تحظى مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي أهمية كبيرة لما يترتب على هذا التحديد من أثار قانونية هامة، حيث يشكل القانون المطبق على العقد الأساس الذي يجري في إطاره تقدير مدى صحة العقد من ناحية، كما يمثل تحديد هذا القانون مسألة أولية لازمة للفصل في منازعاته، وعليه كان لابد لنا من التمييز بين حالة النص عليه من عدمه كنسيان النص عليه من عدمه وهذا ما يقتضي منا توضيح هاتين الوضعيتين على النحو الآتي: أولا: عندما يكون القانون الواجب التطبيق منصوصا عليه جرى العمل على خضوع العقد التجاري الدولي لقانون الإرادة، والذي يقصد به التقاء إرادتين وتطابقهم حول محل معين من أجل تحقيق هدف معين وهو السبب، فالإرادة هي أساس القانون وغايته، إذ أن الأسس القانونية المتعلقة بالعقد التجاري الدولي، استنادا على حرية المتعاقدين في تحديد النظام القانوني لحكم العقد، مما يؤدي بنا إلى تحديد المبدأ الذي على أساسه يختار المتعاقدان القانون الواجب التطبيق على هذا العقد، باعتبار العقد عموما هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني معين، أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل مثلما سبق وأن أشرنا إليه. وإذا كان القانون الواجب التطبيق منصوصا عليه فإنه يستند إلى اختيار الأطراف، ولكن هذا الاختيار المستند إلى سلطان الإرادة قد يكون صريحا، 1 -الاختيار الصريح (النص عليه صراحة): يتحقق الاختيار الصريح لقانون العقد، وذلك عندما يقوم الطرفان بتعين هذا القانون بعبارة صريحة في العقد والإفصاح عن إرادتهم بشكل واضح وجلي، ويكون ذلك عادة بإدراج شرط في العقد يبين فيه القانون الواجب التطبيق يعرف بشرط اختيار القانون الواجب التطبيق أو شرط الاختصاص التشريعي ، إذ يتعين على القاضي في هذه الحالة أن يعتد بهذا القانون، ما دام العقد يتصف بالصفة الدولية، بشرط أن يكون القانون المختار له صلة بالرابطة العقدية، فالعبرة في هذا الاختيار هو إعلان الإرادة في حين ولكي يأخذ بالاختيار الصريح للمتعاقدين في اختيار القانون المطبق على العقد التجاري الدولي يجب توفر شرطين إذا لم يتوفر هذين الشرطين لا يعتبر أن الأطراف قاموا بهذا الاختيار بصريح العبارة ومن ضمنها: الشرط الأول: وجود صلة بين القانون المختار والعقد أو المتعاقدين، فمن غير المتصور أن يتفق الطرفان على قانون لا يعرفان فحواه لأنه يضر قبل كل شيء بالمتعاقدين أنفسهم. وقد يصادف القاضي أو المحكم في حالة تخلف الإرادة الصريحة للمتعاقدين البحث عن إرادتهم الضمنية، إذ توجد عدة مؤشرات يستطيع من خلالها القاضي أو المحكم أن يقيم القرينة على اتجاه إرادة الخصوم إلى اختيار هذا القانون أو ذاك، واستخدام لغة معينة في العقد أو مكان إقامة الطرفين وأحيانا جنسيتهم المشتركة أيضا، موقف المشرع الجزائري في هذه الجزئية نجده قد أشار إلى الإرادة الضمنية في المادتين (18 و 19 )من القانون المدني الجزائري بعدما أصبح القاضي ينظر في ظروف و حيثيات العقد وجنسية وموطن المتعاقدين ولنستخلص في الأخير بإمكان المتفاوضين اختيار سبل عديدة للقانون الأنسب في التطبيق على العقد التجاري (الدولي: أ- اعتماد قانون بلد البائع (المصدر) اعتماد قانون بلد المشتري (المستورد) او اعتماد قانون حيـــادي. ثانيا: عندما يكون القانون الواجب التطبيق غير منصوص عليه عند غياب الاختيار الصريح أو الضمني، وهي حالة عدم الاتفاق الصريح على قانون معين لحكم العقد، فإزاء هذا الفرض فإن قوانين أخرى يمكن أن تحل محل قانون الإرادة، الأمر الذي دفع إلى تخويل القاضي أو المحكم سلطة تعيين القانون الواجب التطبيق على العقد ليتسنى له الفصل في النزاع المعروض أمامه، وقد استقر الرأي على تقييد سلطة القاضي أو المحكم التقديرية في هذه الحالة لأن إطلاقها أمر غير مرغوب فيه ولا ينسجم مع مقتضيات العلاقات الدولية الخاصة، وذلك لأنه يفضي دائما إلى الإخلال بتوقعات الأطراف وإهدار الأمان القانوني الذي يجب أن يسود (المعاملات الدولية. وهكذا فإنه يتعين على القاضي أو المحكم في بحثه عن القانون الواجب التطبيق اللجوء إلى تركيز الرابطة العقدية بإسنادها إلى القانون الأوثق صلة đا والذي يشكل على هذا النحو مركز الثقل في الرابطة العقدية، كما يتولى البحث عن هذا القانون مسترشدا في ذلك إلى عدة قرائن تختلف مكانتها من عقد إلى آخر، أو تم استنتاجها من ملابسات وظروف التعاقد، مما يدفعنا إلى دراسة كل هذه الضوابط تباعا ضمن النقاط التالية 1 -الضوابط العامة في تحديد القانون الأنسب: لقد تقرر حصر هذه الضوابط العامة في ضابطين يتمثلان في قانون مكان إبرام العقد وقانون مكان تنفيذه، بينما قانون الجنسية المشتركة لم يحصل الاتفاق عليه، و يرجع السبب إلى أن أولا لا يعبر على صلة وثيقة مع العقد بل مع المتعاقدين، كما أن البعض يعتبر أن الجنسية المشتركة للطرفين لا تكسب العقد الصفة الدولية و لا نكون هنا أمام تنازع القوانين، على العكس بالنسبة للضابطين السابقين فقد حصل الاتفاق عليها، 2 -الضوابط المتعلقة بظروف وملابسات التعاقد: و أول من أتى đذه الفكرة و لو بطريقة غير مباشرة الفقيه الفرنسي "Henri BATIFFOL "أثناء دراسته للقانون المطبق على التصرفات التعاقدية التي أقر فيها "تركيز العقد"، بحيث لم يتوقف هذا الفقيه عند حد تركيز العقد في حالة وجود اختيار المتعاقدين للقانون الذي يحكم العقد بل وصل إلى غياب إرادة المتعاقدين، بحيث القاضي عند بحثه عن القانون الذي يركز فيه العلاقة العقدية يتم ذلك بالرجوع إلى ظروف وملابسات التعاقد، وعلى هذا الأساس قد ينتهي القاضي إلى تركيز العقد في بلد معين،