وقد كان مدرسًا بالمدرسة الإلزامية بها، فقد كنا نجلس على أريكة خارج المبنى الذي يعمل به كُتَّاب الحسابات لزراعة أبي، وكان حريصًا على تشجيعي حتى إنه كان يحمل معه أقراص النعناع الصغيرة يتحفني بواحد منها كلما أجدت الإجابة، فإذا علمت أنه كان من كبار البخلاء أدركت التضحية التي كان يقوم بها ليصل بتلميذه إلى أحسن مستوى. وحين بلغت السنة الثانية الثانوية كنت أقرأ معه ومع قريبنا الشاعر العصامي توفيق عوضي أباظة الذي علم نفسه ولم يختلف إلى مدرسة في حياته لشدة فقره، كنا نقرأ معًا الشوقيات في بيتنا بالقرية، وكنا نبدأ القراءة بعد أن يصعد أبي إلى الدور الأعلى من المنزل في حوالي الساعة التاسعة مساءً، ونظل نقرأ على الكلوب الذي ينير بالجاز حتى يطلع علينا الصبح، ونقرأ على ضوء الشمس وكنت أنا الذي أقرأ، فقد كنت أُكثر من اللحن في قراءتي، وقال لي إذا كنت تريد أن تكون أديبًا فلا بد أن تقيم لسانك وإلا فلن تصبح أديبًا مطلقًا، فحين ابتداء العام الدراسي في السنة الثالثة الثانوية أعدت قراءة النحو، وأخذت نفسي طوال السنة الثالثة الثانوية — وهي تقابل السنة الأولى الثانوية اليوم — أن أقرأ كل المواد العربية من تاريخ وجغرافيا وطبيعة وكيمياء بصوت مرتفع وأصحح لنفسي الإعراب في كل قراءتي،