تعبر عملية التمويه عن نفسها سلوكياً في تجسيد العلاقات الفكرية ( rectification) في سلوك يقبل الامر الواقع كما هو دون تساؤل . من هنا كانت نظرتنا الى نفسنا والى تاريخنا والى العالم نظرة خاطئة تقوم على ما تدفعنا الى رؤيته المصلحة المسيطرة ، من سياسية واقتصادية واجتماعية ، وعلى الحاجة النفسية الى تعويض الشعور بالنقص . الى رفض التمويه السائد واستعادة الثقة بالذات وذلك بامتلاك الادراك النقدي والمعرفة الذاتية . ان هذا القول هو جزء من عملية التمويه فاكثر الناس قادرون على تجاوز الوعي الخاطئ والعودة الى علاقات اجتماعية تقوم على وضوح الرؤية للأشياء والتوصل الى المعرفة والوعي الصحيح . فان هذا الهجوم لا يرمي الى التحطيم أو الهدم ، وانني استعمل كلمة فوضى عمداً كي اعبر عن الصفتين الاساسيتين اللتين تميزان عملية التغيير الاجتماعي التي يختبرها مجتمعنا ، وهما ضخامة القوة الموضوعية المتوافرة في مجتمعنا لعملية التغيير واستقلالها عن اية ارادة ذاتية موجهة في هذه الفترة . ان عملية السيطرة على القوة الاجتماعية الفاعلة في المجتمع ، التي تختبرها يومياً في حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، حركة خلاقة وبناءة قادرة على تطوير المجتمع ونقله الى صعيد انساني اعلى ، ان عملية السيطرة هذه تحتاج الى الوعي المتغلب على التمويه ، فتصبح الفوضى قوة اجتماعية تنبثق من صميم المجتمع الممزق لتعبر عن نفسها في نظرية شاملة مرتبطة بإرادة واعية وقادرة . لا يمكن للإرادة الذاتية ان تكون قاعدة في المجتمع اذا كان مصدرها فقط منابع خارجة عن المجتمع . ان كل علم وفن وفلسفة تبقى وسيلة للتمويه والكبت ما دام شكلها مستورد تعرض وتعلم في المدارس والجامعات كما تعرض السلع المستوردة وتشترى دون ادراك لماهيتها والنهج الذي اتبع في صنعها . تقول الايديولوجية الرأسمالية الليبرالية ، وتعبر عن نفسها في علاقاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في اوروبا وفي اميركا . عندما بدأنا ندرس السلوك الاجتماعي في المجتمع العربي وعلاقته بالعائلة بنمط تربية الفرد وبالتثقيف الاجتماعي ) ، فهو اما يحرث في حديقته واما بعد الحطب للشتاء واما يصلح سيارته واما يقرأ . وضعت دون اي تعليق ، اذا كان الانتاج يشكل هدفاً في ذاته ، فان السلوك الاميركي يجب ان يفضل على السلوك العربي . وهنا يظهر خطأنا العلمي في المقارنة ، التمويه الذي تعرضنا له ، لاقى قبولاً كلياً عندنا لشعورنا التلقائي بان كل ما هو فرنسي او انكليزي أو اميركي يتفوق على ما عندنا ولو قلنا العكس . ان هذا التمويه ذاته يلاقي الآن رفضاً ومقاومة شديدين عند الجيل الطالع الذي اخذ ينبذ ، الذي يبعدنا عن انفسنا ويحجب عنا حقيقتنا وحقيقة مجتمعنا ، اي ذلك الذي ينبع من المجتمع ذاته ، وهدف كل مجتمع تجاه كل طفل ان يصهره نفسياً وذهنياً ليطابق القالب الحضاري لذلك المجتمع ، والتي تقرر نوعية التفاعل بين الافراد وتحدد دور كل منهم ، تتأثر تأثيراً بالغاً بأسلوب المعاملة والتربية اللتين يتعرض اليهما في السنوات الأولى من حياته . فاذا كانت المعاملة فصول سليمة والتربية صحيحة كان هدفها تثبيت الثقة بنفسه وتشجيعه في كل ما يقوم به واشباع فضوله ( بالإجابة على اسئلته اجابات صادقة وكاملة) ، اما اذا كانت التربية تقليدية فأنها تؤدي الى احباط عزيمة الفرد ، وبالقضاء على استقلاله الذاتي . أو بحسب ما تنصح الجدة أو العمة أو الجارة ، وذلك لان الضرر الذهني والعاطفي الذي تسببه طريقة تربيتنا ومعاملتنا في الفترة الاولى من حياتنا يصعب تشخيصه وابراز معالمه في وعينا المباشر وبالتالي اصلاحه وتجاوزه . العالمة النفسية المتخصصة في علم تحليل الاطفال دير النفسي ، ينجم ، فيصاب بضرر ذهني دائم ويعلق فرويد اهمية كبرى على نتائج التمويه حول الامور الجنسية في التطور الذهني. وهو يرى ان أحد الأسباب الرئيسية للعصاب المسمى obsessive‏ ‏speculating ( بأن يصف الشخص دون التفكير في شيء معين ) هو، علي موجود اسئلة لم تعط لها اجوبة ، ومن هنا نرى العلاقة المباشرة بين التربية العائلية والمدرسية ( الجنسية والاخلاقية ) وبين التطور والنمو الذهني في الفرد . ويتكيفون معه دون مقاومة ، ويعتقد رايخ ان الاضطهاد العائلي ، انما تقوم على عوامل نفسية وبيولوجية فاعلة في العائلة السلطوية كالتي ذكرتها اعلاه . ومنعه من امتلاك استقلاله الذاتي في تسيير امور حياته ، وهو يرى انه كلما ازدادت شدة التربية الجنسية ازدادت مقدرة العائلة ( وبالتالي مقدرة المجتمع ) على كسر شوكة الفرد وتدجينه سياسياً .