هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة وأصله أن طريقة هؤلاء القومهذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة وأصله أن طريقة هؤلاء القوم، لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين، وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة وقال القشيري رحمه الله ولا يشهد. لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية ولا قياس والظاهر أنه لقب، قلت والأظهر أن قبل بالاشتقاق أنه من الصوف، لما كانوا عليه من مخالفة الناس في ليس فاخر الثياب إلى لبس الصوف. فلما اختص هؤلاء بمذهب الزهد والانفراد عن الخلق والإقبال على العبادة، وذلك أن الإنسان بما هو إنسان إنما يتميز عن سائر الحيوان بالإدراك، وهي التي يتميز بها الإنسان وبعضها ينشأ من بعض، لا بد وأن ينشأ له عن كل مجاهدة حال نتيجة تلك المجاهدة، وتلك الحالة إما أن تكون نوع عبادة، فترسخ وتصير مقاماً للمريد؛ وإنما تكون صفة حاصلة للنفس من حزن أو سرور أو نشاط أو كسل أو غير ذلك من المقامات، إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة، وأصلها كلها الطاعة والإخلاص، وتنشأ عنها الأحوال والصفات نتائج وثمرات، وإذا وقع تقصير في النتيجة أو خلل فنعلم أنه إنما أني من قبل التقصير في الذي قبله وكذلك في الخواطر النفسانية والواردات القلبية. فلذا يحتاج المريد إلى محاسبة نفسه في سائر أعماله، والمريد يجد ذلك بذوقه ويحاسب نفسه على أسبابه، فظهر أن أصل طريقتهم كلها محاسبة النفس على الأفعال والتروك والكلام في هذه الأذواق والمواجد التي تحصل عن المجاهدات؛ ثم لهم مع ذلك آداب مخصوصة بهم واصطلاحات في ألفاظ تدور بينهم، فإذا عرض من المعاني ما هو غير متعارف، فلهذا اختص هؤلاء بهذا النوع من العلم الذي ليس لواحد غيرهم من أهل الشريعة الكلام فيه وصار علم الشريعة على صنفين: صنف مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا، وهي الأحكام العامة في العيادات والعادات والمعاملات وصنف مخصوص بالقوم في القيام بهذه المجاهدة ومحاسبة النفس عليها، والكلام في الأذواق والمواجد العارضة في طريقها، وكيفية الترقي منها من ذوق إلى ذوق وشرح الاصطلاحات التي تدور بينهم في ذلك. وألف الفقهاء في الفقه وأصوله والكلام والتفسير وغير ذلك، فمنهم من كتب في الورع ومحاسبة النفس على الاقتداء في الأخذ والترك، كما فعله المحاسبي في كتاب الرعاية له ومنهم من كتب في آداب الطريقة وأذواق أهلها ومواجدهم في الأحوال كما فعله القشيري في كتاب الرسالة، وجمع الغزالي رحمه الله بين الأمرين في كتاب الإحياء، ثم بين آداب القوم وسننهم وشرح اصطلاحاتهم في عباراتهم وصار علم التصوف في الملة علماً مدوناً، بعد أن كانت الطريقة عبادة فقط وكانت أحكامها إنما تتلقى من صدور الرجال، ثم إن هذه المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالباً كشف حجاب الحس والاطلاع على عوالم من أمر الله، والروح من تلك العوالم وسبب هذا الكشف أن الروح إذا رجع عن الحس الظاهر إلى الباطن ضعفت أحوال الحس، وأعان على ذلك الذكر؛ إلى أن يصير شهوداً بعد أن كان علماً. وهو عين الإدراك فيتعرض حينئذ للمواهب الربانية والعلوم المدنية والفتح الإلهي، وتقرب ذاته في تحقق حقيقتها في الأفق الأعلى، وكذلك يدركون كثيراً من الواقعات قبل وقوعها ويتصرفون بهممهم وقوى نفوسهم في الموجودات السفلية، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم على مثل هذه المجاهدة، ومن تبع طريقتهم من بعدهم. ثم إن قوماً من المتأخرين الصرفت عنايتهم إلى كشف الحجاب والكلام في المدارك التي وراءه، حتى يحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها بتمام نشوتها وتغذيتها، فإذا حصل ذلك زعموا أن الوجود قد انحصر في مداركها حينئذ، وأنهم كشفوا ذوات الوجود وتصوروا حقائقها كلها من العرش إلى الطش. هكذا قال الغزالي رحمه الله في كتاب الإحياء بعد أن ذكر صورة الرياضةهذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة وأصله أن طريقة هؤلاء القوم، لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين، وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة وقال القشيري رحمه الله ولا يشهد. لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية ولا قياس والظاهر أنه لقب، قلت والأظهر أن قبل بالاشتقاق أنه من الصوف، لما كانوا عليه من مخالفة الناس في ليس فاخر الثياب إلى لبس الصوف. فلما اختص هؤلاء بمذهب الزهد والانفراد عن الخلق والإقبال على العبادة، وذلك أن الإنسان بما هو إنسان إنما يتميز عن سائر الحيوان بالإدراك، وهي التي يتميز بها الإنسان وبعضها ينشأ من بعض، لا بد وأن ينشأ له عن كل مجاهدة حال نتيجة تلك المجاهدة، وتلك الحالة إما أن تكون نوع عبادة، فترسخ وتصير مقاماً للمريد؛ وإنما تكون صفة حاصلة للنفس من حزن أو سرور أو نشاط أو كسل أو غير ذلك من المقامات، إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة، وأصلها كلها الطاعة والإخلاص، وتنشأ عنها الأحوال والصفات نتائج وثمرات، وإذا وقع تقصير في النتيجة أو خلل فنعلم أنه إنما أني من قبل التقصير في الذي قبله وكذلك في الخواطر النفسانية والواردات القلبية. فلذا يحتاج المريد إلى محاسبة نفسه في سائر أعماله، والمريد يجد ذلك بذوقه ويحاسب نفسه على أسبابه، فظهر أن أصل طريقتهم كلها محاسبة النفس على الأفعال والتروك والكلام في هذه الأذواق والمواجد التي تحصل عن المجاهدات؛ ثم لهم مع ذلك آداب مخصوصة بهم واصطلاحات في ألفاظ تدور بينهم، فإذا عرض من المعاني ما هو غير متعارف، فلهذا اختص هؤلاء بهذا النوع من العلم الذي ليس لواحد غيرهم من أهل الشريعة الكلام فيه وصار علم الشريعة على صنفين: صنف مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا، وهي الأحكام العامة في العيادات والعادات والمعاملات وصنف مخصوص بالقوم في القيام بهذه المجاهدة ومحاسبة النفس عليها، والكلام في الأذواق والمواجد العارضة في طريقها، وكيفية الترقي منها من ذوق إلى ذوق وشرح الاصطلاحات التي تدور بينهم في ذلك. وألف الفقهاء في الفقه وأصوله والكلام والتفسير وغير ذلك، فمنهم من كتب في الورع ومحاسبة النفس على الاقتداء في الأخذ والترك، كما فعله المحاسبي في كتاب الرعاية له ومنهم من كتب في آداب الطريقة وأذواق أهلها ومواجدهم في الأحوال كما فعله القشيري في كتاب الرسالة، وجمع الغزالي رحمه الله بين الأمرين في كتاب الإحياء، ثم بين آداب القوم وسننهم وشرح اصطلاحاتهم في عباراتهم وصار علم التصوف في الملة علماً مدوناً، بعد أن كانت الطريقة عبادة فقط وكانت أحكامها إنما تتلقى من صدور الرجال، ثم إن هذه المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالباً كشف حجاب الحس والاطلاع على عوالم من أمر الله، والروح من تلك العوالم وسبب هذا الكشف أن الروح إذا رجع عن الحس الظاهر إلى الباطن ضعفت أحوال الحس، وأعان على ذلك الذكر؛ إلى أن يصير شهوداً بعد أن كان علماً. وهو عين الإدراك فيتعرض حينئذ للمواهب الربانية والعلوم المدنية والفتح الإلهي، وتقرب ذاته في تحقق حقيقتها في الأفق الأعلى، وكذلك يدركون كثيراً من الواقعات قبل وقوعها ويتصرفون بهممهم وقوى نفوسهم في الموجودات السفلية، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم على مثل هذه المجاهدة، ومن تبع طريقتهم من بعدهم. ثم إن قوماً من المتأخرين الصرفت عنايتهم إلى كشف الحجاب والكلام في المدارك التي وراءه، حتى يحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها بتمام نشوتها وتغذيتها، فإذا حصل ذلك زعموا أن الوجود قد انحصر في مداركها حينئذ، وأنهم كشفوا ذوات الوجود وتصوروا حقائقها كلها من العرش إلى الطش. هكذا قال الغزالي رحمه الله في كتاب الإحياء بعد أن ذكر صورة الرياضة لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين،