لقد أدى اتساع البث الرقمي وهتاطل القنوات الفضائية ، إىل تزايد أمهية التلفزيون كوسيلة تطبع حياتنا اليومية . فأصبح إنسان األلفية الثالثة يتعرض ابستمرار إىل سيل من الصور املتدفقة عرب الشاشة الصغرية ؛ منها ما يتلقاه عرب املستوايت الذهنية الواعية، و منها ما يستقبله بطريقة آلية دون منحه أمهية، إال أنه يشكل يف عقله بناءات لصور ذهنية ترتسخ مع التكرار و الزمن لتطبع ذاكرته على املدى القصري أو رمبا تستقر هبا مدى احلياة . و من بني الفنون البصرية اليت تروج هلا هذه الوسيلة ، يعترب اإلشهار من أهم األشكا اليت تستحوذ على أزمنة معتربة من فضاء البث التلفزيوين، فهو عملية اتصالية تقوم على اسرتاتيجية إبالغيه قائمة على اإلقناع ، مستعملة يف ذلك كل وسائل التواصل اإلنساين من كلمة وصور ورموز و حركات، هبدف التأثري على املتلقي- املستهلك و الدفع به إىل اقتناء منتج ما ، التسليم أبمهيته وتفضيله على ابقي املنتجات األخرى . و يعود تزايد أمهية و مكانة اإلشهار يف هناية القرن العشرين و مطلع القرن الواحد و العشرين إىل تزامن نسقني أساسيني : يتمثل النسق األو يف تطور الرأمسالية و ما أحدثه ذلك من انفجار إنتاجي أغرق احلاجيات و الرغبات اإلنسانية يف كم ال متناهي من السلع و املنتجات املختلفة و املتشاهبة يف الوقت نفسه. و يف ظل احتدام املنافسة التجارية بني الشركات، ال سيما العابرة للقارات اليت عرفت انتشارا واسعا و اكتساحا هائال لألسواق العاملية، برز اإلشهار كسالح أتثريي ذو أمهية قصوى لضمان ترويج السلع و اخلدمات لدى أكرب عدد من املستهلكني. فيتمثل يف الثورة أو االنفجار االتصايل الذي شهدته هناية القرن العشرين مما مسح بتوسيع املقام اخلطايب و نفوذ اخلطاب االشهاري إىل ما ال ميكن أن حيصى من املتلقني . لقد أصبح االشهار عرب وسيلة التلفزيون عصبا أساسيا يف عملية الرتويج و التسويق للسلع و اخلدمات يف الوقت الراهن من جهة ، و مدخال أساسيا من مداخل التنشئة االستهالكية و التلقني الثقايف من جهة اثنية . و يعود ذلك ابلدرجة األوىل ملا ختتص به الرسالة االشهارية من مميزات جتعل منها مادة أكثر ترسخا يف األذهان يف زي مسل و ممتع ، احلركات و األلوان ، األغاين واملوسيقى املرافقة هلا، الشخصيات املشهورة اليت تعرض السلع . و ابعتباره صريورة خطابية، يعتمد االشهار على مبدأ استمالة اآلخر و ترويض مشاعره و فكره متهيدا لتعديل سلوكه ومواقفه العامة من األشياء املادية و الفكرية و الثقافية اليت تشكل لديه املنظار الذي يرى من خالله العامل اخلارجي ويدركه ؛ كل هذا يف لباس مبهر و مسلي خيدر الوعي خاصة لدى املستوايت العمرية الدنيا.هكذا ، و مبوازاة وضع السلع االستهالكية يف الواجهة وتقدميها يف أمجل حلة للمتلقي/املستهلك ، يستند اخلطاب االشهاري إىل "ازدواجية يف التدليل جتعل املنتج يتأرجح بني مظهر مادي هو موضوع االقتناء و هدف االشهار ، و بني الكون القيمي الذي خيتزله هذا املنتج و يعد رمزا له ؛ بعبارة أخرى ، يقو هذا اخلطاب بسهولة حتقيق مجيع الرغبات و خيتز حياة اإلنسان و املشاكل اليت تواجهه إىل مشكلة استهالكية يتم جتاوزها من خال الفلسفة االستهالكية و اليت عربها تصبح البضاعة يف هذا اخلطاب احملور الرئيسي للعامل و احلياة، كما يتحو احلصو على األغراض اليت يبثها االشهار عرب التلفزيون إىل امتالك قوة خارقة حتو حياة املخاطَب كلية و حتمل له السعادة و الفرح حيث عرف اجملتمع األمريكي تغريات سياسية، اجتماعية وتكنولوجية أدت إىل عدة حتوالت على رأسها توفر السلع و اخلدمات بشكل كبري مما استدعى توفري قاعدة كبرية من املستهلكني. ابلتايل ، تعترب احلكومات األمريكية أو قيادات فهمت هذا املبدأ و شكلته مع مطلع العشرينيات ، "لقد عملت على حتفيز و إاثرة مشاعر حتقيق الذات والغرية االجتماعية بني املستهلكني األمريكيني هبدف بعث إنتاج سالسل الرتكيب يف صناعة النسيج والسيارات و يف جما البناء . و جنحت هذه االسرتاتيجية ابلفعل إذ أنه ومنذ الثالثينات من القرن العشرين بدأ األمريكيون يف االستهالك أكثر آملني يف احلصو على ما ميلك اآلخر؛ و إذا حصلنا على مواطنني يقارنون أنفسهم جبرياهنم و يبحثون عن التفوق عليهم حبسب متلكهم لألغراض و السلع، فإن ذلك هو التحكم مبفاتيح و مقاليد التطور و االستهالك". 2 فمن أجل ضمان تصريف السلع داخل الدو الرأمسالية يف البداية، برز الدور احليوي لإلشهار كأسلوب اتصايل يعمل على ترويض الناس على االستهالك من خال إقناعهم بضرور ته والتملك كقيمتني جوهريتني لدى الفرد املعاصر. ومن خمتلف التخصصات، ابلدراسة والتمعن . فنجد منهم من ركز على اجلوانب الفنية ، اجلمالية و التقنية إلعداد الرسالة االشهارية ، و جند فريقا آخر حاو مدارسة أتثرياهتا يف عمليات اختاذ القرارات الشرائية. و من الباحثني من اهتم بكشف النقاب عن األساليب االقناعية اليت يتبعها املشهرون يف صياغة املضامني االشهارية ،املتلقني سواء من الناحية املعرفية-اإلدراكية، االنفعالية أو السلوكية . وتصب دراستنا يف هذا املسار األخري من البحوث، إذ نسعى من ورائها إىل التعرف على كيفية تلقي فئة األطفا كجمهور خاص لإلشهار التلفزيوين ، مدى إدراكهم له وتفاعلهم معه ؛ فالطفل يف عالقته اليومية مع التلفزيون يستهلك خطاابت إشهارية ذات خصوصية لغوية ثقافية ونفسية تؤثر على إدراكه لألشياء ، الفضاء ، و الزمن و حىت الغاية من وجوده. إن ما هندف إليه من خال هذه الدراسة هو التعرف على مدى سعي االشهار التلفزيوين عرب القنوات التلفزيونية املختلفة لنشر الثقافة االستهالكية و مدى بروزها لدى الطفل اجلزائري الذي يتعرض خلطاب التلفزيون االشهاري. استعرضنا يف اإلطار املنهجي إشكالية الدراسة و تساؤالهتا، جمتمع الدراسة و عينتها، منهجها وأدواهتا، املفاهيم األساسية إىل جانب استعراض جمموعة من الدراسات السابقة و املرتبطة اليت استفدان منها عرب خمتلف حمطات البحث. وتضمن اإلطار النظري فصلني، خصص الفصل األو املوسوم بـخطاب االشهار عرب التلفزيون و الطفل للتعريف ابخلطاب عموما و اخلطاب االشهاري التلفزيوين مع الرتكيز على مميزاته األساسية يف مبحث أو ، تعريف الطفولة و خصائص مراحلها املختلفة يف مبحث اثن مع ختصيص مبحث اثلث لتعريف االشهار التلفزيوين و خمتلف اآلليات التأثريية اليت يستخدمها للتأثري على املشاهد عامة و املشاهد الصغري على وجه التحديد ، مربزين أهم انعكاسات ثقافة االستهالك عرب االشهار التلفزيوين على الطفلأما الفصل الثاين و املوسوم بــالثقافة االستهالكية من خال اخلطاب االشهاري التلفزيوين، فلقد مت تقسيمه إىل ثالثة مباحث أيضا تعرضنا يف األو للتعريف ابجملتمع االستهالكي و خصائصه ، يف الثاين الثقافة االستهالكية و مميزاهتا و يف املبحث الثالث قدمنا عرضا النتشار الثقافة االستهالكية يف الدو العربية وكذا الدور الذي لعبه اإلشهار يف ذلك مع التعريج على اجلزائر كنموذج . و خصص املبحث الثاين للتعرف على إدراك و تفاعل األطفا املبحوثني مع االشهار الذي يتعرضون له عرب التلفزيون و كذا اجتاههم حنوه. أما املبحث الثالث ،