وقد تناول بيرلين في كتابه دور «العظماء وتأثيرهم في مسار التاريخ، ونتيجة لذلك تكون رؤاهم شاملة ومترابطة ومتكاملة . ويصنف السير إيزيا بيرلين كلاً من المفكر السياسي اليوناني أفلاطون والفيلسوف الألماني جورج ويلهلم هيجل الذي عاش في القرن الثامن عشر ضمن الفئة الأولى، بينما يرى أن كلاً من الفيلسوف اليوناني أرسطو والمؤرخ هيرودتس ينتميان إلى الفئة الثانية . ولكن بيرلين يقر بأن بعض العظماء يتمتعون بسمات الفئتين . وأنه سبب تراجعهم بعد الانتصارات التي حققوها في فجر تاريخهم ؛ وكان الشيخ زايد قد رأى بأم عينه مخاطر التفرق بين أهله في منطقة الخليج العربي . بقدر ما تعلم من مراقبة الآخرين والاستماع إليهم، وذاكرته الحديدية، وإلمامه التام بالثقافة والتقاليد القبلية مهدت له تخطي حدود أنماط الفكر التقليدي الجامد ؛ وكثيراً ما كان يدهش محاوريه باستيعابه الشامل للقضايا المعقدة. بل قام بتكييف ذلك الإطار ليتوافق مع الأحداث التي تتكشف للعيان، ومع ذلك فقد حافظ على ثوابته التي لم تخضع للتعديل أو التحريف . لقد وفر هذا المزج المتناغم بين المبادئ والسياسة البراجماتية القاعدة الأساسية التي انطلق منها صاحب السمو الشيخ زايد في بناء صرح دولة الإمارات العربية المتحدة . ويعد الشيخ زايد من القلة القليلة من رجال الدولة المعاصرين الذين دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه بعد أن وحد أقواماً متفرقين في دولة واحدة. وهذه المهارة المتفردة في تحقيق التفاعل بين المنهجين ومن منظور تاريخي تضعه هذه المهارة ضمن الفئة القليلة من مؤسسي الدول ذوي الشخصيات الملهمة (الكاريزمية) . لكن هذا الموضوع يستحق أن نتوقف عنده مرة أخرى . إن الإقناع يتطلب وقتاً لا يملكه الساسة ورؤساء الدول الذين يكونون في عجلة من أمرهم في أغلب الحالات، ولذلك تكون القوة هي الوسيلة الأساسية التي يلجؤون إليها في نهاية المطاف لتحقيق غاياتهم. معتبراً الوقت والتجربة المحركين الحقيقيين لعملية التغيير، وفي حين أسس العديد من القادة دولهم على الانتصارات المسلحة، فإن الشيخ زايد قد بنى دولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح كياناً مدنياً، وذلك باستخدام الوسائل السلمية وانتهاج سياسة التسامح والصبر، مع احترام كرامة الإنسان. وبدلاً من رفض التنوع الذي تتسم به الأطراف التي شكلت الاتحاد سعياً وراء تحقيق شكل نظري وإطار مجرد من أشكال الوحدة لا أكثر، فإن الشيخ زايد قد كان في وسع صاحب السمو الشيخ زايد بفضل قوة شخصيته، والاحترام الذي يحظى به في أرجاء العالم، أن يفرض الحلول السياسية التي يرتئيها ، غير أنه أثر تولي المهمة الشاقة المتمثلة في إنشاء الدولة بالإجماع. وبهذا يكون الشيخ زايد قد اتبع الطريق الأصعب نحو بناء الدولة، لأنه آمن أنه بتحقيق هذا الهدف بهذه الطريقة يكون قد أدى واجبه تجاه شعبه. إن الدولة النموذجية التي أنشأها والتنمية القائمة على أساس سلمي والتي أضحت مثالاً يحتذى هما هديته التي لا تضاهيها هدية أخرى إلى شعب الإمارات العربية المتحدة . الشيخ زايد صاحب الرؤية والسياسة البراجماتية إذ يبدو أن الإمارات المختلفة قد عرفت تماماً ما تريد تحقيقه،