1-نشأة الدرس الصوتي عند العرب: ارتبط البحث اللغوي عند العرب القدامى بظاهرة اللحن التي تفشت على الألسنة بعد الفتوحات الإسلامية، إذكان لها الدور الأكبر في دخول اللغة العربية �ب الوصف والتحليل. فقد كانت الدافع الأساس الذي أ�ر اللغويين القدامى للاهتمام بلغتهم، �فيا بذلك وجودها في العصر الجاهلي1، وهذا ما يؤكده ما نقله السيوطي عن أبي الطيب اللغوي، من " أن اللحن ظهر في كلام الموالي والمتعربين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم"2، غير أن الظاهرة �تت تشكل خطرا يتهدد اللغة العربية، ويعكر صفاءها الذي ميزها في العصرين الجاهلي وصدر الإسلام مع اتساع رقعة الإسلام مع الفتوحات الإسلامية، يصف الزبيدي هذا الوضع قائلا: " ولم تزل العرب تنطق على سجيتها في صدر إسلامها وماضي جاهليتها، حتى أظهر الله الإسلام على سائر الأد�ن، ففشى الفساد في اللغة العربية"3. إذ إن اختلاط العرب بغيرهم من الأمم، ودخول الأجناس المختلفة إلى الدين الإسلامي أدى من جهة إلى احتكاك العربي بغير العربي والتأثر بلغته، فكثر �ذا اللحن وفسدت الألسنة حتى طال القرآ َن الكريم، وعليه كان من الواجب البحث عن حل تحفظ به سلامة اللغة. ولع ّل الصواب عند من ذهب إلى أن نشأة علم يحفظ العربية من الخطأ ويوقف سيل اللحن الذي �ت يتهددها كان نتيجة مجموعة من الحوادث لا حادثة واحدة متفردة، " فغير مقبول في النظر أن ينهض العلماء ويستفرغوا مجهودا جباراً يؤرقون فيه عيو�م ولا يطبقون جفو�م الليالي الطويلة لتأسيس فن خطير خالد الأثر في اللغة العربية وأبناء العروبة من جراء حادثة فردية كان يكفي في درئها إصلاحها وكفى"4، واختلفت َّالروا�ت فيمن كان أ َّول من ف َّكر في حل لهذا اللحن الذي بدأ يخترق الألسنة ويفسد اللغة، كما اختلفت في ق َّصة اللحن المسموع الذي أ�ر هذا الدافع، أبو الأسود، وكان لا يخرج شيئا مما أخذه عن علي كرم الله وجهه، حتى بعث إليه ز�د: أن اعمل شيئا يكون للناس إماما ويعرف به كتاب الله فاستعفاه من ذلك حتى سمع أبو الأسود قار� يقرأ إن الله بريء من المشركين ورسوله �لكسر"5. حينها أدرك خطورة اللّحن وما آل إليه أمر المسلمين فقبل أمر ز�د �ن عاد إليه وطلب منه كاتبا يقوم بما يطلبه منه، فقال:" إذا رأيتني فتحت فمي �لحرف فأنقط نقطة فوقه على أعلاه، وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت الحرف"6. وإن صحت هذه الرواية فإن أّول خطوة في الدراسات اللغوية، وأّول ملاحظة فيها كانت صوتية بناها الدؤلي على الملاحظة المباشرة لآلية نطق هذا النّوع من الأصوات، ومع هذا الاهتمام المبكر �ذا الجانب، فنجدها في مقدمات المعاجم أو ثنا�ها، 70 وقد عمد اللغويون في تناولهم للمادة الصوتية إلى تحديد مخارج الأصوات وصفا�ا، مع ما توصل إليه علم الأصوات الحديث. محاولة منا لتقييم جهدهم في ضوء الدراسات الصوتية الحديثة. 2-بين الصوت والحرف: إ ّن النظر في المادة الصوتية الموجودة في تراثنا اللغوي، يكشف لنا عن استعمال القدامى لمفردة "الحرف"، فقد استعملها الخليل في تحديده لمخارج الأصوات7، وغيره من النحويين9. إذ اتفق استعمالهم لهذه المفردة "الحرف" بمعنى الصوت اللغوي، أما مفردة "الصوت"، وفي الأصوات التي تصاغ منها الألحان، وكذا في شرحه لمعنى الجهر. وتحتل هذه المفردة حيزا من الاستعمال في وصف النظام الصوتي للعربية عند سيبويه ومن تبعه من النحويين، و ذلك أثناء شرحهم لصفات الأصوات، حيث جاءت مرادفة للحرف، فقد جاءت كذلك عند تحديدهم للغرض من الإدغام المتمثل في تقريب الصوت من الصوت كما حّددوه قبلا �نّه تقريب الحرف من الحرف11، وكذلك الحروف تختلف12، واستعملوها للدلالة على الأصوات المهموسة التي تخرج من الفم، في مقابل أصوات الصدر اﻟﻤﺠهورة13. والرخو هو الذي يجري فيه14. وفي الرخاوة ترك لمنفذ يمر من خلاله الهواء، هذا عن استعمال المفردة عند القدامى. أما عند المحدثين فقد كان مفهوم المفردة واضح الدلالة دقيق المعنى، والصوت اللغوي عبارة عن ذبذ�ت صوتية �تجة عن عرقلة مجرى الهواء القادم من الرئتين، "فعندما يُصدر الجهاز العصبي أوامره بنطق صوت معين، فإن هذا الصوت ينتقل على هيئة نبضات كهربية، وتتأهب هذه تبعاً لذلك لاتخاذ أوضاع معينة"15، تحددها طبيعة الصوت المراد إنتاجه، اللغوي، وعليه إذا أرد� أن نميز الصوت اللغوي في هذه العملية لا بد وأن نح ّدد أن هذا الصوت ينتمي لنظام لغة ما. وقد رأينا أن القدامى استعملوا مفردة "الحرف" �ذا المعنى، أما الحرف في الدراسات اللسانية العربية الحديثة فقد استعمل للدلالة على الرمز الكتابي16. وعليه فالخلاف بين القدامى والمحدثين في هذه النقطة لا يعدو أن يكون خلافا في المصطلح، لا يؤثر في وصف الأصوات اللغوية، لأن كلا من مفردة :الحرف" عند القدامى، ومفردة "الصوت" عند المحدثين قد استقّر معناهما بين مستعمليها، 3-مخارج الأصوات: 1. أو بتقارب عضوين من أعضاء النطق فيحدث بذلك تضييق ﻟﻤﺠرى الهواء. وفي الثانية عن احتكاك الهواء �لعضوين المتقاربين. فالمخرج �ذا هو النقطة التي يحدث فيها الصوت اللغوي، وقد يكون المخرج نقطة تشكل أكثر من صوت يكون تمايزها �لصفة. 17 و�ذا المفهوم استعملت لفظة "المخرج" في الدرس الصوتي القديم، وكانت مرادفة لـ"المبدأ" ، كما استعملها أيضا بمعنى "الحيز" والحيز عنده منطقة أوسع من المخرج، فهو مكان لحدوث أكثر من صوت18. وتب ُّين سياقات المفردة عند سيبويه، يفضي بنا إلى المفهوم الحديث نفسه، ويغنينا ابن يعيش عن البحث عن مفهوم المفردة عنده، 2. -إذ يرجح أنه أّول مؤلف في تناول هذا الجانب-، ولا يخرج بحثنا عن هذا العرف إذ نتبين في الآتي مخارج الحروف عند الفراهيدي. عّدد الخليل بن أحمد الفراهيدي حروف العربية بتسعة وعشرين حرفا، ق ّسمها بحسب تمايزها في المخرج إلى فئتين، وهي الحروف التي لها مخارج محددة، "إنما هي هاوية في الهواء، وقد كانت عناصر هذه اﻟﻤﺠموعة أربعة حروف �رة وأخرى ثلا� �خراج الهمزة منها، فقد جاء في المقدمة أنه كثيرا ما كان يقول:"الألف اللينة والواو والياء هوائية أي أ�ا في الهواء"21، ولع ّل وصف هذه اﻟﻤﺠموعة �لهوائية ونسبتها للجوف، كان نتيجة إحساس الخليل بخلّو مجرى الهواء من الاعتراض، سواءكان جزئيا أو كليا عند إحداث هذه الحروف، وهي في مجملها -عدا الهمزة- صوائت طويلة، عرفتها الدراسات الصوتية الحديثة ��ا "هواء مجهور" فلا مخرج لها. يحملنا هذا التقسيم إلى ذكر تقسيم المحدثين للأصوات اللغوية، وإن اختلفت معاييرهم في تحديد عناصر كل مجموعة22، إلا أننا نجد من جملة هذه المعايير اعتمادهم آلية النطق فارقا تمييز� بين القسمين، فما ُوجد الهواء المزفور عند النطق �ا عائقا يحول دون حرية مروره سواء كان العائق كليا أو جزئيا فهي أصوات صامتة، وما لم يوجد هذا الهواء عائقا يحول دون حرية مروره فهي أصوات صائتة، والضمة الطويلة. وقد اقتصر حديث الخليل على الطويلة منها دون إشارة إلى القصيرة. -الحروف الشفوية: الفاء والباء والميم. والملاحظ أن الخليل لم يفصل في كيفية حدوث كل حرف على حدة، وإنما كان يكفي أن تجتمع الحروف في منطقة حدوثها فينسبها إلى موضع واحد. إلا أ�ا لا تكون من ذات النقطة، فكان يصفها �لقول �ن بعضها أرفع من بعض24، وبما أن وصفه امتاز �لعمومية، وبلغ من دقته في زمانه أن اكتفى اللغويون بتكراره، 26 حّددسيبويهعددمخارجحروفالعربية–بمصطلحهم-فيستةعشرمخَْرجاً : ومنه مخرج الغين والخاء. ومعروف في الدراسات الصوتية الحديثة أن أّول المخارج27 الحنجرة؛ وعليه فمنطقة أقصى الحلق عند القدامى هي منطقة الحنجرة عند المحدثين، �عتبار أن أصوات المنطقتين ذا�ا بين القدامى والمحدثين، غير أن القدامى أخطأوا في إضافة الألف لهذا المخرج، وهو ليس من أصوا�ا إذ هو صائت طويل، وقد أثبتت الدراسات الصوتية الحديثة أن الصوائت عبارة عن هواء مجهور، ورأى النعيمي في هذه الإضافة "إشارة واضحة إلى إحساسهم �ثر الوترين الصوتيين"28. في حين رفض بعض من المحدثين معرفة القدامى لهذا العضو، "29، وما يؤخذ على هذا الحكم هو اعتماد التسمية برها� للاستدلال على عدم معرفة القدامى �ذا العضو النطقي، فالتسمية في أساسها مجرد اتفاق قوم على تسمية مسمى �سم ما، ولا ضير إن كان اتفاقهم على تسمية تلك المنطقة �قصى الحلق. ولع ّل ما يرجحكّفة إحساس القدامى �ثر الوترين الصوتيين- وإن لم يتمكنوا من تحديدهما لغياب الآلات المساعدة على ذلك في زما�م-، أن الاضطراب والخطأكان عند الخليل في الهمزة التي تعتبر حنجرية، إذ أدخلها مع الصوائت الطويلة التي تمتاز بجهرها، 73 أما صو� الحاء والعين فهما بعد مخرج أقصى الحلق في منطقة سماها القدامى بوسط الحلق، فلنطق الحاء "يضيق اﻟﻤﺠرى الهوائي في الفراغ الحلقي، بحيث يحدث مرور الهواء احتكاكا ولا تتذبذب الأو�ر الصوتية حال النطق به"30. أما العين فتختلف عن الحاء بحدوث ذبذبة للأو�ر الصوتية عند النطق �ا، فهي "صوت حلقي احتكاكي مجهور"31. وجعل منه مخرج الغين والخاء، يليها خروجا القاف، وقد اختلف المحدثون عن القدامى في هذا �ن جعلوا القاف قبل هذين الصوتين )الخاء والغين( خروجا، إذ تح ُد ُث بحبس للهواء "�ن يرفع أقصى اللسان حتى يلتقي �دنى الحلق بما في ذلك اللهاة"33، حتى أن كمال بشر رأى �نه كان ينبغي منهم عّدها مع أصوات الحلق، لاتساع هذه المنطقة عندهم حتى أقصى الحنك، ومع هذا راح يبحث عن تبرير لوضعهم لها بعد الخاء والغين، إذ افترض أن يكون نطق القاف في زما�م غير نطقه في زماننا، الغين والخاء أو من موقع �ل لهما. وهي فرضية إبراهيم أنيس أيضا، الذي أقر أن تطّور القاف في اللّهجات العربية الحديثة، لا يسمح إطلاقا �لتأكدكيفكان ينطق �ا بين الفصحاء من عرب الجزيرة في العصور الإسلامية الأولى35. وكان تحديد مخرج الكاف عند سيبويه انطلاقا من مخرج القاف، فبّين أن الكاف تحدث أسفل من موضع القاف، �لتقاء أقصى اللسان والحنك الأعلى فتكون الكاف أقرب للغين والخاء من القاف، ولتقارب الأصوات الثلاثة مخرجا اتفق أن جمعها بعض المحدثين في مخرج واحد36. ثم �تي ثلاثة أصوات نسبها القدامى إلى موضع نطقي واحد هو وسط الفم، وقد وافق هذا التحديد تحديد المحدثين حتى أقروا أن "هذا التقدير يلي هذه اﻟﻤﺠموعة من الأصوات مخرجا صوت الضاد، إذ حّدده سيبويه على أنه من بين أّول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، وزاد ابن جني على هذا التحديد توضيحه �ن الناطق قد يجعلها من أي الجانبين شاء من الأيمن أو الأيسر38، ويبين لنا هذا القول أن الضاد صوت جانبي شأ�ا في هذا شأن اللام. واتسم وصفهم لمخرج اللام بدقة شديدة، إذ هو على ما ذكره ابن جني "من حافة اللسان من أد�ها إلى منتهى طرف اللسان، من بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى، مما فويق الضاحك والناب والر�عية والثنية"40. َُُْ 37 سليملأنثلاثتهامنحيّزواحدواسعنسبيا" . أما مخرج النون فهو عند سيبويه "من حافة اللسان من أد�ها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الثنا�"، فالنون تحدث بحبس الهواء بوضع طرف اللسان على أصول الثنا� العليا لذا كان وصف المحدثين لها ��ا "صوت أسناني لثوي"42. وعلى مخرج النون اعتمد في تحديد كيفية نطق الراء، إذ جعله من مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام، إذ يحدث هذا الصوت بتكرار ضر�ت اللسان على اللثة، والدال، - ومما بين طرف اللسان وفويق الثنا� مخرج الزاي، والسين والصاد. -ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنا� مخرج الظاء والذال والثاء. يختلف عنها الدال بجهره، والطاء �طباقها، "فالضاد الحديثة صوت شديد مجهور يتحرك معه الوتران الصوتيان ثم ينحبس الهواء عند التقاء طرف اللسان �صول الثنا� العليافإذا انفصل اللسان عن أصول الثنا� سمعنا صو� انفجار� هو الضاد"45، " فالضاد صامت مجهور سّني مطبق انفجاري"46. في حين تحدث الطائفة الثانية من الأصوات بترك منفذ ضيق يمر من خلاله الهواء بين اللسان والثنا�، إذ عند النطق �لسين مثلا "يعتمد طرف اللسان على اللثة بينما يُرفع وسط اللسان نحو الحنك الأعلى، ويكون الفراغ بين طرف اللسان وبين اللثة قليلا جدا"47، فالزاي بعكس السين مجهور، والصاد يختلف عنه )السين( في إطباقه. وهناك من وصفها �لأسنانية اللثوية مدرجا اﻟﻤﺠموعة الأولى من الأصوات معها، عناصرها ثلاثة أصوات هي الظاء والذال والثاء، وهي عندهم أسنانية لأن مخرجها الأسنان، ثم يكون التمييز بينها �لجهر والهمس أو الإطباق فتمثل الذال النظير اﻟﻤﺠهور للثاء، وتتميز الظاء عن الذال فيكو�ا مطبقة. وح ّدد سيبويه مخرج الفاء ��ا "من �طن الشفة ال ُّسفلى وأطراف الثنا� العُلى". والميم، والواو"، وأمر هذه الثلاثة واضح لأ�ا تحدث جميعها من بين الشفتين. 75 بعد هذا التفصيل في مخارج الأصوات انتقل القدامى في خطوة موالية لذكر صفا�ا، وهذا ينم عن وعي صوتي كبير، فبالصفة تتمايز الأصوات المشتركة المخرج، ثم إن طريقة النطق وطريقة مرور الهواء في الجهاز الصوتي عند إنتاج الأصوات هي من تحّدد هذه الصفات، وتلك المميزة لصوت واحد، وسنتبين الآن التحديدات والتعريفات لبعض من هذه الصفات التي خ ّصوا �ا الأصوات، مركزين على ما جاء فيكتاب سيبويه. 1.4-الجهر والهمس: هي أولى الصفات المذكورة عند سيبويه، فذلك عشرةُ أحرف"51. ثم راح يقدم تعريفا للثنائيتين، ينقضي الاعتماد ]عليه[ ويجري الصوت. وأما المهموس فحرف أُضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النـفس 52 ٌ َُّ معه" ، وهذا ما عكسته محاولات واجتهادات المحدثين في تفسير وشرح هذا التعريف53، فقد خلص بعضهم من شرحه إلى أن القدامى وإن لم يذكروا الوترين الصوتيين، في حين أُنكر هذا التوجه عند البعض الآخر �فين بذلك أن يكون مفهوم الجهر والهمس واحدا بين الدرسين القديم والحديث55، والحق أن هذه مجرد افتراضات لا يمكن الحكم على صحتها علميا لأن الأمر يتعلق �لمنطوق، والمنطوق يتلاشى ويزول بمجرد حدوثه، فما �لك إذا كان هذا المنطوق حادث من آلاف السنين، ولكن مع هذا يبقى �ب الدراسة والافتراض مفتوحا لأ� نستكشف هذا المنطوق من خلال الأوصاف التي وصلتنا في كتب النحويين، وتبقى إمكانية استجلاء دقة أكبر كلما توسع �ب الوصف. إلا أننا لا نعدم وجود بعض الإضافات والإشارات عند غيره من اللغويين من شأ�ا أن ترجح من السابق فرضية على الأخرى، والمهموس �لضعف والخفاء، ووصف المهموس �لإخفاء، جاعلا رفع الصوت نتيجة لإشباع الاعتماد، والهمس نتيجة لضعفه، وهي ذا�ا إضافة ابن يعيش �ن الهمس هو الصوت الخفي57، والثابت علميا الآن أن الأصوات اﻟﻤﺠهورة التي يحدث عند نطقها ذبذبة للوترين الصوتيين تكون أكثر وضوحا في السمع من الأصوات التي لا تحدث معها الذبذبة، خفائه الذي خصوا به الأصوات المهموسة. أما أصوات اﻟﻤﺠموعتين فقدكان الخلاف بين تصنيف القدامى والمحدثين لها في ثلاثة أصوات: 76 -الهمزة فهي مجهورة عند القدامى، أما عند المحدثين فمنهم من قال ��ا مهموسة58، ومنهم من ذهب إلى أ�ا لا �لمهموسة ولا اﻟﻤﺠهورة59، لأن حدوثها يكون على مستوى الوترين الصوتيين الذين يتحكمان بجهر الصوت وهمسه، ولع ّل حدوثها �ما هو الذي أربك الخليل في تحديد موضعها، إذكان يضعها مع الحروف الجوفية �رة ويخرجها منها أخرى. - والقاف والطاء مجهور�ن عند القدامى مهموستان عند المحدثين، وقد برر المحدثون هذا التقدير من القدامى بكون القاف والطاء في النطق القديم غيرهما في النطق الحديث، حتى أن الوصف الذي قدم لهما لا يسمح بمعرفة كيف كان نطقهما على وجه التحديد60. إن هذه الإضافات التي جاءت في تعاريف القدامى للمجهور والمهموس من جهة، قد يسمح لنا بترجيح الرأي القائل �ن اللغويين القدامى قد أحسوا فعلا �ثر الوترين الصوتيين في هذه العملية النطقية، خاصة وأن هذين العضوين من الأعضاء الداخلة التي لا ترى �لعين اﻟﻤﺠردة، والتي تمكنت الصوتيات الحديثة من رؤية عملهما وتحديد دورهما في الأصوات �لاستعانة �لآلات الحديثة. 2. 4-الشّدة والّرخاوة وما بينهما: 61 عّرفسيبويهالشديد�نه"الحرفالذييمنعالصوَتأنيجرَيفيه" ، والباء" في ألفاظ: أجدت طبقك، أجدك قطبت، أجد قط بكت. يقابل صفة الشدة صفة الرخو، والرخو هو ذلك الصوت الذي يمر الهواء من منفذ ضيق عند النطق به محتكا بجدران الجهاز الصوتي في نقطة حدوثه، والثاء، والذال، والفاء". ولا زال تمييز الأصوات في اللغة العربية على هذا الأساس قائما عند علماء الأصوات المحدثين، وإن اختلفوا عن القدامى في المصطلحات المعبرة عن القسمين64، وفيما يخص أصوات اﻟﻤﺠموعتين فإن الخلاف بينهم كان في صوت الضاد الذي ع ّده المحدثون شديدا بخلاف القدامى الذين جعلوه رخوا، ومن المنطقي أن يحدث الخلاف في أمره بما أن المحدثين قد أقّروا أن الضاد �لنطق الحديث غيرها الضاد المنطوقة قديما65. وأما صوت الجيم فهي عند القدامى شديدة، وعند المحدثين فإن "الجيم العربية الفصيحة يختلط صو�ا الانفجاري بنوع من الحفيف يقلل شد�ا"66. 67 68 وكذا في صوت العين الذي عّده المحدثون صو� احتكاكيا ، في حين اعتبره القدامى بينيا بين الرخو والشديد ، فباستعمال اﻟﻤﺠواف الحلقي تمكن من مشاهدة تناوب الشدة والرخاوة �نقباض وسط الحلق وانبساطه على التوالي 77 كأنه اهتزاز، تبين له أن "الشبح أو الطيف الفيز�ئي لصوت العين شديد الشبه �لطيف الخاص �صوات المّدات وأبعاضها أصوات الحركات. ومصدر هذه الأصوات هو اهتزاز للأو�ر الصوتية، واهتزازها عبارة عن انقباض وانبساط سريعين جدا لهذه العضلات الحنجرية"69. إذ عمدوا إلى تحديد مجموعة من الأصوات يحدث في نطقها أن تتناوب الشدة والرخاوة مستدلين على هذا بشرح آلية نطقها، وهذه الأصوات ز�دة عن العين "اللام، النون والميم، الراء"71 والملاحظ أن القدامى لم يخصوها بتسمية معينة حتى أن سيبويه عّبر فقط في وصفه للعين بقوله "بين الرخوة والشديدة" أما بقية الأصوات فنتبين بينيتها من خلال وصفه لآلية نطقها. فجمعوها وأطلقوا عليها مصطلح "الأصوات البينية" لكن معيار البينية عندهم كان مغايرا له عند سيبويه، إذ أن كمال بشر ح ّدد البينية على أ�ا توسط هذه الأصوات مجموعتي الصوامت والصوائت، وذلك لسببين72: الأول كو�ا صامتة وظيفيا، والثاني قر�ا في الأداء النطقي من الصوائت حتى أطلق عليها وصف "أشباه الحركات". أما معياره الأول فلا خلاف فيه، وأما الثاني والمتعلق �لجانب الأدائي النطقي فقد اختاره من جهة أن مجرى الهواء عند النطق �ا يكون أشد اتساعا مما هو عليه في بقية الصوامت مما يكسبها وضوحا سمعيا أكبر من غيرها ويقر�ا إلى الصوائت، ولكننا نجد في منظومة الأصوات العربية مجموعة أخرى يطلق عليها كمال بشر اسم "أنصاف الحركات" يمثلها صو� الياء والواو، وهي أقرب نطقيا إلى الصوائت من هذه اﻟﻤﺠموعة التي أطلق عليهاكمال بشر تسمية البينية، وهو بنفسه يقر �لشبه الكبير بينها و بين الحركات، ففي معرض حديثه عنها يقول:"وهذه الأصوات أقرب إلى الحركات من تلك الأصوات التي سميناها سابقا �شباه الحركات"73. ولا ضرر من اعتماد معيار القدامى في تحديد البينية على أساس التوسط بين الشدة والرخاوة، لأن تناوب الصفتين عند النطق �صوات هذه اﻟﻤﺠموعة أمر واضح. والضاد، والطاء، والظاء، مبينا معنى الإطباق من خلال عرضه للوضعية التي يتخذها اللسان عند النطق �ذه الأصوات قائلا: "وهذه الحروف الأربعة إذا وضعت لسانك في مواضعهن انطبق لسانك من مواضعه ّن إلى ما حاذى الحنك الأعلى من اللسان ترفعه إلى الحنك، فإذا وضع َت لسانك فالصوت محصور فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحروف"74، فعند النطق �ذه الأصوات يرتفع مؤخر اللسان إلى الحنك الأعلى ويتواصل النطق في مخرج الحرف75. وتبين التكنولوجيا الحديثة أن هناك فضاء بين اللسان والحنك يحصل �لإطباق76. ويقابل الإطباق الانفتاح، والمنفتحة كل الأصوات عدا المطبقة، " لأنك لا تطبق لشيء منهن لسانك، ترفعه إلى الحنك الأعلى"77، 78 4.4-الاستعلاء والاستفال: وقد أقر المحدثون بدقة هذا التحديد، إذ ذكر كمال بشر أن مصطلح "الاستعلاء" مصطلح سليم مقبول، الصاد والضاد والطاء والظاء( وكذلك �لنسبة للقاف والغين والخاء عند تفخيمهما بشروطه ومواقعه المحددة"79. الاستفال عنده ألا يرتفع اللسان عند النطق �لصوت فيحمل �ذا الاستفال معنى الانفتاح نفسه في تسفل اللسان إلى ولا يمكن أن نترك الحديث عن الثنائيتين )إطباق، انفتاح( و)استعلاء، استفال(، في مجالهما المفاهيمي عند المحدثين، وهو مصطلح التفخيم الذي وصف به المحدثون أصوات الإطباق ��ا أصوات كاملة لأن التفخيم في الأولى جزء من بنيتها تكتسبه في نطقها العادي، شروط لحدوثه. قراءة القرآن والأشعار �ا، يعنى بلغة أهل الحجاز"، ذكر قبلها "الألف التي تمال إمالة شديدة"81، 5.4-المنحرف: جعل سيبويه هذه الصفة خاصة بصوت اللام، إذ قال:"ومنها حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف يشير هذا التعريف إلى أن الهواء يمر عند لانحراف مجرى الهواء مارا من جنبي اللسان، 6.4-المكرر: صفة خ ّص �ا سيبويه صوت الراء دون غيره من الأصوات، وهو عنده "حرف شديد يجري فيه الصوت لتكريره"83، فالراء العربية تنتج عن الضر�ت السريعة المتكررة لطرف اللسان على اللثة. 7.4-الغنّة: ورد لفظ الغنّة عند سيبويه84 في تحديده للصفات، وخ ّص �ا صوتي النون والميم، يكتسبها هذان الصو�ن لتدخل الأنف في إنتاجهما، إذ أن الهواء ينفذ من خلاله عند نطقهما. كشف لنا النظر في مخارج الأصوات وصفا�ا عند القدامى، ومقارنتها بما جاء به الدرس الصوتي الحديث، ما توصل إليه القدامى في كثير من الأحيان في وصفهم للنظام الصوتي للّغة العربية، الأصوات أو بتحديد صفا�ا، على الرغم من اعتمادهم في هذه المعالجة على رهف الحس ودقة الملاحظة. ونقاط خلاف بينه وبين الدرس الحديث من جهة أخرى كخلافهم وهذا أمر طبيعي لأن التعامل في هذا المستوى مع المنطوق، كما أن زما�م غير زماننا والوسائل غيرها،