الحمد لله تفرد بكل كمال، ومنه الخير فله الحمد على كل حالٍ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وإمام الحنفاء، فلهم الأمن بتوحيدهم في الدنيا والآخرة فوقع في الخوف والقلق والذُّعر والاضطراب ليلاً ونهارًا سفرًا وحضرًا وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن من اجتمع له ‌الأمن في وطنه والصحة في بدنه مع وجود قوت يومه فقد جمعت له الدنيا ولم يفته منها شيء " فكأنما حيزت له الدنيا"أي اجتمعت لديه أسباب النعيم العاجل، والأمن في البلاد مع الصحة في الأبدان نعمة يجب أن تشكر فإن من فاتته هذه النعمة لم يسعد من الحياة من شيء ولذلك جاء في الحكم: "نعمتان مجحودتان ‌الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان" والأمن مطلب الناس جميعاً فإبراهيم عليه السلام يدعو الله أن يجعل بلده آمناً {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} إبراهيم: 35 ووصفت مكة بأنها البلد الأمين حيث يقول: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} منها أنّ نعمة الأمن أعظم من نعمة الرزق ولذلك قُدمت عليها في الآية الكريمة: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} البقرة/ 126 فبدأ بالأمن قبل الرزق لسببين ولا يكون ذلك إذا فُقد الأمن قال تعالى ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4) ) قريش وخلقهما أكبر من خَلْقِ الناس. وكما قال الشاعر وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن آمان قال : بينا أنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة ) قال عدي : فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله ، وتسكن نفسه } وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ {(القصص: 31) قال رب العالمين: ( ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ ) الحجر: 46 وقال:{ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} (الدخان : 55)، من مُنطلق حرصِه على حفظ أجلِّ النعم: ‌الأمن والأمان فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ) رواه أبو داود (رقم/5004) {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} . فالعبادة لا يتأتى القيام بها على وجهها إلا في ظل الأمن لم تقبل منه الصلاة التى صلاها قالوا: وما العذر قال: خوف أو مرض ) وهذا يظهر فى إباحة أكل الميتة للمضطر حفاظا على نفسه، وكذلك فى بعض تصرفات الشركاء أو العقود والمعاملات الشرعية وقف علي إلى جوار اليهودي أمام القاضي، أيها المسلمون: الحياة السعيدة والعيش الرغيد قوامها ظلال ‌الأمن الوارفة بعد الإيمان بالله عز وجل فاذا حدث لك الأمن في العيش فعشت سليما معافا فلا تلهوا وتنسي الآخرة وهذا هو عنصرنا الأخير وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا ‌أَخَفْتُهُ ‌يَوْمَ ‌الْقِيَامَةِ " صحيح ابن حبان فَإِذا انشقت السَّمَاوَات عظمت الرزيات وَكَثُرت الْآفَات وَظهر الْعَذَاب وحلت الْعُقُوبَات وَأظْهر الله مخبآت السريرات وَنَدم العَبْد الْمَغْرُور على مَا أذْنب فِي الْأَيَّام والأوقات وَمَا جنى فِي الشُّهُور والساعات ووجهه إلى الشرق فصرت كلما أدرت وجهه إلى القبلة التفت للشرق، الزواجر عن اقتراف الكبائر (ابن حجر الهيتمي ) وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، قال السندي: ‌مكرُ ‌الله: إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه، فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقِّ الْفَقِيهِ: مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ،