رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك عصره وبيان بعض ما فيها من الفوائد والحكم من المنهج الذي اتبعه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في بلاغ رسالته وأداء أمانته - أنه عليه الصلاة والسلام كاتَب الملوك والقادة في زمانه، بعد أن استقر الأمر في عدد من الجهات من الجزيرة العربية، بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، بعد أن تم الصلح، يدعوهم إلى الإسلام، ويبلغ أمانة ورسالة ربه جل وعلا. "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64 وفي التحليل السياسي لهذه الرسالة نجد الآتي: • استخدم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في وصفه الوظيفي (رسول الله) وليس نبي الله مثلاً، وذلك من أجل أن يفهم هرقل ومن يسمع معه أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - يوحى إليه من أجل التبليغ للناس كافة، وخاصة أنبياء بني إسرائيل، تسلم، وأسلم، مسلمون) وهذه الكلمات تدل على السلام والأمن، وفكرة استخدام مفردة السلام شائعة لدى النصارى، فإذاً هو - صلى الله عليه وسلم - يخاطبهم بمنطقهم الذي يزعمون للناس في أنهم يرغبون بنشر السلام في الأرض، فالرسالة تقول أن ما جاء إليكم مني إنما هو من نفس المشكاة التي تؤمنون بها، جاءت لنشر السلام الذي تتكلمون عنه، كما جاءت لتصحيح ما زور وبدل في مساركم. • الدعوة في الرسالة كانت بدعاية الإسلام، (أدعوك بدعاية الإسلام) في حين في رسالته - صلى الله عليه وسلم - لكسرى كانت (بدعاية الله)، لأن النصرانية ليس لها مشكلة في قضية إيمانها بالله سبحانه وتعالى، ولكن مشكلتها في اختراع ابن لله سبحانه وتعالى، وإن الإسلام كمنهج عقدي يتناول هذه القضية الجوهرية ويعالجها علاجاً جذرياً. • لأن هرقل كان على دين النصرانية، فقد ختمت الرسالة بآية قرآنية، لأن عقلاء النصارى يستطيعون أن يميزوا كلام البشر عن كلام الله سبحانه وتعالى، لخبرتهم واطلاعهم ومعرفتهم بالإنجيل من قبل وربما التوراة أيضاً، فبالتالي تعطي هذه اللفتة قوة للرسالة في التأثير النفسي على هرقل ومن عنده، لما فيها من تأييد أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسول من الله سبحانه وتعالى. • عالجت الرسالة ضمن الآية القضية التي أخطأ فيها قوم هرقل واتباعه باتخاذ (الأرباب من دون الله)، وإنما جاء الإسلام لمعالجة الأمر أيضاً، فلا رب إلا الله سبحانه وتعالى. • أشارت الرسالة إلى الأريسيين، وهم أما أن يكونوا بسطاء الروم وضعفاءهم ومزارعيهم، فيكون القصد في أن رئاسة الناس أمانة في عنق حاكمهم، فإن أظلهم فسيبوء بذنوبهم، وأما أن يكون الأريسيون هم من على عقيدة أريوس ذلك الرجل المصري النصراني الذي دعا إلى توحيد الخالق جل جلاله وأن المسيح ليس ابن الله، وأصبح له اتباع كثيرون، فهنا يكون مراد الرسالة أن الكثير من الروم تدعوهم فطرتهم لأن يكونوا موحدين لله جل جلاله، وإن هرقل قد أفسد عقيدتهم التي هي أقرب ما يكون لما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم. • عموماً فإن الرسالة فيها الحسم والوضوح في طرح أكثر من قضية بشكل مباشر وصريح، ولم تكن لهجتها شديدة أو عنيفة، بل انطوت على الكثير من الرقة واللطف والدلائل الواضحة المقترنة مع قوة الموقف. من قيصر ملك الروم، وإني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل، وإني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولوددت أني عندك فأخدمك وأغسل قدميك". التحليل السياسي للرد: وأبدى ذلك من خلال ابتداء رسالته باسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قبل اسمه هو، وهذه الخصلة موروثة بالنسبة له لأن بني إسرائيل كانت تسوسهم أنبياؤهم. • إن قيصر أجاب بغاية الوضوح باعترافه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخدم اسم (أحمد) الذي بشرهم به عيسى عليه السلام، وفي ذلك دلالة على عمق الإيمان بالموضوع وقراءته للإنجيل من قبل، ومعرفته للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - حق المعرفة. • رغم شهادته بأن محمد رسول الله إلا أنه فضل ملكه على اتباع محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه مشكلة يعاني منها معظم الخائضين في مجال السياسة، حيث لا يكون في الغالب الأمر من أجل قضية، فحين تتقاطع القضية مع مصالحه الشخصية، يتمرد ويفضل نفسه ومكتسباتها. • بالنظر للصراحة التي جاءت في الكتاب، وأن قيصر في الأصل كان يماشي رجاله ويخافهم، فليس من المعقول أنه كتب الكتاب أمامهم، فربما أنه كتب الكتاب بعيداً عنهم، وبعثه للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - سراً. على هامش رد قيصر: كان أبو سفيان بن حرب في رحلة تجارية إلى الشام مع مجموعة من تجار قريش، (ولمّا يسلم بعد)، فرأى القيصر أنه من المناسب أن يسمع منهم لأنهم من قوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحب أن يسألهم بعض الأسئلة من أجل أن تكون الصورة أكثر وضوحاً عنده، فدار بينهما حواراً عجيباً نورده بنصه كما رواه الإمام البخاري من حديث أبي سفيان رضي الله عنه: فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه، ثم دعاهم ودعا بترجمانه، • فقلت أنا أقربهم نسباً، • قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل، • هو فينا ذو نسب، • لا. • لا، • بل يزيدون. • فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: • فهل يغدر؟ قلت: • لا، • نعم. قال: قال: • يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، • سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، • وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله، • وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا، قلت فلو كان من آبائه من ملك، • وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، فذكرت أنهم يزيدون، • وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه" من محمد عبدالله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وإن توليت فإن عليك إثم القبط و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [ آل عمران: 64 ] ". ويلاحظ كأن رسالة المقوقس نسخة مصورة من رسالة القيصر، إلا في بعض الكلمات (ربما كلمتين لا أكثر)، وسبب ذلك أن الملكين من أهل الكتاب، ومن اللافت الإشارة في رسالة المقوقس (من محمد عبدالله( ولعل المقوقس كان من المغالين في قول أن عيس ابن الله، رد المقوقس عظيم القبط: وقد علمت أن نبياً بقي، وقد أكرمت رسلك، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام". التحليل السياسي للرد: • خاطب المقوقس رسول الله باسمه )محمد بن عبدالله) وليس برسول الله وفي ذلك اعتبارات ربما لا تكون شخصية وإنما سياسية، ومنها رغبته بعدم تأليب القبط عليه في هذه المرحلة، وربما هي وسيلة لاختبار حلم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم. • ادعى أنه فهم مضمون الرسالة جيداً، ولعله يقصد مضمون الآية الكريمة، ولكنه لم يشر لها، أو لعله يقصد أنه علم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسول الله. وخصوصاً لم يظهر أحد في الشام يزعم أنه نبي، أو لعل المانع يتعلق بالشأن الداخلي لمملكته، أو به شخصياً. من أجل المزيد من الحب والود والتواصل، ليتخذ القرار المناسب. • جاء في الرسالة ذكر الجاريتين (ماريا وسيرين )، أن (لهما مكان في القبط عظيم)، ما يعني أنهما من عائلات كريمة وأصول عريقة عند القبط وليستا بجاريتين اعتياديتين، فهذا يعني ربما هناك رغبته في مصاهرة العرب قوم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، من أجل اتصال الأنساب (وهذا ما حصل بالفعل، فقد اتخذ رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - مارية لنفسه)، وهذا يدل على رغبة المقوقس بالقرب من النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل وإيمانه به ولكنه كان يخاف على ملكه مثل الباقين. ملحوظات هامة على ردي قيصر الروم ومقوقس القبط: • توفرت أثناء البحث مجموعة من الرسائل المتبادلة بين النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقيصر وردودها، فوقع الاختيار على رسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - المعتمدة أعلاه وتم اختيار المناسب والملائم لها من الردود، لموثوقية مصادر هذه الرسائل عند أهل العلم. • على الرغم من الاعتراف الصريح في رد القيصر، بشهادته برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحذر الشديد (الدبلوماسية العالية) في رد المقوقس، والتهرب من الاعتراف بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كرسول من الله، إلا أن القارئ يشعر أن ما جاء في رسالة المقوقس فيها الكثير من الصدق والعقل والرصانة والتؤدة، لذلك وعن بكر بن عبدالله قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يذهب بهذا الكتاب إلى قيصر وله الجنة؟"، فقال رجل: وإن لم أقتل؟ قال: "وإن لم تقتل"، فانطلق الرجل، فأتاه بالكتاب فقرأه فقال: اذهب إلى نبيكم فأخبره أني معه ولكن لا أريد أن أدع ملكي، وبعث معه بدنانير هدية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرجع فأخبره فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كذب " وقسم الدنانير ". فلهذا كان ردهما بهذا الشكل. رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الى كسرى عظيم الفرس "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله النبي الأمي، إلى كسرى عظيم فارس؛ سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم، تحليل المضامين السياسية للرسالة: 1- جاء في الرسالة النبي الأمي، وقد جاءت هذه العبارة لأن فارس كانوا يتعصبون بشدة لانتمائهم العرقي، ويعتبرون العرق الفارسي أعلى من بقية البشر، وخصوصاً العرب، بل ويعتبرون الشاهنشاه وهو أعلى سلطة في فارس له خصائص إلهية، فالرسالة تذكره بأن الآخرين لهم انتماءات مشرفة هم أيضاً، وحيث أن فارس يرون العرب تحديداً تبعاً لهم فجاءت الرسالة لتؤكد بأن موازين القيم والقوة والمكانة السياسية منها والدينية قد اختلفت من الآن فصاعداً. فبعد أن وردت أسلم تسلم، جاءت معها مجموعة من الواجبات والمتطلبات التي يفترض أن يدين بها كسرى من أجل أن ينقذ نفسه وتابعيه، هذا من باب، ومن باب آخر لم يرد فيها موضوع الأجر مرتين، وهذه الغلظة والشدة والقوة إنما هي لغة كسرى مع الآخرين فهي أسلوب مماثل لأسلوبه. 3- الدعوة كانت بـ(دعاية الله) لأن نظام الحكم في فارس يدين بالمجوسية، وفيها يعتبر كسرى له ذات إلهية، إضافة إلى عبادتهم النار، 4- تأكيداً على نقطة مفصلية رئيسية في العقيدة المجوسية التي ذكرنا في (3)، جاءت عبارة (لأنذر من كان حياً)، فالأنسان الحي سيموت يوماً ما، ففيها تذكير لكسرى بأنه سيموت كما مات آباؤه وأجداده، وإنه حين يموت فلن ينفعه شيء. ملحوظة: لم يرد كسرى بكتاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رسالة النبي صلى الله عليه وسلم الى النجاشي ملك الحبشة "بسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ إلَى النّجَاشِيّ عَظِيمِ الْحَبَشَةِ؛ أَسْلِمْ أَنْتَ، فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْكَ اللّهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدّوسُ السّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ وَأَشْهَدُ أَنّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رُوحُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ الْبَتُولِ الطّيّبَةِ الْحَصِينَةِ فَحَمَلَتْ بِعِيسَى فَخَلَقَهُ اللّهُ مِنْ رُوحِهِ وَنَفَخَهُ كَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَإِنّي أَدْعُوكَ إلَى اللّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْمُوَالَاةِ عَلَى طَاعَتِهِ وَأَنْ تَتْبَعَنِي وَتُؤْمِنَ بِاَلّذِي جَاءَنِي فَإِنّي رَسُولُ اللّهِ وَإِنّي أَدْعُوكَ وَجُنُودَكَ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَقَدْ بَلّغْتُ وَنَصَحْت فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي وَالسّلَامُ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى" تحليل مضامين الرسالة: 1- تميزت هذه الرسالة عن سابقاتها بعنصر الإطالة الإيجابية، والمزيد من الإيضاح وذكر التفاصيل. 2- لأن النجاشي معتنق للنصرانية ففي الرسالة تشابه كبير فيما جاء في رسالتي قيصر والمقوقس، وإن ما أشرنا في تحليلهما سابقاً يعتبر مكملاً لهذا التحليل. 3- يتضح يقين الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتدين النجاشي بشكل حقيقي وليس شكلي من أجل الملك، لهذا ركز على ذكر المزيد من أسماء الله الحسنى ﴿ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ ﴾ [الحشر: 23]، 4- كان لدى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - معرفة بأخبار النجاشي لأن الكثير من أصحابه ‌ - صلى الله عليه وسلم - كانوا عنده، وإن مجرد احتضان المسلمين لديه هو موقف كبير يدل على قناعته بالإسلام، لذلك ركز رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - على هذا جانب تقديم النصح وقبول الإسلام ولم يكن في الرسالة (فإن توليت فعليك أثم. ، كما فعل مع غيره، كما أنه خطابه بـ (أسلم أنت)، أي ما عليك بحاشيتك وجنودك وفي ذلك إشارة إلى علمه - صلى الله عليه وسلم - بأنه حين يسلم سينخر في وجهه من حوله. 5- حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن تشتمل الرسالة على أجوبة للشكوك التي حاول موفد قريش للنجاشي (حين ذهب إليه المهاجرون من المسلمين) أن يثيرها أمامه في كيفية ولادة السيد المسيح بن مريم عليه السلام، ووصف الإسلام الدقيق والمفصل للمسيح عليه السلام ولأمه مريم عليها السلام، حتى لا يبقى في الموضوع أدنى شك أو ريبة. فسيدفعون باتجاه عدم الرضا بالإسلام، إلى محمد رسول اللهِ، سلامٌ عليك يا نبيَّ الله من الله ورحمةُ الله وبركاته، الله الذي لا إله إلا هُوَ، أما بعد: فقد بلغني كِتابُك يا رسولَ الله فيما ذكرتَ مِن أمر عيسى، فوربِّ السماءِ والأرضِ، وقد قرَّبنا ابن عمك وأصحابه، فأشهدُ أنَّك رسول الله صادقاً مصدقاً، وقد بايعتُك، 1- احتوت الرسالة على عبارات خاصة بالمسلمين، مثل: • بسم الله الرحمن الرحيم. •سلام عليك ورحمة الله وبركاته. وتلك دلالة على تأثر النجاشي (أصحمة) بالمسلمين المتواجدين عنده، 2- الاعتراف بألوهية الله وحده لا شريك له، وإن ذلك كفر صريح بعقيدة الثالوث التي تؤمن بها النصارى. 3- ثبوت دخوله في الإسلام بنطق الشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وتقديم عهد البيعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لذلك فقد أمر رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بالصلاة عليه كما يُصلى على أي مسلم مات على إسلامه، وكانت الصلاة صلاة (الغائب)، فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه:" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه خرج إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعاً ". لأن ذلك حقه عليهم كونه أخاهم في الإسلام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نعى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النجاشي صاحب الحبشة، يوم الذي مات فيه، يرى بعض من أهل العلم أن الرسالة إلى النجاشي ليس المقصود بها أصحمة الأبجر الذي أسلم وإنما لنجاشي آخر لم يسلم، واحتجوا بالحديث الذي أخرجه الإمام مسلم، عن أنس رضي الله عنه: "أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ". والصحيح إن هذه الرسالة التي وردت هنا الأرجح أن تكون قد أرسلت لأصحمة بن الأبجر من الوجوه الآتية: 1- الأسلوب الذي كتبت فيه الرسالة يدل على أنها كتبت لشخص قريب جداً من الإسلام، بل يُطمع في إسلامه بشدة، وهي تختلف في تفاصيلها عن صياغة الرسائل الأخرى كافة. 2- إن أصحمة الأبجر مات سنة تسع من الهجرة، وقد هاجر إليه أكثر من 300 من الصحابة رضي الله عنهم، حين كان المسلمون في شعب أبي طالب، أي في السنة الرابعة من البعثة، وعادوا يوم فتح خيبر، 3- توفر الأدلة على وجود رسائل أخرى لنجاشي آخر، كتبت بنفس الأسلوب الذي كتبت رسائل قيصر والمقوقس، ما يعني احتمالية أن تكون الرسائل الأخرى للنجاشي الذي لم يسلم. 4- ثبوت الدليل في إجابة النجاشي، أصحمة بن الأبجر، وخاصة فيما يتعلق بعيسى ابن مريم عليه السلام بقوله (إنَّ عيسى لا يزيدُ على ما ذكرتَ ثُفْروقاً نه كما ذكرت"، رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الى إلى عمال، ورؤساء أقوام آخرين بل كتب إلى عمال، ومنهم: وكان المنذر تابعاً لدولة المجوس في فارس: "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإني أدعوك إلى الإسلام، وأعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر". وكتب -صلى الله عليه وسلم- رسالة ثانية إليه بعد إسلامه، من محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المنذر بن ساوى، سلام عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتك في قومك، وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية رسالة رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى المنذر بن ساوى. "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي، سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، أسلم تسلم وأجعل لك ما تحت يديك". رسالة رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى جيفر وعبد (صاحبي عُمان): "بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ إلَى جَيْفَرَ وَعَبْدٍ ابْنَيْ الْجُلَنْدَي سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى، فَإِنّي أَدْعُوكُمَا بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، لِأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَإِنّكُمَا إنْ أَقْرَرْتُمَا بِالْإِسْلَامِ وَلّيْتُكُمَا، وَإِنْ أَبَيْتُمَا أَنْ تُقِرّا بِالْإِسْلَامِ فَإِنّ مُلْكَكُمَا زَائِلٌ عَنْكُمَا، وَخَيْلِي تَحُلّ بِسَاحَتِكُمَا وَتَظْهَرُ نُبُوّتِي عَلَى مُلْكِكُمَا". تحليل الرسائل: 1- إن هؤلاء الأربعة (المنذر بن ساوى، وهوذة بن علي، لهذا السبب كان خطاب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إليهم بأسمائهم من غير ذكر وظائفهم لأنهم لا يملكون الإرادة السياسية في القرار، فهم في حقيقة أمرهم ليسوا بملوك حقيقيين، لفقدانهم السيادة على أرضهم، ولا هم سادة على قومهم، وإنما ينفذون أجندات أسيادهم وهم المجوس في فارس. 2- عرض رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- عليهم بقاءهم في مناصبهم في حالة إعلان إسلامهم،