تبدأ القصة عندما قام الشاب الطموح أمين سليمان (والد السفاح) بالهجرة من بلدته بصعيد مصر (مركز أبو تشت – محافظة قنا) إلى لبنان عام 1920 من أجل البحث عن مصدر رزق جديد و قام هناك بتأسيس شركة صغيرة لشحن البضائع , و قد استقر بمدينة طرابلس اللبنانية بجوار مقر شركته و هناك تزوج و رزقه الله بخمس بنات و ثلاثة أولاد منهم محمود (بطل موضوعنا) . و في مدينة طرابلس اللبنانية التحق محمود بإحدي المدارس الراقية . و كانت بداية عهد محمود بالسرقة في طفولته و هو بعمر 7 سنوات عندما سرق 4 ثمرات (خيار) و عندما اكتشفت والدته السرقة قامت بمعاقبته , و في واقعة أخرى قام محمود بسرقة 4 بنادق من مخزن أسلحة تابع لمعسكر الجيش البريطاني . تم القبض على محمود لأول مرة و هو طفل بسن التاسعة عندما التحق بعصابة متخصصة في سرقة منازل الأثرياء و كان دوره أن يتسلق الأسوار العالية لرشاقته و خفة وزنه و لكن الشرطة قامت بتسليم محمود لوالده لحداثة سنه. تكررت سرقات محمود حتى وصل إلى سن الشباب و جاء اليوم الذي إشترك فيه مع عصابته في سرقة منزل الرئيس اللبناني السابق (كميل شمعون) و قامت العصابة بقتل أحد حراس منزل الرئيس , و بعد هذه الحادثة تم إلقاء القبض على (محمود) فشعر (امين سليمان) بالخوف على مستقبل أسرته و أمواله في لبنان فقام بتصفية أعماله و عاد مع أسرته إلى مسقط رأسه في صعيد مصر , و بعد فترة وجيزة قام (محمود) بالهرب من السجن في لبنان لبراعته في الهروب و التخفي , بعد عودة محمود إلي مصر توفي والده , فقام محمود ببيع نصيبه من أملاك والده و اتجه إلى مدينة الأسكندرية و من هناك قام بجولة في عدة بلدان منها لبنان و لا يعلم سوى الله ماذا فعل محمود في تلك الفترة الغامضة من حياته . و بعد حلِ و ترحال استقر محمود في القاهرة و قام بتأسيس دار نشر بعد أن تعرف على اثنين من الصحفيين و كانا يقدمانه للصحفيين و الفنانين على أنه الدكتور محمود أمين سليمان الأستاذ الجامعي السابق ويقولان عنه إنه استقال وافتتح دارا للنشر و كان تأسيس دار النشر علامة فارقة في حياة محمود الإجرامية . فمن خلال إدارته لدار النشر دخل محمود في عالم الفن و السياسة فتعرف على عمالقة ذلك الزمان مثل المطرب الشهير (عبد الحليم حافظ) و الشاعر (كامل الشناوي) و الصحفي (مصطفي أمين) . وقد عُرف محمود وقتها كرجل مثقف و مرموق . وهنا يجب الإشارة إلى أن دار النشر كانت مجرد ستار لجرائم محمود , فكان من جهة يتقرب إلي رجال السلطة و الفن و من جهة أخرى كان يختار ضحاياه من الفنانين و المشاهير بدون أن يثير الشك . و بالفعل بدأ محمود في مسلسل سرقة المشاهير , فكانت البداية عندما اقتحم منزل أمير الشعراء (أحمد شوقي) و قام بسرقة تمثال لنخلة ذهبية أهداها له أمير البحرين بمناسبة حصوله على لقب أمير الشعراء , بعد استقراره في القاهرة و تأسيسه لدار النشر , تزوج محمود لأول مرة من فتاة تُدعي (عواطف) و قد اكتشف لاحقاً انها ليست عذراء فطلقها. بعد ذلك شاهد محمود فتاة جميلة و من أسرة فقيرة تُدعي (نوال عبد الرؤوف) و كانت ستتزوج قريباً من تاجر من مدينة الزقازيق إلا أن محمود قام بإغراء اُسرتها بمبالغ مالية كبيرة فوافقوا على زواج محمود و نوال , و في يوم الزفاف علم محمود بتحرك الشرطة للقبض عليه , و لكنه كالعادة نجح في الهرب و أمرت الشرطة أسرة نوال برفض زواج ابنتهم من هذا المجرم إلا أن محمود عاد مرة أُخرى و تزوج نوال بعد أن أغراها بالأموال و الهدايا الباهظة و شقة مجهزة بأحدث المفروشات وقتها و أصبحت نوال زوجته الثانية. و للمرة الثالثة أوقع محمود في شباكه سيدة أجنبية تعيش في مصر تُدعي (بيلا) و قد شاهدها محمود في مكتب أحد المحامين فظن أنها امرأة ثرية تملك الكثير من المال و لكنه اكتشف لاحقاً أنها سيدة فقيرة تبحث عن زوج ثري , تم القبض على محمود في 58 قضية سرقة منازل فأعطاه صديقه المحامي (بدر الدين) الذي كان يدافع عنه دائماً في قضاياه وعداً بأن يساعده في الخروج من السجن , و في السجن تسربت لمحمود أنباء عن علاقة غير شرعية بين زوجته ( نوال) و محاميه الخاص (بدر الدين) كما عرف أن محاميه يتعمد تأخير إجراءات المحاكمة و البراءة حتى يخلو الجو له و لـ (نوال) , فغلي الدم في عروق محمود الذي قرر الهرب و الانتقام من زوجته و محاميه , و بالفعل نجح في الهرب من السجن لبراعته في الهروب و التنكر , وذهب لمنزل زوجته في الاسكندرية وحاول قتلها , لكن الرصاص أصاب شقيقة زوجته فقتلها . و احتاج محمود للمال فذهب لسرقة فيلا (بولفار) كما ذكرنا و عندما اكتشفه أحد الخدم أطلق محمود الرصاص على الخادم و هو يتناول سحوره . و بعد ذلك ذهب محمود لمنزل أحد معارف المحامي (بدر الدين) , فزعم الرجل بأنه يعرف مكان (بدر الدين) الذي يبحث عنه محمود , لكنه في الحقيقة حاول إلهاء محمود من اجل الاتصال بالشرطة , منذ ذلك الحين أصبح محمود حديث الشارع المصري فقامت الصحف اليومية بتخصيص مساحة خاصة بتحركات و جرائم السفاح , و من المواقف الطريفة انه في يوم من الأيام لم يقتل السفاح أحداً و لم يسرق فحملت الصحف في اليوم التالي عنوان (السفاح في إجازة بالأمس) . و منذ ذلك الحين أصبح محمود أول (سفاح عمومي) , فالسفاحين قبله كانوا محليين مثل : سفاح كرموز (سعد اسكندر) و سفاح البدرشين و غيرهم . و من الحوادث الشهيرة التي حدثت أن محمود اقتحم احد المنازل بحي الدقي بالجيزة و عندما شاهد الفزع في عيون سيدة المنزل أخبرها انه ليس سفاحاً و مجرماً كما تصفه الجرائد و إنما هو مجرد رجل يريد الانتقام من زوجته الخائنة و عشيقها و أن كل ما يحتاجه هو 100 جنيه يرسلها لأولاده , وعندما أخد المبلغ الذي طلبه قام بسرقة مجوهرات قيمتها 3000 جنيه !. و مع مطاردة الشرطة المستمرة للسفاح و حاجته للمال اللازم للهروب انتشرت اخبار عن اتصال السفاح بعدد من مشاهير ذلك الزمان و تهديدهم بالقتل إن لم يعطوه المبالغ المطلوبة , و من المشاهير الذي هددهم وقتها : الفنانة تحية كاريوكا و الفنانة مريم فخر الدين و الفنانة ماجدة و الفنان حسن فايق و المقرئ طه الفشني و المؤلف أبو السعود الإبياري , و لكن اتضح لاحقاً إن هذه الأخبار كاذبة و أن من فعل ذلك هم بعض اللصوص و المتطفلين الذي أرادوا إرهاب و ابتزاز المشاهير . انتشر الهرج و المرج في أنحاء القاهرة و مصر كلها , و اختلفت الآراء بين كاره للسفاح يراه قاتل و يستحق العقاب و بين مؤيد له يراه نصير المظلومين يأخذ من الغني و يعطي للفقير مثل (روبن هود) . و في ابريل 1960 نشرت الشرطة المصرية في الصحف خبراً مضمونه أن من يقبض على السفاح أو يساهم في القبض عليه يحصل على 1000 جنيهاً مصرياً (كان مبلغ خيالي في تلك الأيام) . و بعد أن وصل الخبر إلى السفاح قرر الهرب الى مسقط رأسه , و بالفعل استوقف احدى الشاحنات و طلب من سائقها أن يوصله إلى الصعيد , لكن السائق قال انه متجه إلي مدينة الواسطي (مدينة مصرية تتوسط الطريق بين القاهرة و أقصي صعيد مصر) , و في الطريق اكتشف سائق الشاحنة أن من يركب بجانبه هو السفاح الذي أرعب مصر كلها و بسرعة توقف السائق عند أقرب نقطة مرورية و قال للسفاح انه سينزل من السيارة و يعطي رخصة القيادة للضابط و لكن السفاح بسرعة بديهته أدرك أن هذه حيلة من السائق لإبلاغ الضابط , و من توتره نسي السائق المفتاح في الشاحنة فأخذ السفاح الشاحنة و اتجه بعيداً بعد أن أطلق الرصاص على رجال الشرطة و قتل أحدهم . بعد 19 ساعة اهتدت قوات الشرطة الى الشاحنة و كانت فارغة إلا من ملابس السفاح و التي يبدو انه استبدلها بملابس شخص آخر للتنكر , و قد نجحت الكلاب البوليسية هذه المرة في اقتفاء اثر السفاح الذي وجدته الشرطة مختبئاً في احدى مغارات جبل حلوان (مدينة بجنوب القاهرة) , و احتشد حوالي 10 آلاف شخص لمحاصرة السفاح في المغارة الضيقة كان نصفهم من الشرطة و نصفهم من الأهالي , و حاولت الشرطة التفاوض مع السفاح إلا انه اشترط أن تسلمه الشرطة زوجته (نوال) ليقتلها مقابل تسليم نفسه , و يبدو أن لعنة السفاح لم تنته بموته فقد احتفت الصحف بخبر مقتله في اليوم التالي و كتبت صحيفة (الأخبار) عن الحادث بهذه الطريقة : مصرع السفاح عبد الناصر في باكستان . و في الحقيقة أن الخبران منفصلان و هو خبر مصرع السفاح و خبر زيارة الرئيس عبد الناصر لباكستان , و لكن يبدو أن من كتب الخبر قد نسي أن يضع فواصل بين الخبرين .