بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتِنانه أحمدُ الله تعالى وأشكرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آل بيته وصحابتِه، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد معشرَ الصائِمين فمئةُ دقيقةٍ تقِلُّ أو تزيدُ قليلاً تفصِلُ بينكم الليلةَ وبين غُروبِ شمسِ يومِ العشرينَ من رمضان لتبدأَ معها ليالي العشرِ الأواخرِ من رمضان فتحُلُّ بنا خيرًا وبركةً وأجرًا متلألئةً تلألُؤَ القمرِ ليلةَ البدرِ في سماءِ الدنيا ليالي العشر أجل ليالي العام على الإطلاق وأعظمها عند ربنا الكريم سبحانه وتعالى أقسم الله بها فقال وليالي عشر في بعض الأقوان أنها المقصودة هي الليالي التي عظم شأنها لأجل ما أودع الله فيها من الليلة الكريمة المباركة ليلة القدر ليلة القدر التي جُعِلَتْ فِيهَا هَذِهِ اللَّيْلَةُ الْمُبَارَكَةُ فَإِذَا كُلُّ اسْتِنْفَارٍ وَاسْتِب وازدحام على أبواب الجنة في هذه الليالي إنما هو لطلب إدراك ليلة القدر ليلة القدر التي جعل الله قدرها عظيمًا عنده سبحانه فسمّاها ليلة القدر ليلة القدر التي جعل الله فيها إن زال القرآن فاصطفى الله تلك الليلة وربك يخلق ما يشاء أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ لما وصفها بالبركة جعلها عظيمة الخيرات والبركات وقال إنَّا أنزلناه في ليلة القدر والمقصود بالإنزال كما تقدَّم في مجلسٍ سابق هو الإنزال جملةً إنزال القرآن جملةً من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ثم نزل القرآن بعد منجَّمًا سبحانه، إنها ليلةٌ عظيمة هي ليلةُ القدر، وهي الليلةُ أيضًا التي تُقدَّر فيها مقاديرُ الخلائق، والمقصودُ به التقديرُ الحوليُّ السنويُّ، منه التقديرُ الأزل قبل أن يخلقَ الله الخلق، ومنه التقديرُ الذي يكونُ في أرحامِ الأمهاتِ، المُبارَكة، وفيها ليلةُ القدر، وكرمِه، ورحمتِه، ومغفِرتِه، والخيرِ المبذول، والسلامِ الممنوح في هذه الليالي المُبارَكة، عَلَّهُ أن يُصيبَ من خيراتها وقد قال عليه الصلاة والسلام وهو يُرغِّب فيها من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه أين المُشمِّرون المُجدَهِدون في البحث عنها؟ أين المُشمِّرون المُجدَهِدون في البحث عنها؟ القادمة في الليالي القادمة أيها الكرام يكون عند قلوبٍ بُلِئَت حبًا وشوقًا وتعظيمًا ومعرفةً وإدراكًا لعظمة الليالي المُقبِلة أما إن كل ليالي السنة نحن فيها في انشغال وذهابٍ ومجيءٍ وكثيرٍ من الارتباطات وأعباء الحياة لكنه الآن آن الأوان والله أن نتفرّغ عن كل ذلك وأن نترك الشواغل والصوارف ونجعل كل ذلك حتى في هذه الليالي المباركة لتمر عليهم ليلة القدر كسائر ليالي العام سواءً بسواء لا يُحرِّك ذلك عندهم ساكنًا ولا يُقوِّ فيهم إيمانًا ولا يُعيدُ عندهم حسابات أولئك فئةٌ وصفها النبي عليه الصلاة والسلام بالحِرمان حِرمان والله قال فيه ليلة من حُرِم خيرَها فقد حُرِم فهو المحروم حِرمان والله وغبن وخسارة وحسرة أن تكون حيًّا بين الأحياء اليوم فيمُنُّ الله عليك ويمُدُّ لك في الأجل فتُدرِك رمضان وتصوم وتقوم ثم تُدرِكُ ليالِيَ العشرِ الأواخرِ المُقبِلةِ بعدَ دقائِقٍ من الآن ثم أنتَ لا تصنَعُ فيها شيئًا ذابال ولا تحرِصُ على أن تكونَ واحدًا من الذين يسعَدون مدى الحياة بدعوةٍ يرفعُها إلى السماء فتُقبلُ هذا لا يحملنا على تذكُّر نعمة الله بإدراك هذه الليالي فليرينَّ الله ما يصنع أحدنا شُكراً له على النعمة أولًا، واجتهادًا وطلبًا للعفو والبغفرة ثانيًا وتأسيًا بنبيِّ الأمة الهادي البشير صلى هو هذا عنوانه أن تبلغ باجتهادك في الليالي المقبلة شيئٌ لم تفعله في سنتك كلها، شيئٌ ما صنعته قبل، ولا تظن أنك يمكن أن تصنع شيئًا أكبر منه عند الله في غير هذه الليالي باختصارُ أُبْذُلْ أَقْصَى مَا فِي طَاقَتِكِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبُ نَفِيسٌ وَاللَّهِ وَلَا من ذا الذي يُمكن أن يُزاحِمَ الخلائقَ على أبوابِ الجنةِ فيتركُها لغيرِه؟ من ذا الذي يُمكن أن يكونَ واحدًا من الفائِزين بالسعادةِ والعفوِ والعِتقِ والرضا والكرامةِ ثم هو يُؤثِرُ بها غيرَه ويتركُها لمن سِواه؟ الليالي المُقبِلة أيها الصائمون تقول الصديقة عائشة رضي الله عنها وأرضاها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر أحيى الليل وإيقظ أهله وجدَّ وشدَّ المئزر جمل تحمل عنوان الاستنثار في ليالٍ لا تحتمل الفتورة ولا التقصير ولا التأخير ليالٍ عنوانها السعي الحثيث لأجل حجز مقعدٍ في الجنة بذل ما أشبه بصندوقٍ كبير مليءٍ بالجواهر والكنوز وفُتحت لك باب حجرةٍ فيها أنفس ما يكون من أموال الدنيا فقيل لك تفضَّل وخذ ما شئت واحمِل منها ما أردت بالله عليك أَيَسَعُكَ أن تقول أنا الآن مشغول سأنام قليلاً وأعود أو تُؤثِر أن تقضِي ساعاتٍ أُنسًا مع الأصحاب وجلساتٍ في مُباح هذا لا يقوم ثلثه ذكرٌ ودعاءٌ وانقطاعٌ تام إلى عبادة الله هذا إحياء للليل فلا تقضي فيه ساعة في غير طاعةٍ وعبادةٍ واجتهاد كل ما يطرأ عليك عبد الله وكل ما يمكن أن يشغلك في الليالي القادمة فإنه يمكن استدراكه لكن إن فاتت عليك ساعة من ليلة القدر فمن ذا الذي يعوّذُك فواتها؟ تقول رضي الله عنها وَأَيْقَضَ أَهْلَهُ يُوقِظُهُمْ إِسْتِنْفَارًا لا يريد أن يدخل الجنة وحده، الله وجلوس بين يديه وانطراح عنده سبحانه وتعالى بقاء أيام معدودات العشر كلها أو جزء منها أو بعضها ولو بأقل القليل عنوانه رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير شعاره يا رب تركت بيتي وأتيت بيتك وأتيت بيتك وأنت الكريم ولن يدخل بيت الكريم أحد فيخرج من غير نوال حاجته مُحافِظٌ على الصفِّ الأول، والسُّنَدِ الرواتِبِ، والأورادِ، والنوافِلِ، والمُستحَبَّاتِ، أو التفريط فيها، بحثًا عن ليلة القدر التي ربما قال فانفتَلَ والتفت صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح يوم الحادي والعشرين، قال وأنا أنظر إلى أثر الماء والطين في جبهته صلى الله عليه وسلم وكان هذا ليلة إحدى منقطعًا، إلا في هذا كُنْ عَبْدًا طَمَّاعًا أُسْوَتُكْ خَلِيلُ اللَّهِ إِبْرَهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يَقُولُ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِخَطِيئَةِ يَوْمَ الدِّينِ اطمع اطمع فالله كريم والعطاء كبير اطمع في الحبلة وتفتر الهمة وتموت العزيمة أو يُعلِّقُك بليلةٍ واحدةٍ من بين ليالي العشر كليلة سبعٍ وعشرين، أو خمسٍ وعشرين، أو ليلة تسعٍ وعشرين، ويُزهِّدُك في البواقي أبدًا، إنما هي أيام يا كرام، بعضَها أو اللياليَ منها أو جزءًا منها ما استطاع ومن أراد أن يقومَ الليل ويُدرِكَ الفضل وينصَب وينشطَ ويكون بين ساعاتِ الليالي المُبارَكة إما قائمًا صفَّ قدميه بين يديه الله وإما ساجدًا قد بلَّلَت دموعُه خديه وإما تاليًّا للقرآن، وإما منشغلًا بطاعةٍ وذكرٍ جماعُ ذلك إقبالٌ على الله أنّا كنت في أي مكان اجعل شعارك البحث عن رحمة الله، ونيل عفوه ورضاه وهكذا يصيب العبد ما عند الله عز وجل ليست العبرة بكثرة العمل، الأواخر من رمضان فمن رامَ الفوزَ والسعادة وطمِعَ فيما عند الله اجدَهَد في الليالي المُقبِلة في العبادات التي شُرِعَت لنا وأعظمُها القيام، القيام، قيامُ ليلةِ القدر، لُبُّ الصلاة كلام الله عز وجل أن تقرأه إذا كنت إمامًا أو منفردًا وأن تستمتع بسماعه إذا كنت مأمومًا افتح قلبك قبل أذنك في قيام ليالي العشر الأواخر من رمضان عسى أن تجد آية طريقها إلى شغاف القلب فتغسلها عسى أن تقف مع آيةٍ يرتجف لها فؤادُك، وتدرُّ معها دمعتُك، فعسى أن تكون آية تُغيِّر مجرى حياتك، ما دخل قلب عبدٍ إلا أضاع وَلَا أَنَارَ الْقَلْبُ بِالْقُرْآنِ إِلَّا وَجَدَ السَّعَادَةَ فِي دُنْيَاهِ وَأُخْرَاهِ وَلَا عَاشَتِ الْقُلُوبُ لَحَظَاتٍ أَسْعَدٍ وَلَا أَمْتَعُ وَلَا أَرْوَعُ مِنَ الْإِسْتِمْتَعِ بِلَذِيذِ كَلَامِ اللَّهِ إن سمعتَهُ خَلْفَ الإِمَام أو قرأتَهُ في مصحفِك كلا والله كانت أمنا عائشة رضي الله عنها حصيفةً رضي الله عنها وأرادت أن تلتقط أنفس ما يمكن أن يتكلم به الداعي في دعائه قالت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فعف عني اجعلها على لسانك عبد الله بدءً من غروب شمس الليلة قائمًا وقاعدًا في كل وقت ما تدري والله لعلك تصيبها في ساعةٍ تجاب فيها الكلمة فتنال عفو الله أما إِنِّلْتَ عَفْوَ اللَّهُ فَوَاللَّهِ لَا يَضُرُّكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا بَعْدَ ذَلِكَ إِنِّلْتَ عَفْوَ اللَّهُ هَنِيئًا لَكَ أَنْ تَمْشِيَ بَيْنَ الْأَنَامَ عَبْدًا قَدْ عَفَى اللَّهُ عَنْكَ فإذا بقي لك أن يكرمك الله بكرمته يوم تلقاه ويأذن لك بنعيم الجنان هذا العفو نحن نطلبه نتذلَّل اللهم إنك عفو تحبُّ العفو نُثني على الله باسمه الكريم العفو ونصفُه بهذا الأمر إنك عفو تحبُّ العفو ثم نطلب هذا العطاء فاعفو عنا يا رب هذا الدعاء وإن قلت فيه تلك الجملة الكريمة عظيمةٌ طلبُ العفو والمغفرة والتوبة أن يعفو الله عنك أن تخرج من ذنوبك كما ولدتك أمك أن ترجع بعد العشر الأواخر من رمضان عبدًا تقيًّا نقيًّا طاهرًا أبيض الصفحة لا شيء قبل عفو الله عنك فانطلق في دنياك الجديدة بصفحةٍ بيضاء جديدة ليس فيها ذنوب الأمس ولا سيئات الماضي ولا أوزار في ثالثةٍ تبقى، كرامٌ وافدون يقول الحبيب المصطفى عليه الآن في هذه العشر والله تعيش العظمة بكل أطرافها عظمة مكان عظمة زمان عظمة عبادة عظمة ركنٍ جليل في أركان الإسلام بقي شيء واحد أن تكون أنت عظيماً عند الله وَلَنْ تَعْظُمَ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِالإِفْتِقَارُ وَالإِنْكِسَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ أُبْذُلْ دَبْعَتَكُ وَأَظْهِرْ فَقْرَكُ وَإِنْكِسَارَكُ أَعْظَمَّهِ يَكُونُ الْعَبْدُ عِنْدَ اللَّهِ إِذَا أَظْهَرَ به إلى ربِّكم الصلاة والسلام على نبيِّكم الكريم صلى الله عليه وسلم فإن صلاتَكم عليه محبوبةٌ عند الله،