وعندما نتحدث عن التغيير الذى يأتى من جراء الطلاق أو من حالة وفاة في الأسرة ، أو الانتقال إلى عمل جديد ، فإن الحياة تشتمل على أحداث صغار أيضا. فثمة تيار مستمر يحمل فيضا من هذه الأحداث من وإلى مجرى حياتنا. إن تغييراً كبيراً في حياتنا يستمد صفة كبره من أنه يضطرنا إلى إجراء عديد من التغييرات الصغيرة أيضا ، وحتى نمسك بتلابيب معنى الحياة في مجتمع متسارع التغيير ، فإننا نحتاج إلى إلقاء نظرة فاحصة على ما يحدث عند مستوى هذه التغيرات الصغيرة وعندما يتغير شي ما في محيط حواسنا ، يتعدل شكل الإشارات المنصبة في قنواتنا الحسية ومنها إلى جهازنا العصبي. لقد تعرضت الأشكال الروتينية للمقاطعة – ونحن نستجيب هذه المقاطعة بطريقة مرهفة وحادة وجدير بالذكر أننا عندما نتلقى مجموعة من المنبهات الجديدة فإن الجسم والمخ يعرفان كلاهما فورا أنها جديدة. وقد لا يعدو التغيير أن يكون ومضة لون نلمحها بطرف العين. عندما يسمع كلب ضجة غريبة ، تنتصب أذناه ويستدير رأسه – ونحن نفعل الكثير من مثل هذا. فتغير المنبه يثير ما يسميه علماء النفس التجريبيون: و الاستجابة التوجيهية). ويكتسب سمعنا حدة فورية ، ونستخدم عضلاتنا لا شعوريا لتوجيه أعضائنا الحسية نحو المنبه القادم- فنميل ، أو تحدق بعينينا لنرى أفضل. ويزداد نشاطنا العضلي بوجه عام وتحدث تغييرات في اشكال موجاتنا المخية ونحس ببرودة في اطراف اصابع يدينا وقدمينا عندا تتقلض الشرايين والاوردة فيها ويعرق باطن مفينا ويندفع الدم الى الراس ويتغير ايقاع تنفسنا ونبضنا والسر في هذا ، عن شدة ، ودوامية ، ونوعية ، وعندما تأتى منبهات جديدة فإنها تقارن بالنماذج العصبية المختزنة في اللحاء الخارجي. فإن كانت المنبهات مستجدة ، فإنها لا تتطابق مع النماذج العصبية الموجودة – وهذا تبدأ الاستجابة للتوجيه فى العمل. فإن اللحاء الخارجي للمخ يرسل اشارات الى جهاز التنشيط النعقد بأن يثبت على ماهي عليه وهكذا يكون لمستوى الجدة في بيئتنا تأثيراته البدنية المباشرة. وفضلا عن ذلك فمن الأهمية بمكان أن نعرف أن الاستجابة التوجيهية ليست أمراً نادر الحدوث. وعندما تزيد الحدة في البيئة- أى كثرة التغييرات- سترهق بدنك موجة مستمرة من هذه الاستجابات التي تشكل عبئا ثقيلا ومضنيا للبدن إنك إذا حملت البيئة بحمل زائد من الجدة فستحصل على ما يقابله من الأشخاص المصابين بالقلق العصبي اولئك الذين يتدفق الادرينالين في اجهزة اجسامهم بشكل مستمر وتخفق قلوبهم باستمرار وتبرد ايديهم ويزيد اختلاج عضلاتهم فذلك كله من خصائص الاستجابة للتوحيه إنها منحة الطبيعة للإنسان ، وواحدة من أهم آلياته التي تساعده على التكيف. ويسمع ويرى أفضل. وباختصار ، كما يقول لوبين ، ومن هذا فإن من بين نتائج الاستجابة التوجيهية إرسال موجة من الطاقة المتحفزة خلال الجسم. فإن الاستجابة التوجيهية لا تمتص فقط مدد الجسم المحدود من الطاقة المتحفزة ، بل أيضا من مدده المحدود جدا من مطلقات الطاقة) كالأدرينالين والنور أدرينالين). مفضلا عن ذلك ، ولكنها تحدث أيضا عندما تقابلنا أفكار أو معلومات مستجدة ، مثلها في ذلك تماما مثل الأصوات والرؤى المستجدة. إن إشاعة طازجة نسمعها في المكتب ، أو مفهوم جديد ، أو حتى نكتة جديدة كفيلة بتحريك الاستجابة التوجيهية. أو أى أيديولوجية من هذا القبيل ، فإنه سرعان ما يتعرف) أو يظن أنه تعرف ( عناصر مألوفه في المنبهات المستجدة فيهدأ روعه. والواقع أننا يمكن أن نعتبر الأيديولوجيات بمثابة أرشيف عقلى كبير من الادراج والخانات المستعدة لتقبل المعلومات الجديدة ومن اجل هذا فان الايديولوجيات تساعد على تخفيف حدة وتكرار عملية الاستجابة للتوجيه فقط عندما لا يكون الجديد ملائما ، عندما يستعصى على الأيديولوجية تقبله ، فهنا تقع الاستجابة التوجيهية. وكمثال نموذجي على ذلك ، حالة الشخص المتدين الذي نشأ على الاعتقاد بأن الله خير لا يقضى إلا خيرا ، فما لم تسو هذه الحالة أو تتعدل نظرته هو إلى العالم ، أي عندما نفهم أخيرا شيئا ما كنا في حيرة من امره وقد لانكون واعيين لهذه الاهات الا في حالات نادرة ولكن الاستجابات التوجيهية والاهات تحدث باستمرار تحت مستوى الوعي وإذن فإن الجدة – كل المستجدات المدركة حسيا – تشعل نشاطا متفجرا داخل الجسم وبخاصة فى الجهاز العصبى. وتجعل الاستجابات التوجيهية تنطلق داخل كياننا كالمصابيج الوامضة ، فالإنسان والبيئة فى حالة دائمة من التفاعل المختلج: فإن بعض الحالات المستجدة تستدعى استجابات أقوى. فهذا الرجل الذي يتهادى بسيارته على أحد الطرق الرئيسية مصغيا إلى الأنغام المنبعثة من الراديو مسلما خياله لمداعبات أحلام اليقظة ، إنه يستطيع أن يحس وجيب قلبه ، وارتعاش يديه ، ولكن ماذا يحدث إذا لم يزل هذا التوتر ؟ ماذا يحدث عندما نوضع في موقف يتطلب مجموعة مربكة من ردود الفعل البدنية والنفسية لامتصاص ضغط هذا الموقف ؟ ماذا يحدث مثلا عندما يتعرض الفرد يوما بعد بوم لتعنت رئيسه ومضايقاته ؟ ماذا يحدث عندما يعاني احد اطفالنا من مرض خطير ؟ او من ناحية اخرى عندما نتطلع بشغف الى موعد هام ا والى اتمام صفقة هامة ؟ مثل هذه المواقف لا تجدى فى معالجتها الطاقة المتحفزة التي تطلقها بسرعة عملية الاستجابة التوجيهية ، وإنما تحتاج إلى ما يمكن أن نطلق عليه اصطلاح: « رد الفعل التكيفى ». ورد الفعل التكيفي وثيق الصلة بالاستجابة التوجيهية. والواقع أن كلتا العمليتين متضافرتان ، لدرجة أن الاستجابة التوجيهية يمكن أن تعتبر جزءا من عملية رد الفعل التكيفى الأكبر والأشمل ، أو بمثابة المرحلة الأولية منها. أى أن خط الدفاع الأول عصبی وبخاصة عندما يكون عملهم أن يتكيفوا مع مواقف معينة تنطوى على التعارض والشك ، ويزيد انطلاق هذه الكيماويات من عمليات التمثيل داخل الجسم. فهي ترفع ضغط الدم. وترسل من خلال الدم بمواد مضادة للالتهابات لتقاوم التلوث فى مناطق الجروح- إن وجدت. ثم تبدأ هذه الكيماويات أيضا في تحويل الدهن والبروتين من طاقة كامنة إلى قوة عاملة مستهلكة بذلك جزءا من مخزون الطاقة الاحتياطي للجسم إن تنبيهه يحتاج إلى وقت أطول. كما أنه يدوم لفترة أطول ، يمكن أن ينطلق بفعل التحولات والتغيرات التى تقع فى المناخ النفسي المحيط بنا فالقلق والتوتر والصراع ، والشك ، ومجرد توقع انتظار التغيير يمكن أيضا أن ينبه رد الفعل الإدراكي. إن رغبة الفرد في أن يعدل اسلوب حياته او في استبدال عمله بعمل اخر والضغوط الاجتماعية وعدم ثبات الاوضاع وتعديلات اسلوب الحياة وفي الحقيقة اي شيء يضطرنا الى مواجهة المجهول يمكن ان يثير رد الفعل التكيفي أنه حتى التغييرات الصغيرة في المناخ العاطفى ، أو العلاقات المتبادلة ، يمكن أن تنتج تغييرات ملحوظة في كيمياء الجسم. فالإرهاق كان يقاس عادة بكمية الكورتيكوستر ويدات والكاتيكولامينات) كالأردينالين والنور أدرينالين مثلا) التي توجد في الدم والبول وفي سلسلة من التجارب استخدم ليفى الأفلام لإحداث الإثارة العاطفية ثم سجل التغييرات الكيمائية. لقد عرضت على مجموعة من طلبة الطب السويديين الذكور مقتطفات فيلمية تمثل جرائم قتل ، وقسوة على الحيوانات. وبفحص بولهم قبل وبعد المشاهدة اتضح أن نسبة الأدرينالين فيه قد ارتفعت بمتوسط سبعين في المائة ، وفي اللليلة الثالثة شاهدن فيلم عمة شارلي فاغرقن في الضحك وبالرغم من مشاعر الابتهاج والمرح وخلو الفيلم من اي شماهد للقسوة او العدوان وفي اللليلة الرابعة عرض عليهن فيلم قناع الشيطان وهو فيلم مثير صرخن بالفعل فزعا وهن يشاهدنه وباختصار فان الاستجابة العاطفية يصحبها اثارة لنشاط غدة فوق الكلية . وقد تكرر الوصول إلى نتائج مماثلة فى عدد من التجارب التي أجريت على رجال ونساء ، ورواد فضاء ، وبالرغم من أن المتضمنات الكاملة لهذا لم تكد تستقر بعد ، إلا أن هناك قرائن متزايدة على أن التنبيه التكيفى يمكن أن يكون شيئا مدمرا ، وبالتالي فإن الدكتور رينيه دوبو مؤلف كتاب ( الإنسان والتكيف ( يحذرنا من أن الظروف المشحونة بالتغيير من مثل: « مواقف المنافسة ، تغير بشكل واضح من إفراز الهرمونات. ويستطيع الإنسان أن يرى ذلك بوضوح في البول والدم. كل نظام الغدد الصماء ». ثم ماذا أيا كانت مسبباته ، تعانى من الاضطراب الجنسى. وقد أثبتت الدراسات الكلينيكية حقيقة أن الناس الذين يتعرضون للإرهاق يحدث لديهم نفس ردود الفعل التي تحدث لدى حيوانات التجارب في هذا الخصوص. يكون مستوى الإخصاب لديها أقل من مستواه لدى الجماعات الأقل إرهاقا. فالازدحام على سبيل المثال- والذي يتضمن مستوى دائما ومرتفعا من التفاعلات المتبادلة ، على الأقل بالنسبة للحيوانات أنه يسبب تضخما في غدتى فوق الكلية ، وانخفاضا ملحوظا فى الخصب. ونظام الغدد الصماء ، وبالتالى إلى زيادة فى تمثيل الدهن ، وهذا بدوره يخلق صعوبات خطيرة لبعض مرضى السكر. وحتى البرد العادى ، ثبت أنه يتأثر بمعدل التغيير في البيئة. كاستجابة لعلاقاتها المتغيرة مع الناس المحيطين بها والاحداث التي عاينتها وغيرهم من المشتغلين ببحوث التغيير في الحياة ، وواضح جدا أنه من المستحيل أن نسارع من معدل التغيير فى المجتمع ، أو نرفع نسبة الجدة فيه ، دون أن نثير تغييرات هامة فى كيمياء الحسم لدى السكان.