ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها من صحة وشباب وحاضر سعيد فترمونها زهدا فيها واحتقارًا لها. يصاب أحدكم بصداع أو مغص، فيرى الدنيا سوداء مظلمة فلماذا لم يزها لما كان صحيحًا بيضاء مشرقة؟ ويُبعد عن الطعام ويُمنع منه، فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم ويحمد من يأكلها ؛ فلماذا لم يعرف لها انتها قبل المرض؟ لماذا لا تعرفون النعم إلا عند فقدها؟ لماذا يبكي الشيخ على شبابه، ولا يضحك الشاب لصباه؟ لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنا، ولا تبصرها إلا غارقة في ظلام الماضي، فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضيا؟ وما المال وحده؟ ألا تعرفون قصة الملك المريض الذي كان يُؤتى بأطايب الطعام، لما نظر من شباكه إلى البستاني وهو يأكل الخبز الأسمر بالزيتون الأسود، فتمنى أن يجد مثل هذه الشهية ويكون بستانيا، وهي تاج على رءوس الأصحاء ، فلماذا لا تقدرون قيمة الصحة؟ لماذا تطلبون الذهب وأنتم تملكون ذهبا كثيرًا؟ أليس البصر من ذهب والصحة من ذهب، والوقت من ذهب؟ فلماذا لا نستفيد من أوقاتنا؟ لماذا لا نعرف قيمة الحياة ؟ وأنا أعجب ممن يشكو ضيق الوقت، وهل يُضيق الوقت إلا الغفلة أو الفوضى؟. أليس ثروة؟ أما له ثمن ؟ فلماذا نشقى بالجنون، ولا نسعد بالعقل؟ انظروا كم يحفظ كل منكم من أسماء الناس والبلدان والصحف ، والمشارب ! وكم يشغل من ذهنه ما يمر به كلَّ يوم من المقروءات والمرئيات، والمسموعات! فلو أعمل المرء ذهنه ووضع مكان هذه القشور علمًا خالصا لجاء بالمدهشات. مال، وكلُّ ذلك منح وعطايا من الخالق عز وجل لمن أراد، ويُسَلِّي المحزون، ومن خيبته نُجحًا . وحَسبًا ونَسَبًا. القراء، فلن تشقوا إن عرفتم قذر النعم التي تستمتعون بها، ولن فكل إنسان في هذه الحياة لابد وأن يعيش حياته في تأمل ينظر إلى الأمام ولا ينظر إلى الخلف،