إذا كنت في هم وضيق ولم تتمكن من التحدث إلى والديك، فإنك قد تكتب لهما رسالة تطلب منهما العون. وهكذا قلب الإنسان حينما يكون متعبًا فإنه يمكنه - إن أُعطي الفرصة - أن يكتب رسالة إلى الطبيب غالبًا ما تجعله قادرًا على عملية الإنقاذ.القلب والرسالة التي يكتبها القلب ليست مكوَّنةً من كلمات بالطبع، ولكنها خطوط متعرجة تُشبه لهو طفل في كراسته ، ولكن تلك الرسالة التي تُسمى رسم ا الكهربائي تعطي الطبيب المتمرّنَ صورةً واضحة لحالة القلب،ورسم القلب الكهربائي لم يُكتشف دَفْعةً واحدةً أو بوساطة رجل واحد. فمنذ سنين عديدة كان الإنسان يعلم أن انقباض أية عضلة بـ كهربائية صغيرة. شحنة يسببوبما أن القلب مكوّن من عضلة، فقد حاول العلماء أن يقيسوا ويسجلوا التيار الكهربائي الذي يسببه انقباض القلب أثناء ضرباته، وبذلك يكتشفون أي خللفي عمل هذا العضو الحيوي فيبتدِئُون علاجه. ولكنَّ كل الاختراعات التي عُمِلَتْ لهذا الغرض من غير الممكن الاعتماد عليها، حتى جاء أستاذ هولندي واستعمل آلة بسيطة لم يفكر أحد من قبل في استعمالها.ففي أوائل القرن العشرين كان (ويليم أينتهوفن) أستاذ علم وظائف الأعضاء في (هولندا) مهتما بدراسة القلب البشري. وكان الطب قد قفز عدة قفزات كبيرة، إذ اكتُشفت في تلك المدة طرائق جديدة للتشخيص والعلاج تعمل بكفاءة، وتوصَّل العلم إلى كشف الكثير من أمراض العيون والحَنْجَرة والرِّئَةِ والمَعِدَة، وكذلك عُرفت طرائق جديدة مأمونة في الجراحة والأمراض الجرثومية، ولكنَّ القلب بقي كما هو سرًّا غامضًا.وفي يوم من الأيام كان ( أينتهوفن ) يفحص آلة صنعها الأستاذ (والر) لتسجيل حركة القلب، وكان الأخير إذا ما سُئل عن آلته يقول: «تتكون من عمود من الزئبق أنبوبة زجاجية عمودية لها سلكان يتصلان بجسم المريض ويوصلان تيار في وصلات حياة الكهرباء منه إلى الزئبق.وأومأ ( أينتهوفن) قائِلًا: «إنَّ التيار الكهربائي الذي يولده القلب أثناء ضرباته يحرك الزئبق في الأنبوبة، والآلة غير عملية، فالطبيب العادي لا يمكنه استعمالها.ووافقه (والر) في أسف وحُزنٍ: «هذا صحيح، فما بالإمكان استعمال هذه الآلة إلا في معمل، إذ تحتاج إلى كثير من الوقت والعناية للتسجيل، فأنا أعلم أن هذه عيوب حقة في الجهاز وهي التي منعته من الانتشار.وقال (أينتهوفن) بتمعن: إن فكرة الجهاز صحيحة، ولكن لابد من طريقة ) لانتقال التيار الكهربائي بسرعة ودقة إلى الجهاز للتسجيل كل ما نريده هو شيء أكثر حساسية للكهرباء حتى يسجل التيار فورًا». وأخذ (أينتهوفن) يفكر مدة طويلة في جهاز الأستاذ (والر) ويبحث عن طريقة لتحسينه.وبمشيئة الله تعالى رأى ( أينتهوفن) في يوم من الأيام جلفانومترا بسيطًا من اختراع ( سويجر) لإظهار أي تيار كهربائي، وكان مصنوعا من خيط رفيع من الكوارتز فوقه طبقة من الفضة، وموضوعًا بين قطبي مغناطيس، وهو حساس | جدًّا لدرجة أنَّ أي تيار كهربائي ضَئِيلٍ يسبب ذبذبة الخيط فورًا. وحينها عرف أن الجلفانومتر إذا وصل بجهاز تسجيل فسوف يحصل على جهاز موثوق به لتسجيل حركة القلب. وهكذا ابتدأ في صنع هذا الجهاز. لم يكن ذلك ليسوءه؛ لأنه أثبت - دون شك - صحة فكرته، وبالتالي أمكن تكبير وتصوير ضربات القلب بالفوتوغرافيا على الفور. ومع مرور الأيام أُدخلت كثيرٌ من التحسينات على رسام القلب الكهربائي الأصلي الذي صنعه (أينتهوفن)، واليوم توجد أنواع صغيرة يمكن حملها إلى جانب سرير المريض حتى تسجل رسم قلبه، وحتى يتمكن الطبيب من قراءة التشخيص.إنَّ رسام القلب الكهربائي لا غنى عنه الآن ؛