قدمة لا شيء البتة يهيمن على وعي الإنسان وعلى أحاسيسه، الزمان، وهذا منذ عصور الأساطير الألفية؛ الذهبية، 1 حتى عصرنا هذا الذي تجاوز المللي ثانية، والميكرو ثانية (واحد على مليون من الثانية) إلى النانو (واحد على بليون من الثانية)، البيكو والفمتو (واحد على مليون بليون) وفي فتشتبك مع الليالي ومضيالأعوام، والبحث التواق عن آفاق الأبدية السرمدية. أم أنه ليس هناك للأحداث؟ فسوف تصحبه الصفحات ربما بدا الفصل ومع هذا فإن كل ما يقصده أن الزمان والمكان—وليسالوجود—هما الإطار العام والفكرة المبدئية التي تجعل هذا الكون منتظمًا قابلًا للتعقل. ثم تتوالى الفصول بعده أكثر سلاسة وأقرب الزمان في الفلسفة والعلم إلى القارئ العام لتوضح تميز الزمان عن المكان، تياري العقلانية واللاعقلانية، وأن هذا التناول يستبعد الخلط بين الأبدية وبين اللاتناهي. الإسلامية والمسيحية على السواء، فيكون لقاء مع تيارات صوفية ثم حدسية ورومانتيكية المقيس، لينتهي بنا المطاف مع مضامين لزمان آينشتاين النسبي. وبهشيء من الفائدة. Categories, إن أرسطو — بفلسفته المنصبَّة على الوجود، والمتعين بماهيته، 1 هو المقولة الأولى، أي ، أي جوهر كلي. وما نراه من اختلافات ليس إلا صفات تُحمَل استنباطيٍّا، وكانت فاتحة الحضارة الحديثة، وبدء طريق العقل الحديث في العصر الحديث، فأصبحت من رأسها إلى العلم الحديث ونموه. القاهرة، « المعجم الفلسفي » ، يوليو ، « الشك عند ديكارت » ، G. ويضؤل شيئًا فشيئًا، –١٨١٥) Boole المنطق الرياضيالحديث هو منطق العلاقات، انفصالية أو عطفية أو تركيبية من هذا وذاك. إنجازات الفلسفة المعاصرة، فقد جعل من الممكنصياغة مشكلات قديمة بطريقة جديدة، وكان له دوره العظيم في إثراء الفكر الفلسفي المعاصر، والذي بل بوصفه تعدديٍّا. وكل الفلسفات ذات الطابع العلمي والعقلاني لا بد أن تسلم الآن بالتعددية. مع Logical Atomism وقد بلغت هذه التعددية ذروتها بفلسفة الذرية المنطقية Russell والذرية المنطقية كانت بمثابة رد فعل لواحدية برادلي خصوصًا والميتافيزيقيين كما كانت في الوقت نفسه انعكاسًا لكشف العلم للطبيعة الذرية لكل شيء، كثرة متكثرة من الوقائع والواقعة أما فإن القضية التي ترسمهما — أو ترسمها — هي القضية 4 وهذه الذرية المنطقية شاعت في الفلسفة المعاصرة، واتخذها التيار التحليلي PP, 323–343 4 يمنى طريف الخولي وانظر أيضًا في المرجع واتخذتها مذاهب أخرى متعددة، ١٩١٠ ) الذي جعل التعددية المتطرفة الرافضة جدٍّا للواحدية هي –١٨٤٢) W. James هندسة بنائه الأنطولوجي، المنطقية، وهو عالم ذو باع كبير في الفسيولوجيا وعلم النفس، حتى إنه قد قال عن لكونه منطقيٍّا: تبٍّا له من حمار! 5 وسواء أخذنا بالذرية المنطقية أو رفضناها، فالذي لا جدال فيه أن الجوهر الأرسطي الآن، ليس الجوهر، أي: كون منتظم. والكوزموس أو الكون الذي ؛ تتعامل معه الفيزياء الحديثة هو المادة تتحرك عبر المكان خلال الزمان. والنظرية أي: حسابات الانتقال من نقطة أي: خلال مدة من لحظة إلى أخرى في المكان بسرعة معينة، أي: خلال مدة من لحظة إلى أخرى في الزمان. ونظرًا لعمومية الفيزياء وشموليتها وتربعها على قمة نسق العلوم الإخبارية، فإن سائر أفرع العلم الأخرى — سواء الطبيعية فعوالمها مجرد زوايا أكثر خصوصية ترجمة محمد علي العريان، (القاهرة: ، « أفكار وشخصية وليم جيمس » ، 5 راجع رالف بارتون بيري القاهرة، 13 الزمان في الفلسفة والعلم وحتى قبل نشأة العلم الحديث بقرون عدة، كانت الفلسفة قد صاغت نظريٍّا ما هو معطى للحس المشترك، سلسلة من الظواهر يستحيل منطقيٍّا حدوث أيها خارج نطاق الزمان والمكان. هيراقليطس إلى أنه لا وجود خارج إطارهما، أن يتجاوز مقاييسه، وهذه المقاييس هي الحدود المكانية والزمانية. 6 والخلاصة إذن «. العالم قد وُجِدَ (أصلًا) بفضل ما له من حدود زمانية مكانية » رأت أن أنهما إطار الوجود الذي عهدناه. والأمر كذلك تمامًا على مستوى المعرفة، والمقصود بطبيعة الحال المعرفة بهذا الكون، وهي التي تعهدت الفلسفة برؤاها ومبادئها ومسلماتها ومناهجها، حتى تسلمها العلم الحديث إبان نشأته في القرن السادس عشر وهي مهيأة لتنامٍ وتعملق ما كان يخطر على بال. Kant إن الزمان والمكان كما أشار إيمانويل كانط شكلان قبليان للحساسية، أو تجربته الخارجية. فالزمان والمكان إذن صورتان قبليتان أو شرطان للمعرفة، مثلما والمعرفة والوجود — أو الإبستمولوجيا والأنطولوجيا — هما في خاتمة المطاف المحوران النهائيان اللذان لا بد أن يدور حول أحدهما أي جهد للعقل البشري. القيمة — الأكسيولوجيا — المحور الفلسفي الثالث والأخير، فمحضتقاطع بين المحورين الأولين، وتمثيل لعلاقة الذات العارفة بهذا الوجود ورؤيتها له وإسقاطاتها عليه. ١٩٣٧ ) أنهما الأصل الهائل أو –١٨٥٩) S. Alexander عقله. Primal Stuff الحقيقة المبدئية التي نشأ عنها العالم، انبثقت الحياة، ثم الوعي، وأخيرًا الألوهية، 14 الزمان والمكان صدر المقولات انبثاقها عنهما، ١٩٤٥ ) بفلسفته للأشكال الرمزية يعرف الإنسان بأنه حيوان –١٨٧٤) E. والفن، والعلم … إلخ. هو صلتها بالزمان والمكان. الأسطوري لم يكونا محضشكلين فارغين أو خالصين، بل كانا يُعَدَّان القوتين العظميين والمكان في صدر المقولات والفكرتين الأوليتين، وضع الأصبع عليهما، أو بلورة ناصعة لما هو كائن منذ أن كان الإنسان، ذاتها عُنِيَتْ عناية بالغة بالزمان والمكان. إن تقولب كل وجود في قالب ما من الزمان والمكان هو بؤرة من بؤر الوعي الإنساني في كل مستوياته: من الحس المشترك إلى التفكير العلمي إلى الفكر الفلسفي. منذ العصرالأسطوري الذي يتسم باضطراب خط الزمان والمكان؛ حيث تقع حوادث الأسطورة في إطار زماني غير منطقي، وتنتقل عبر أمكنة لا يمكن يبلغ درجة مبهرة في تعيينهما بدقة متناهية تنطبق على الكوكب وهو يتحرك في السماء، Space, (New Haven: Yale University Press, 1944) 8 15 تميُّز الزمان عن المكان خصوصًا لعالم الظواهر يملك حيثياته الفلسفية والعلمية والسيكولوجية حين J. طابق بينهما بواسطة الحركة المكانية والسرعة الزمانية، اللتين هما وجهان لعملة واحدة، ومن ثم قال بياجيه إن الزمان مكان متحرك والمكان إنهما بالنسبة للتفكير العقلاني والعلمي، وعلى أخص الخصوص بالنسبة للفيزياء وبتشابكهما معًا يحويان الأنظمة الأخرى جميعًا وحدة، وكل نطاق أو حيز معين جزء من المكان، وكل أجزاء الزمان ترتبط معًا في وحدة ولعلهما من زاوية ما للنظر — خصوصًا إذا كانت العقلانية والعلمية — يبدوان متماثلين مثلًا، وهي العلم الذي قام Topology ويثيران مشكلات واحدة، أي: العلاقات المكانية المختلفة؛ التي تعطينا الشكل الثابت (London: Routledge & Kegan Paul, 1980), p. 79 الزمان في الفلسفة والعلم في طوبولوجيا الزمان — كما سنرى. مشكلات واحدة، ويوضح أيضًا كيف أنهما إطار لا مخرج منه للوجود وللمعرفة هو التساؤل الشهير: إذا كان للزمان بداية ونهاية، ذلك التساؤل: إذا كان للمكان بداية ونهاية، فما الذي يوجد قبل المكان وبعده؟ والمثال هنا الأقرب إلى التفكير العلمي هو هذا التساؤل: هل يمكن أن يوجد زمان خالٍ تمامًا؟ عن تصور مكان خالٍ تمامًا. وهذه المشكلة تبناها أمير علماء العلم الحديث إسحاق نيوتن مبادئ الفلسفة » في بحثه عن الزمان والمكان المطلقين، إلى أن التفكير العادي لا يتناول الزمان والمكان والحركة إلا ) « الطبيعية من حيث علاقتهما بالأشياء المحسوسة، من معلوماتنا الحسية بتجريد، يمثل أساسًا ولبنة للعلم، هي: المكان التصوري، يقابلها: الزمان التصوري، والزمان الفيزيائي، يتصور الفيزيائي الزمان بالطريقة نفسها التي يتصور بها المكان؛ وتتخذ كل أحداث الطبيعة موقعًا فيه. يعامل الكرونومتري وكما أن الوعي لا يتلقى نقاطًا لا امتداد لها، ويتعامل العلماء معه بسهولة، أما الزمان والحركة لا يطولها المكان. ص ٨١ ، 1959). pp. تميُّز الزمان عن المكان فعلى الرغم من كل ما رأيناه من ارتباط الزمان والمكان، فإنهما ليسا البتة على قدم وليسا متساويين أو متكافئين، المختلفة — متميزًا عن المكان ومتقدمًا عليه، ندان لا ينفصلان، بل ثمة فحسب زمانيات مكانية تستلزم زمانًا-مكانًا أوليٍّا عاد بعد هذا ليعلي من شأن الزمان بوصفه مبدأ تنظيم، وليس المادة أو الجوهر الممتد، وإيمانويل كانط أيضًا، وقد ذهب إلى أن الفارق الوحيد بينهما هو أن الزمان يقوم على التوالي بمعنى التعاقب بين الأحداث أما المكان فيقوم على التتالي بمعنى التجاور وفقًا لعلم الهندسة. نقول إن كانط أوضح أن المكان هو شكل تجربتنا الخارجية، أما الزمان فهو شكل تجربتنا الداخلية. عن الشروط الداخلية في العقل الذي يتصوره. الزمان على المكان ويعتبره الأعم والأشمل؛ لأن المكان مقصور على الظواهر الخارجية وحدها، علاقته الوثيقة بالعالم الداخلي للانطباعات والانفعالات والأفكار. والزمان بهذا الوصف هو معطى من معطيات الوعي المباشر، المكان، بل من أي تصور آخر كالسببية أو الجوهر، 4 وليس من الضروري بطبيعة الحال أن تتسم كل خبرة بطابع «. مكاني، بل إن الخبرة بغير عالم الظواهر الخارجية لا يمكن أن تتسم بالطابع المكاني. وإذا كان الفيلسوف الألماني كانط شيخ الفلسفة الحديثة بأسرها، ما أخرجته الفلسفة الألمانية المعاصرة في القرن العشرين كتابان؛ ص ١١٣ ، « دراسات في الفلسفة اليونانية » ، 4 أميرة مطر 19 الزمان في الفلسفة والعلم ١٩٧٦–١٨٨٩) M. والثاني: كتاب مارتن هيدجر ) Sein Und Zeit الوجود والزمان حتى عُدَّ إنجيل فلسفات الوجود والفلسفة الوجودية المعاصرة؛ وذلك لأنه نظر إلى الوجود نظر إليه من خلال الزمان. وفي القسم الأول من الكتاب اعتبر هيدجر أن الزمان هو الأفق الترانسندنتالي المتعالي الذي ننظر منه إلى السؤال الموجود ثمة أو الكائن ) Dasein « الدازين » عن الوجود؛ الملقى به هناك والتي تُرجِمَتْ بالآنية 5 وقد وضع هيدجر مصطلحات معقدة وجهازًا فلسفيٍّا مهيبًا وفعالًا؛ لينجز «. الزمانية هذه المهمة التي كانت ضرورية، مهمة التفسير الزماني للوجود والتفسير الوجودي واعتبار الزمان الأفق الذي نطل منه على الوجود. فقد ارتبط الزمان دائمًا بالوجود، الوجود منذ فجر الفكر الفلسفي مرادف للحضور، ويتكلم بصوته، والماضي في تصورنا الشائع أيضًا هو الذي لم يَعُدْ له وجود، أقدر من الزمان على البقاء، إلا أن وجودنا يرتبط ويتحدد بالزمان المنقضيالمتلاشي، نداء الحقيقة، (القاهرة دار الثقافة للطباعة والنشر، قسم الفلسفة والاجتماع،