لرؤية الإسلامية في تأثير البيئة الطبيعية على الطفل إنّ جميع أطفالنا عندما يسمعون صوت الرعد أو نباح الكلب، أو يرون البرق وسعة البحر وظلمة الليل، تتحرّك في داخلهم مشاعر الخوف والاضطراب، وكذلك عندما يسمع الطفل صوت زقزقة العصافير، أو يشاهد الحقول الجميلة والأزهار، تطرب نفسه لا شعورياً ويحسّ بالراحة والسعادة. فالبيئة تمنح الطفل انطباعات وصُوَراً ومشاعر وجدانية خاصّة عن العالم المحيط به من سماء ونجوم وقمر وشمس وأشجار وبحار وأنهار وصحراء وجبال. والبيئة الطبيعية تُساعد الطفل على استكشاف العديد من الأشياء ممّا يُساهم في تفتّح طاقاته ونمو قابلياته الذهنية والنفسية والمهاراتية. بل البيئة تلعب هذا الدور بحقّ الراشدين. ومن هنا دعانا القرآن إلى التفكّر والنظر والتأمّل والتدبّر في الآيات الآفاقية المنتشرة في البيئة الطبيعية وذكر عدّة نماذج وأمثلة في هذا المجال، لما له من دور في تكوين عقائد واتّجاهات ومشاعر خاصّة عند الإنسان، فالإنسان يتأثّر بالبيئة الطبيعية المحيطة به وينفعل عنها حتى في أمزجته وطباعه وأنماط تفكيره ومشاعره النفسية. وقد نفهم هذا المعنى من تشبيه أمير المؤمنين (ع) بقوله: «ألا وإنّ الشجرة البرية أصلب عوداً، والروائع الخضرة أرقّ جلوداً، والنباتات البدوية أقوى وُقوداً وأبطأ خموداً». ولكن هل هذا يعني أنّ الطفل ابن بيئته الطبيعية، بمعنى أنّها تشكّل ملامح شخصيّته بنحو لا يكون فيها إلّا عنصراً متأثّراً ومتلقياً ومنفعلاً؟ إنّ أزمة المدرسة الحتمية تكمن في اعتمادها نظرية العامل الواحد في تفسير علاقة البيئة الطبيعية بالإنسان، في حين أنّ هذه الأطروحة - التفسير على أساس العامل الواحد - ليست علمية في أيّ مجال من مجالات فهم الإنسان، لذا يذهب السيِّد محمّد باقر الصدر إلى أنّ التصوّرات التي اعتمدت العامل الواحد في فهم الإنسان باءت بالفشل، كما حصل عند سيجموند فرويد من خلال نظرية الغريزة الجنسية، ومن هذا الباب ينقض أيضاً على نظرية الحتمية الجغرافية، معتبراً أنّ «كلّ هذه المحاولات لا تتّفق مع الواقع، لأنّ كلّ واحد منها حاول أن يستوعب بعامل واحد تفسير الحياة الإنسانية كلّها». فالملاحظة الأولى في نقد النظرية الحتمية، عدم منطقية وعلمية نظرية العامل الواحد في تفسير هُويّة الإنسان ونشاطاته. والملاحظة الثانية التي يُمكن تسجيلها أيضاً هو اختلاف المجتمعات المتشابهة في الظروف البيئية من حيث مناهج التفكير وأنماط الحياة والخصائص النفسية. والملاحظة الثالثة أنّ الإنسان عنصر فاعل في البيئة ومؤثّر في الطبيعة، إلى درجة أنّ التطوّر العلمي والتقني منح الإنسان مساحة أكبر في مجال تسخير الطبيعة واستثمارها لصالح أهدافه. والخلاصة أنّ الجغرافيا البيئية مؤثّرة نسبياً - بغضّ النظر عن نسبة التأثير كمّاً وكيفاً-، ولكن تأثير البيئة الجغرافية أوّلاً قابل للتغيير، وثانياً هو أقل بكثير من تأثير جملة عوامل أُخرى متشابكة ومعقّدة ومتداخلة تلعب دوراً في رسم شخصية الطفل وهُويّته، ومنها التفاعلات الداخلية في نفس الطفل مع الطبيعة والأفكار والأشياء والأشخاص. حيث إنّ من أخطر المشكلات التي يواجهها الفكر الغربي هو عزل التربية الإلهيّة عن التدخّل في مسارات صناعة هُويّة الطفل والإنسان. فإنّ تصنيف أجناس البشر على أساس العامل البيئي هو خطأ منهجي، لأنّ ما قد يعتقده علماء الاجتماع أو التربية أنّه نتيجة العامل البيئي قد يكون نتيجة جملة هذه العوامل الأُخرى التي تشكّل مجتمعة المقتض أو العلّة لتشكّل هويّة أبناء المجتمع بنحو مشترك من حيث الطباع والأمزجة والأفكار والمشاعر والتصوّرات، خصوصاً أنّه لا يمكن عزل تلك العوامل لدراسة البيئة كمتغيّر مستقلّ دالّ في المعادلة، لأنّ العوامل الأُخرى تلعب دوراً أهمّ في عملية تشكيل الهُويّة، فكيف يُمكن عزل عامل تأثير البيئة البشرية مثلاً، أي مجموع الموروثات الثقافية والمشاعر والتصوّرات والعادات والتقاليد المشتركة التي تنتقل إلى الأجيال عن طريق التنشئة الاجتماعية، فتوجد اشتراكاً فيما يعتقد أنّه صنيعة البيئة الطبيعية؟!