يخفى على ذي لُبٍّ ما للغةِ العربية من أهميةٍ عظمى؛ بل لا يمكنُ أن يقومَ الإسلام إلا بها، وتزداد أهميةُ تعلمِ اللغة العربية حين بَعُد الناس عن الملكةِ والسليقة اللغوية السليمة؛ مما جعل من الأداةِ اللغوية خيرَ معينٍ على فهم معاني القرآن الكريم والسنة المطهرة، وقد نبَّه ابنُ خلدون على ذلك بقوله: وخالطوا العجمَ - تغيرت تلك الملكةُ بما ألقى إليها السَّمعُ من المخالفاتِ التي للمستعربين من العجم؛ فاستنبطوا من مجاري كلامِهم قوانين لتلك الملكة مطَّردة شبه الكليات والقواعد، يقيسون عليها سائرَ أنواعِ الكلام،  مما يوحي بأهميةِ الإعراب في فهم المعاني، واللغة عمومًا - أي لغة كانت - لها ثلاث وظائف، • أنَّ اللغةَ هي الركنُ الأول في عمليةِ التفكير. • وهي الوسيلةُ الأولى للتواصلِ والتفاهم والتخاطب، وهذا القدرُ من أهميةِ اللغة مشتركٌ بين بني الإنسان وبين اللغات كافة في كلِّ مكان وزمان، إلا أنَّ اللغة العربية امتازت عن سائرِ لغات البشر بأنها اللغةُ التي اختارها الله - سبحانه وتعالى - لوحْيه؛ ويمكن أن نلخصَ أهميتها بالنِّقاط التالية: أولاً: أن البيان الكامل لا يحصل إلا بها: ولذا لم ينزل القرآنُ إلا باللغةِ العربية؛ قال - تعالى -: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195]، فدلَّ ذلك على أنَّ سائر اللغات دونها في البيان. ولقد أوضح هذا المعنى أبو الحسين أحمد بن فارس المتوفى سنة (395 هـ)، وقد يقول قائل: قد يقعُ البيان بغيرِ اللسان العربي؛ لأنَّ كلَّ مَنْ أفهمَ بكلامِه على شرط لغته، فيُقال له: إن كنتَ تريد أنَّ المتكلِّم بغير اللغة العربية قد يُعْرِبُ عن نفسِه حتى يُفْهِمَ السامعَ مرادَه، فهذا أخسُّ مراتب البيان؛ لأنَّ الأبكم قد يدلُّ بإشاراتٍ وحركات له على أكثر مراده، فضلاً عن أن يُسمَّى بَيِّنًا أو بليغًا، وإن أردت أنَّ سائر اللغات تُبِينُ إبانةَ اللغة العربية، وقد بيَّن السيوطي - رحمه الله - في "المزهر"وجهَ الغلط قائلاً: ". لما أمكننا ذلك إلا باسمٍ واحد؛ فأين هذا من ذاك؟! وأين سائرُ اللغات من السَّعةِ ما للغةِ العرب؟! هذا ما لا خفاءَ به على ذي نُهية"[3]. فهي الوسيلةُ إلى الوصولِ إلى أسرارهما، وارتباط اللغة العربية بهذا الكتابِ المُنَزَّل المحفوظ جعلها محفوظةً ما دام محفوظًا، ولهذا السبب عني السَّلفُ بعلومِ اللغة العربية، وإليك بعض أقوالِهم التي تدلُّ على أهميةِ العربية: من أقوال السلف في أهمية اللغة العربية: فإنها من دينكم"[4]. وتفقهوا في العربية، وفي توجيهِ عمر هذا أمران: وتفقهوا في العربية"؛ حيث قال: "لأنَّ الدِّينَ فيه فقهُ أقوال وأعمال، فابتغوه في الشِّعرِ؛ 4- وأنشد المبرِّد: فاللغةُ أهمُّها، وقد رد بعضُ العلماءِ على هذه الأبيات كابن عبدالبر قائلاً: مقيم العبادة، فعلمُ العقيدة والشريعة هو أهمُّ ما يجب على المسلم أن يتعلَّمه. 5- وقال الشعبي: "النحو كالملحِ في الطعام لا يُستغنى عنه"، وزين النِّساء الشَّحم". 6- وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية: "إنَّ الله لما أنزل كتابَه باللسان العربي، وجعل رسولَه مبلغًا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السَّابقين إلى هذا الدين متكلِّمين به، صارت معرفته من الدِّين، "[11]. لا يماثله رباطٌ آخر في أي من المجتمعاتِ القديمة والمعاصرة؛ ولغة كتابه العزيز، والدعوة إليها. وانطلاقًا من هذا المفهوم، ورسالة سامية نعتز بها وهما واردان بلغةِ العرب ونحوهم وتصريفهم، كان العلم بشرعنا موقوفًا على العلم بهذه الأمور، وما لا يتمُّ الواجبُ المطلق إلا به - وكان مقدورًا للمكلف - فهو واجب"[12]، وهذان المصدران عربيان، فإذا لم يكن الناظرُ فيهما عالمًا باللغةِ العربية وأحوالها، إلا أجبت عنها من قواعدِ النحو"[14]، وهذا يدلُّ على تمكنِه - رحمه الله - في العربية، وتُنسبُ هذه المقولةُ أيضًا للكسائي. قال: لِمَ ذا؟ قال: لأنَّ النحاة يقولون: المصغَّر لا يُصغر، قال: لِمَ؟ قال: لأنَّ السيل لا يسبق المطر"[16]. ومما يدلُّ أيضًا على اهتمام السَّلفِ بالعربية أنَّ الكسائي - رحمه الله - تعلَّم النحوَ وقد كبر سنُّه، وإن كنت أردت انقطاع الحيلة، فقل: عييت بغيرِ همز، فأنف من قولِهم: لحنت، والوجاهة التامة عند الرشيدِ وولدَيْه، فقال الرشيد: ها هنا دفن العلمُ والأدب، ولذا قال الشافعي: "من أراد أن يتبحرَ في النحوِ، 11- والجرمي يقول: "أنا منذ ثلاثين سنة أفتي النَّاسَ في الفقهِ من كتابِ سيبويه"[20]، فلمَّا بلغ المبردَ هذا الكلامُ قال: "لأنَّ أبا عمر الجرمي كان صاحبَ حديث، إذ كان كتاب سيبويه يُتعلَّم منه النَّظرُ والتفسير"[21]. وأنفقتُ الباقي على الفقه"[22]، 13- بل أُثر عن أبي الريحان البيروني قوله: "لأنْ أُشتم بالعربيةِ خير من أُن أمدحَ بالفارسية"[24]، والمهذَّب مما يُسْتَهجن أو يُسْتَشْنع"[26]. ثالثًا: أنَّ بالعلم باللغة العربية تحصل إقامةُ الحجة على الناس: وهذا داخلٌ في عموم قول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ﴾ [النساء: 135]، ولقوله - تعالى -: ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86]، فلا يمكن أن يشهدَ الشَّاهدُ بما لا يعلمه ولا يفهمه، ولا بد أن يكونَ الإنسانُ فاهمًا لما يشهد به؛   والله - تعالى - جعل هذه الأمَّةَ شاهدةً على الناس؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، ولا يمكن أن تتمَّ الشهادة على النَّاسِ إذا كنت لا تفهم ما تشهد به، والقرآنُ بلسان عربي مبين، فإذا لم تفهم هذا، قد مكثتُ فيكم ألف سنة إلا خمسين عامًا، فيُقال: من يشهدُ لك؟ فيقول: محمدٌ وأمته، رابعًا: أن اعتياد التكلم باللغة العربية يؤثِّر في العقلِ والخلق والدين: لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي [37][38] يقول شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى -: "اعلم أنَّ اعتياد اللغةِ يؤثر في العقلِ والخلقِ والدِّينِ تأثيرًا قويًّا بينًا، وقال أيضًا: "معلومٌ أنَّ تعلمَ العربية وتعليمَ العربية فرضٌ على الكفاية، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظَ القانون العربي، كان نقصًا وعيبًا"[28]. وقال أبو هلال العسكري: "فعلم العربية على ما تسمعُ من خاص ما يحتاجُ إليه الإنسانُ لجماله في دنياه، وقال الشَّافعي: "من نظر في النَّحو، رقَّ طبعُه"[30].   وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية: "فإنَّ نفسَ اللغة العربية من الدِّين، ومعرفتها فرضٌ واجب؛ وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجبٌ على الأعيان،   لأنه من الفروضِ الكفايات،   وقال ابنُ فارس في "الصاحبي في فقهِ اللغةوسنن العرب في كلامها" "فلذلك قلنا: إنّ علم اللغة كالواجب عَلَى أهل العلم، لئلاَّ يحيدوا فِي تأليفهم، ألا ترى أن القائل إذا قال: "ما أحسن زيد" لَمْ يفرّق بَيْنَ التعجب والاستفهام والذمّ إِلاَّ بالأعراب؛ وكذلك إِذَا قال: "ضرب أخوك أخانا" و"وَجْهُك وجهُ حُرّ" و"وجهُك وجهٌ حرٌ" وَمَا أشْبَه ذَلِكَ من الكلام المشْتَبه"[34].   ولا تكون مجردَ مادةٍ مستقلة بذاتها للدراسة؛ وتفرضُ على نفسِها التبعية الثقافية. ويستلحِقهم من ناحيتِها، فيحكم عليهم أحكامًا ثلاثةً في عملٍ واحدٍ؛ أمَّا الأول: فحَبْس لغتهم في لغته سجنًا مؤبَّدًا، وعلى هذا؛ وحاد عن الطريقةِ المثلى إليها، وقال عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد لما ناظره في مسألةِ خلود أهل الكبائر في النَّار، أو أربعًا أربعًا"[39]. ومن ذلك قول من قال: إنَّ المحرَّمَ من الخنزير إنما هو اللَّحم، وأمَّا الشَّحمُ فحلال؛ لأنَّ القرآن إنما حرَّمَ اللحم دون الشحم، فإنَّ الله هو الدهر، وهذا جهل، ولا تنسبوها إليه، فإنكم إذا سببتم الدهرَ، فَيَصِيرُ تَحْتَ لِسَانِهِ مَجْرُورَا  وَرَأَيْتُ مَبْهُورًا بِذَلِكَ كُلِّهِ  فَرَحِمْتُ ذَاكَ الْجَاهِلَ الْمَغْرُورَا  وَعَلِمْتُ أَنَّ الْعَقْلَ فِينَا قِسْمَةٌ  وسنبين بشيء من التفصيل أهمية اللغة العربية لكل من المفسر والمحدث والفقيه: أهمية اللغة العربية للمفسِّر والمحدث: قال الشاطبي - رحمه الله -: "وعلى النَّاظرِ في الشريعةِ والمتكلم فيها أصولاً وفروعًا أمران؛ أحدهما: ألا يتكلَّمَ في شيء من ذلك حتى يكون عربيًّا أو كالعربي؛ في وقع السبُّ على الفاعل لا على الدهر. والصحابة - رضوان الله عليهم - براءٌ من ذلك؛ ثم من جاء بعدهم ممن هو ليس بعربي اللسان تكلَّفَ ذلك حتى علمه"[41]. وجعلوه قبيحًا، فعن أيوب السختياني - رحمه الله - أنه كان إذا لحن، وقال الأصمعي - رحمه الله -: "إنَّ أخوفَ ما أخاف على طالبِ العلم إذا لم يعرف النحوَ أن يدخلَ في جملة قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من كذب عليَّ متعمدًا، لأنَّه لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه، كذبت عليه"[43]، وروى الخطيبُ البغدادي أنَّ عليًّا وابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - كانوا يضربون أبناءهم على اللَّحن. ونُقل عن الرحبي أنه قال: سمعتُ بعضَ أصحابنا يقول: إذا كتب لحَّان فكتب عن اللحان لحَّانٌ آخر،