ولا يشعر بجهالته فهو يكفر بربه ويرد دعوته الكريمة التي بعث بها رسله الى الناس ويصفها بأنها ضلال ويرمي مبلغيها وهم الرسل الكرام بالسفاهة وخفة العقل. ويؤلب الدهماء عليهم ويكيد ضدهم ويعاديهم ويستغرب من دعوتهم ويدعي أن آية كذب الرسول أنه من البشر، وأنهم أي الملأ أولى بالرسالة ممن أرسلوا، وأن الرسل الكرام يريدون تحويلهم عن ملة آبائهم ويأتونهم بدين جديد ما سمعوا به من قبل وأنهم – أي الملأ – يسخرون ويستهزئون بالمؤمنين زاعمين أنهم لا يفهمون ولا يعلمون ولهذا ااتبعوا الدعوة الى الله واتبعوا رسل الله بلا رؤية ولا تمحيص ولا تأمل بينما هم لم يفعلوا ذلك لأنهم سادة أشراف يفهمون ويعقلون ويدركون. وانهم يحسبون الأنبياء الكرام مفسدين في الأرض، وانهم في سبيل هذا الدفاع سيحاربون الأنبياء والدعاة الى الله تعالى. وهذه بعض آثار جهالتهم وحماقاتهم اخبرنا الله تعالى بها في آيات كثيرة، وهي من أسباب ضلالهم وحماقاتهم، 1- قال تعالى عن قوم نوح {فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} فهم لجهالتهم، يقولون لنبيهم نوح عليه السلام: لست بملك ولكنك بشر فكيف أوحي إليك من دوننا؟ ثم ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ولم يتبعك الاشراف ولا الرؤساء منا. وهذا كله من جهالتهم وإلا لو كان لهم عقل لعلموا أن لا بد أن يكون الرسول من البشر حتى يمكن أن يخاطبهم ويمكن لهم أن يفهموه كما أنهم لو كان لهم عقل سليم لعلموا أن الحرمان والفقر والضعف لا علاقة لشيء منها في أمور الديانة وأن الضعفاء والفقراء باتباعهم الحق يبرهنون على حسن ادراكهم وصفاء نفوسهم. 2- وقال تعالى عن قوم ثمود وما قالوه لنبيهم صالح {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه؟ قالوا إنّا بما أرسل به مؤمنون. قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون} سورة الاعراف الآية: 75-76، فالملأ من ثمود كانوا مصرين على جهالتهم وانكارهم نبوة صالح عليه السلام وانما سألوا المؤمنين سؤال متكبر جاهل لا سؤال متفهم متواضع. 3- قال تعالى: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} والمترفون هم (الملأ) وجوابهم على دعوة رسل الله أنهم وجدوا آباءهم على ملة ودين وانهم مقتفون أثرهم لا يحيدون عن ذلك وهذا من جهلهم، وهذا التقليد الذميم للباطل القديم الذي كان عليه الآباء والأجداد من أعظم أسباب التمرد على الحق. قال تعالى في داء التقليد الذميم: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون} سورة البقرة الآية: 170. 4- وقال تعالى: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك، قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون} سورة الأعراف الآية: 127. "الملأ" من قوم فرعون يعتبرون موسى نبي الله والداعي إليه وأتباعه المؤمنين مفسدين في الأرض ويؤلبون فرعون على مقاومتهم والقضاء عليهم. إن جهلهم مع كبرهم وحبهم للرياسة والجاه جعلهم يعتبرون موسى مفسداً في الأرض. 593- والملأ بأوصافهم وأخلاقهم التي بينها القرآن الكريم يوجدون في كل مجتمع وفي كل مكان وزمان ولهذا فهم يقفون غالباً في وجه كل دعوة الى الله تعالى ويحاربونها بدافع من الكبر الذي يغشى نفوسهم وبدافع حب الرياسة على الناس وخوفهم من أن تسلبهم هذه الدعوة الاصلاحية مركزهم ومكانتهم وترفهم. ومما يدل على بقاء الملأ في كل زمان ومكان معارضين لكل دعوة طيبة خيرة تريد الاصلاح وايصال الناس الى خالقهم، ان الدوافع التي دفعت الملأ من الأقوام الماضية الى محاربة رسل الله والدعوة إليه، فالكبر يعلق في النفوس المريضة والحرص على الرياسة والجاه والمنزلة موجود في النفوس وإنما ينقمع بالإيمان، والجهل يخيّم على مثل هذه النفوس التي تعشق العلو في الأرض والترف في الحياة، فان هذا الايمان يبقى ضعيفاً غالباً لا يقوى على منعهم من الصد عن سبيل الله ولا عن محاربة الدعاة الى الله تعالى بشبهات واهية من جنس شبهات الملأ القدامى الذين حاربوا رسل الله وصدوا عن دعوتهم المباركة وقد تنبه المفسرون الى أن (الملأ) يبقون معارضين للدعوة الى الله.