فقد كانت الساعة قد تجاوزَت منتصفَ الليل بقليلٍ … ولم تكن والدتُه تُحِب أن ترى نورَ غرفته مُضاءً بعد العاشرة … فهي تُحِب أن تُطبِّق في حياتها وفي حياة كلِّ مَن في البيت مبدأَ «نَمْ مبكرًا واستيقظ مبكرًا» … وكان «تختخ» يعتقد أن من حقِّه ما دام في الإجازة أن يسهر حتى ينتهيَ الإرسال التليفزيوني … خاصةً إذا كان في البرنامج شيءٌ يُحِب أن يراه … وكثيرًا ما كان يدور بينه وبين والدته نقاشٌ حول هذا الموضوع … وكان والدُه يُفضِّل أن يقف على الحياد من المناقشة … فلا ينضمُّ إلى أحدِ طرفَي النقاش. ففضَّل أن ينام … تقلَّب في فراشه فترة … ودُهِش لأنه لم يَنَمْ على الفور … وأخذ يُفكِّر … هل هناك شيءٌ يُقلقه؟وكعادته استعاد إلى ذهنه شريطَ الأحداث الذي مرَّ به طول النهار … باحثًا عن شيءٍ يدعو إلى القلق … ولكن اليوم كان عاديًّا جدًّا … التقى بالمغامرين في الصباح … تمشَّوا على كورنيش النيل … أخذوا قاربًا وقضَوا ساعةً في النهر … عادوا إلى الكازينو ثم ذهبوا إلى حديقة منزل «عاطف» وجلسوا يتحدَّثون … كانت «لوزة» كالعادة متضايقةً؛ وعاد «تختخ» مع «زنجر» إلى البيت ولم يُغادره حتى الآن … إذن ليس هناك ما يدعو إلى الأرق أو القلق … فلماذا لا ينام؟!غادر فراشه، ولكنه وجد نفسه مُعلَّقًا في الغُصن كأنه معلَّقٌ على شمَّاعة … أخذ يتحرَّك بحذرٍ، ولكنَّ الغصن كان قد امتدَّ على طول جاكتة البيجامة وقيَّد حركته … وفي نفس الوقت سمع «زنجر» أثناء صراعه مع اللصِّ … ثم سمع أزیزًا حادًّا أدرك على الفور أنه صوتُ رصاصةٍ أُطلقت من مُسدسٍ صامتٍ ثم سمع «زنجر» ينبح في ألمٍ شديدٍ … وعاد يسمع صوت الأقدام مرةً أخرى … وبسرعةٍ خلع جاكتة البيجامة، ثم يختفي في ظلام سور الفيلات والعمارات العالية … ومن المؤكَّد أنه كان نفسَ الشخص الذي اشتبك معه «زنجر». وجدَه مُلقًى على الأرض وقد رفَع إحدى قدمَيه الخلفيَّتَين إلى فوق … وتحته كانت بركةٌ من الدماء …انحنَى «تختخ» على «زنجر» وأمسك بقدمه، وانحنَى عليه وأخرج القطعة من بين أسنانه … ولم يكَدْ يفتحها حتى طارت منها قطعةٌ صغيرة من الورق … فأسرع خلفها … وأخذَت الريح تعبث بالورقة … وتُحرِّكها من مكان إلى مكان و«تختخ» يجري خلفها … وعندما انحنى ليُمسكها بعد مطاردةٍ طويلة فُوجئ بما لم يكن في حُسبانه. وعاد «تختخ» يقول: ألَا تنطق يا حضرة الشاویش … ألم ترَ أحدًا من قبل يسير في الشارع في ساعة متأخرة من الليل؟! أخذ «تختخ» يُفكِّر سريعًا … هل يقول للشاویش عمَّا حدث؟ إنه في هذه الحالة لا بدَّ أن يذهب معه لكتابة محضرٍ في القسم بكل الأحداث التي مرَّت خلال الساعة الماضية ثم يضع نفسه تحت رحمة الشاویش لفترةٍ طويلة … فسوف ينتهز الشاويش الفرصةَ ويستدعيه كلَّ يومٍ ليسأله. وفي نفس الوقت فهو لا يستطيع أن يُخفيَ ما حدث عن ممثِّل القانون … فهناك رجلٌ قد حاول اقتحام منزله، وهناك رصاصةٌ أُطلقت … وهناك إصابة «زنجر» … ولكن قبل أن يَصِل إلى قرارٍ أسرع يقول للشاويش: ولكن يا شاویش «علي» أنت لم تَقُل لي ماذا تفعل أنت في هذا المكان في هذه الساعة من الليل؟!بدأ الشاويش يعبث بشاربه كعادته كلَّما تضايَق وقال بغضبٍ: ليس من حقِّك أن تسألَني ماذا أفعل، انتفخ وجهُ الشاویش وقال: أصدقاء! إنني لا أُصادق أطفالًا أمثالكم … أنا الشاویش «علي» ممثِّل القانون! وعاد يركب درَّاجته وهو يقول: ثم هناك شيءٌ هامٌّ يجب أن تعرفه … إنك تُعرِّض نفسك لخطر شدید بنزولك إلى الشارع بهذا الشكل … فهناك إجراءاتٌ … ولكن قبل أن يُتمَّ جملتَه توقَّف … وارتسمَت على وجهه ابتسامةٌ غامضة ثم قال: إنكم تظنون أن عندكم القدرة على حلِّ الألغاز وخوض المغامرات … ولكن هناك أشياء لا يتدخَّل فيها أطفالٌ مثلكم!الدك بما حدث هذه الليلة.