهة الفوضى والقوة والتوحش حيث كان لابد من انتصار قيم النظام والحق والحضارة لقيام الدولة المصرية. وباستعراض لبعض أهم الحقوق الذي كفلها القانون المصري القديم (ماعت) للإنسان في تلك ألازمنه المتوحشة نجد : * مبدأ حق الإنسان في الحياة: فالمصريين القدماء كانوا أول من اعترف للإنسان بالحق في الحياة فلم يكونوا يقتلون أبنائهم مثلما فعلت الأمم المتوحشة ، فلم يسمح بوأد الأطفال ففي روما مثلا كان للأب الحق في ان يوافق علىانتساب ابنه له او يرفض حتى لو كان ناتج عن زواج شرعي أما البنات فلم يكن الاباء ملزمون الا بتربية البنت الكبرى فقط وفي اسبرطة كان الحاكم يقررالإبقاء علي حياة المولود أوإلقائه في هوة سحيقة لانها امه كانت تقوم على القوة البدنية فلم يكن مسموح بوجود طفل هزيل او معوق ، ومعروف عن العرب عادة وأد البنات والتي كانت بالنسبة لهم عار فلا حق لها في الحياة ، بينما المصريين القدماء كانوا يقدسون حياة الانسان وحق الطفل سواء كان ذكر او انثى في ان يتربى في جو اسري سليم كذلك فقد سادت فكرة التضحية البشرية في العالم القديم وتقديم القرابين البشرية للإله ، حتى أن القرآن الكريم ذكر في سورة إبراهيم أن الله أمر إبراهيم عليه السام بذبح ابنه ارضاءاً لله ، فذلك الأمر كان مقبول في لدى شعوب العالم القديم كالإغريقوالرومان والكنعانيين والعبرانيين، والثابت لدينا في العديد من الوثائق ان عقوبة الإعدام مثلا كان لا يملك الحكم بها إلا الملك وذلك لشده مساسها بالكيان الإنساني في إفناء الحياة وفي كثير من الأحيان كانت يستعاض عنها بعقوبة فيها فائدة للناس * مبدأ المساواة بين الجميع: كان المصريين جميعا إمام (ماعت) سواء ، فلافرق بين غني وفقير ، ولا رجل ولا امرأة ، ولا بين حر وعبد ، ولا بين مواطن وأجنبي الجميع له نفس الحق أمام الـ (ماعت) لان اختلال ذلك النظام يعني الفوضى وهو أعظمالأخطار التي كان الملك والمعبد مكلفين بمنع حدوثها، كان من حق الجميع تملك العقارات والأراضي وهكذا تخبرنا الوثائق الأثرية ، حتى وان ظلم المواطن من صاحب السلطة فلم يتحرج ذلك المواطن من شكوى المسؤول إلى الملك والذي هو يد الـ (ماعت) التنفيذية. وكلنا يتذكر قصة (الفلاح الفصيح) الذي تعرض للظلم من احد المسؤولين فأرسل للملك شكاوي عرفت في الأدب المصري القديم (شكاوى الفلاح الفصيح) جاء من بينها كلماته (أقم العدل "ماعت" من الإله فالعدالة تدوم للابد ، وتنزل معك إلى القبر، فالاسم يمحى ولكن الـ "ماعت" تبقى وتدوم) فكان رد الملك عليه أن أعاد له حقه. * الحق في الرعاية الصحية: عرف أجدادنا فكرة التأمين الصحي فمن سجلات العمال بدير المدينة بالاقصر وهو المكان المخصص لاقامة العمال العاملين في حفر المقابر الملكية فقد تم اكتشاف ان هؤلاء العمال كانوا يتمتعون بصحة جيدة وذلك لانهم كانوا يتمتعون بنظام رعاية صحية حكومي شامل حيث كان يمكنهم أخذ يوم كراحة مرضية مدفوعة الأجر، و الذهاب لإجراء فحوص طبية ، فالأشياء التي نعتبرها إبداعات العصر الحديث، مثل الرعاية الصحية والإضرابات العمالية، فقد سبقنا اليها الاجداد * الحق في التعليم: كان المصري القديم اول من خط بالقلم واول من استخدم الورق المصنوع من البردي ، ولقد كان للتعليم والمتعلمين في مصر القديمة مكانه كبير حيث كان التعليم متاح للجميع ، وكان من أعظم الاعمال ان يصير الفرد متعلم ، فالبعلم بنى المصريين القدماء تلك الحضارة الخالدة ، وأوالهم في تقدير العلم والتعليم كثيرة من بينها (إن المتعلم دون سواه هو الذي يدير أعمال جميع الناس ، أما من يكره العلم فإن الحظ يتخلى عنه) ويقولون عن الجهل (ان الذي لا يتعلم لا يعرف اسمه احد، ومثله مثل الحمار المثقل بما يحمله يسوقه المتعلم ويوجهه) وكانت اهم نصائح الوالدين للابناء هو حثهم على التعليم ، لقد بالغ المصريين القدماء شعبا ودولة في تكريم العلم والعلماء حتى انهم رفعوهم لمرتبة القديسين وكانوا دوما يذكرونهم مهما مر الزمن ، فذلك (ايمحتب) طبيب ومهندس الملك (زوسر) وذلك (بتاح حتب) و (كاجمني) و (امنموبي) وغيرهم العديد ممن احتفظ لنا التاريخ بسيرتهم * الحق في العمل والإضراب عن العمل: