غادر فصل الشتاء بعواصفه و برقه و رُعُوده حزينا لأنه سوف يغيب تسعة أشهر وأطل الربيعُ الضّاحةُ المُعتدل راكضا بين البساتين الفسيحة و في الحقول المترامية الأطراف و في كل مكان مزهوا بنفسه ليُضيف لمسته الخضراء على الأشجار والنبات . يُقبل الربيع تلك الأشجار الحزينة فتغدو الطبيعة خلابة خضراء و يُزهر ريحاتها الأبيض وتسيلُ المياه الزرقاءُ النّقيّة في الأنهار و الجداول الصغيرة لتروي النبات والحيوان و عادت العصافير تغردُ من جديد ، و بنت أعشاشها على الأغصان المُزهرة و الشمس تُراقب هذا المشهد بعيون مليئة بالأمل و قد تربعت في مملكة السماء و نثرت جدائلها الذهبية على أكتاف الجبال الشاهقة فسبحان الله الذي أنعم على الإنسان وسخر له الطبيعة في أحلى الخلل. وصفحة الماء تتراءى مصقولة مثل سطح من الفضة البراقة. ثم علق نظري بجمال المروج الخضراء الممتدة بأعشابها الناضرة وورودها اليانعة، وتشفي الصدر بهوائها العليل، وتبتهج الروح بنفحاتها الشدية. ظللت أسرح بين رياض الجنان الأرضيّة، كانت أغصانها متشابكة يمرّ بها النسيم الفواح ، ويداعبها بأصابعه الخفيّة ، واطمأنت نفسي إلى تلك الموسيقى العذبة، وكأنها قد سافرت بي في عالم الخيال والحلم لم أنتبه إلا أوّل المساء، إنّ الطبيعة لَهِي الفضاء الرّحب الذي يتأمّل فيه الإنسان آيات عظمة الله فيقدسه و يزداد قلبه يقينا بوجود خالق لهذا الجمال، وتفعم النفس ابتهاجا وأملا .