جعلته لا يضع رأسه فوق الوسادة ويغمض عينيه في أي وقتمن أوقات الليل أو النهار دون أن يحلم بالكلب الأسود. وكان الكلب فظيعاً ومنتناً ومفقوء العينين وكان يتراءى للسلطان دائماً فوق التلال الرملية القاحلة التي تمتد وراء أسوار جالو ويرفع رأسه القبيح ويعوي بجنون حتى تغرق التلال في أنفاسه الكريهة، وقد تعود الكلب أن يتوقف عند السور الأول في بداية الأمر، ثم اخترق السور الثاني في رأس السنة التالية، ولقد حير ذلك الحلم كل فقهاء جالو . وحلم بالكلب الأسود، وسمعه يعوي فوق التلال الرملية القاحلة ثم رآه يعبر السور الثالث. وقد صحا السلطان مصعوقاً من الرعب واستدعى الفقي الذي كتب له آخر حجاب وقطع رأسه بنفسه ثم عاد إلى غرفته وطفق يندب سوء حظه. وقد قرر السلطان أن يقضم أظافره بنفسه. أنا سمعت هذا الكلام ألف مرة، فلا تدع الشيطان يخدعك. إنك إذا كويتني في رأسي بدون فائدق فأنا أيضاً سوف أقطع أسك وركع الفق لكي أكويك في رأسك، إن الكلب الأسود الذي تراه في حلمك يا مولاي هو نذير الدمار بعثه إليك الواحد القهار، وبقي الفقي مطرقاً لبرهة من الوقت ثم رفع رأسه وقال بثبات: اعلم يا مولاي أننا قرأنا في كتب السلف الصالح أن جالو» ستخرب بعد عمار، وسوف يرسل الله عليها ريحاً حامية تجوس بها سبعة أيام وسبع ليال، ووضع السلطان يده على فمه وقال بعد برهة: ومتى يحدث ذلك يا جناب الفقي؟». إنك لن تراه سوى مرة واحدة في رأس كل سنة وقاطعه السلطان فجأة: «مرة واحدة في رأس كل سنة؟ مرة واحدة فقط؟ وقال الفقي مؤكداً: «أجل، وفهم السلطان إشارة الفقي، وعندما صحا في ماية المطاف استدعى الفقي على الفور واحتضنه بين ذراعيه وسيله بين عينيه دليل الرضاء وزوجه ابنته وأجلسه على النطع بجانبه، أما الغريب الأعرج الذي يحمل جراب النوى فقد ظل ملقى في وسط الميدان حتى آخر النهار بعد أن صدمه الفقي بصدر بغلته، ثم حفر بئراً آخر في صباح اليوم التالي، وصنع لنفسه دلواً من جرابه وانطلق يحمل فيه الماء إلى مشاتل نخلاته التي ما تزال مجرد نوى متيبس في الرمل. وتبادل الجنود النظرات فيما فتح أمير الحرس ذراعيه وسأله بدهشة وما هو النخل أيها الغريب الأعرج؟». وضحك الجنود حتى كادوا أن يقعوا من سروجهم، الشياطين وليس ثمة فائدة من حرق جلده بالسوط. ونهضت المراكب واحدة بعد الأخرى على طول ميناء جالو، وحلم السلطان بالكلب الأسود ورآه يخترق آخر سور وينطلق وراءه مفقوء العينين لكي يعضه في عقبه بنابه المسموم، وقد صرخ السلطان في المنام وفتح عينيه مذعوراً واستدعى الفقي على الفور الذي أعطى إشارة بدء الرحلة.