لهذا الحديثِ سببٌ ذكَرَه أبو هريرةَ رضي الله عنه في روايةٍ أُخرى؛ فقال رجلٌ: أكلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكَتَ حتى قالها ثلاثًا، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (لو قلتُ: نعم، وفي هذه الرِّوايةِ قال: (دَعُوني ما ترَكتُكم)، فإنَّه وإنْ أمكَنَ أن يُرادَ به التَّكرارُ، فإنَّها مفهومةٌ من اللَّفظِ قطعًا، أي: فإنَّما هلَكَتِ الأُممُ السَّابقةُ بسببِ كثرةِ أسئلتِهم لغير حاجةٍ وضرورة، كقول اليهودِ لموسى عليه السَّلامُ: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة: 68] لَمَّا أُمِرُوا بذبحِ بقرةٍ، (واختلافُهم على أنبيائِهم)، أي: أنَّهم هلَكوا بسببِ كثرةِ سؤالهم، أي: فإذا منَعتُكم عن شَيءٍ فلا تفعَلُوه، إذ الامتثالُ لا يحصُلُ إلَّا بتركِ الجميع، أي: وإذا طلبتُ منكم فِعلَ شيءٍ؛ أي: فافعَلوا منه ما قدَرتُم عليه على قدرِ طاقتِكم واستطاعتِكم؛ وفي هذا الحديثِ: النَّهيُ عن الاختلافِ وكثرةِ الأسئلةِ مِن غير ضَرورة؛ والوعيدُ على الشَّيءِ دليلٌ على كَونِه كبيرةً، والاختلافُ المذموم ما يُؤدِّي إلى كفرٍ أو بِدعة. وفيه: الأمرُ بطاعةِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، والوقوفِ عندَها أمرًا ونهيًا. وفيه: دليلٌ على أنَّ السُّنَّةَ هي المصدرُ الثَّاني من مصادرِ التَّشريعِ الإِسلاميِّ. وفيه: دليلٌ على أنْ لا حُكمَ قبلَ وُرُودِ الشَّرعِ، وفيه: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: (فإذا أمرتُكم بشيء فأْتُوا منه ما استطعتُم) هذا مِن قواعدِ الإسلام المهمَّةِ، ومن جوامِعِ الكَلِمِ التي أُعْطِيها صلَّى الله عليه وسلَّم،