فإن مسألة صيغ المصادر ودلالتها، سواء المصادر السماعية أو القياسية، تُعد من القضايا المحورية في علم الصرف العربي، لما لها من أثر كبير في فهم بنية الكلمة العربية ومعانيها. فالمصدر هو الأصل الذي تتفرع منه الأفعال والمشتقات المختلفة، وهو حلقة الوصل بين المبنى والمعنى. وقد أولى علماء العربية هذه الظاهرة اهتمامًا بالغًا؛ لما تحمله من تنوع في الصيغ والدلالات، إذ إن لكل صيغة مصدرية ما يقابلها من دلالة محددة تنعكس على استعمالها في السياق.ويُمكن القول إن دراسة صيغ المصادر تُظهر العلاقة الوطيدة بين الشكل الصرفي والمعنى الدلالي. فبعض المصادر تأتي قياسية وفق أوزان محددة يمكن رد الأفعال إليها واشتقاق مصادرها منها، خاصة في الأفعال الرباعية والخماسية والسداسية. فهي الأكثر تنوعًا وغزارة في صيغ مصادرها، إذ يأتي بعضها قياسيًا على أوزان معروفة مثل “فَعْل” و”فُعُول”، وبعضها سماعيًا مما يُنقل عن العرب ولا يُقاس عليه.وقد اعتنى عدد من العلماء والمحققين المعاصرين بهذه الظاهرة الصرفية، ومنهم الدكتور رمضان عبد التواب الذي عرّف المصدر بأنه “الاسم الدال على الحدث مجردًا عن الزمان” (عبد التواب، والدكتور تمام حسان الذي أكّد أن المصدر “اسم يدل على حدث مجرد من الزمان والمكان” (حسان،وتبرز أهمية هذا البحث في تتبّع صيغ مصادر الأفعال الثلاثية، وبيان ما جاء منها قياسيًا بحسب القواعد الثابتة التي قررها سيبويه وابن مالك وغيرهما، وما جاء سماعيًا كما ورد عن العرب، مع توضيح دلالات هذه الصيغ في سياقاتها المختلفة. وقد وُجد أن الأوزان تتباين من حيث ثبات المعنى وتجدده، فمثلاً: صيغة فَعْل تدل غالبًا على مجرد الحدث، وفُعُول تفيد كثرة وتكرارًا،وإزاء هذا التنوع الصيغي والدلالي، تصبح دراسة المصادر مجالًا ثريًا يكشف عن خصوصية العربية ودقة نظامها الصرفي،