من الصعب بمكان أن یقدم الدارسون ، مثلاً، شاھداً قویاً على ما ذكرناه، ذلك بأن التعریفات المقدَّمة لھ متعددة ومتنوعة قدیما وحدیثاً معاً، ویرجع ذلك إلى أمرین رئیسیْن على الأقلّ؛ مشاربھم ومنطلقاتھم النظریة. وأما ثانیھما فیتجلى في اختلاف المعرِّفین أنفسھم وفي تفاوت فھمھم لھ وفي تباین بعـــد حدیثھ المسْھَب في مقدمتھ عن فضل علم التاریخ، ووقــوفھ على أغالیط بعض المؤرِّخین، دَلف التِّعْلامة عبد الرحمن بن خلدون الحَضْرمي(ت808ھـ) ، في إلى تفصیل القول في العمران والتمدُّن والتحضُّر. وذكر أن الاجتماع البشريَّ یُبْتدَأ فیھ بالضروریات قبل الحاجیات والكمالیات، على حین یسـعى الحضَر إلى ما فـوق الضـروري من الأشیاء والمُتـطَلّـَبات، وأن أجیال البدوو الحضَر طبیعـــیة وضروریة لقیام العمـــْران البشري. قال ابن خلدون: "أھل البدو ھم المنتحِلون للمعاش الطبیعي من الفَـلْح والقیام على الأنعام، وھم ومقصِّرون عما فوق ذلك من حاجي أوكمالي یتخذون البیوت من الشَّعَر والوَبَر أوالشجر أومن وأما أقواتھم فیتناولون بھا یسیراً بعلاج أوبغیر علاج ألبتّة إلا ما مسّتھ النار". وتحدید ماھیتھ، فجاءت اجتھاداتُھم متنوعة؛ متشاكلة طوراً،