من الوقوف على الطلل والنسيب ، إلى غير ذلك من الموضوعات التي امتدت على مساحة الشعر القديم كله . ويقيم الدكتور عز الدين إسماعيل تفسيره لهذه الظاهرة كمقابل للتفسير الخارجي الذي قال به ابن قتيبة من حيث كانت ممثلة في حقيقتها لارتداد الشاعر إلى ذاته وخلوه إليها ، وأنه يصحو على الشعور المستمر بتسرب الحياة منه ؛ إذا ما أتيحت عملية التحليل والتفسير الطبيعة الوقوف على الطلل عند الشعراء الجاهليين - ديار لسلمى عافيات بذي خال الح عليها كل أسحم مطال ه - وتحسب سلمى لا تزال ترى طلا من الوحش أو بيضا بميشاء محلال - وتحسب سلمى لا تزال كعهدنا ومن يعيد النظر فى الوقوف الطللى عند الشعراء القدامي بعامة وامرىء القيس بخاصة يدرك أن الطلل يمثل تحولا على ٦ بوادي الخزامي أو على رأس أوصال - ليالي سليمي إذ تريك منصباً مستويين : الأول : من حيث الشكل ؛ حتى آل أمرها إلى ما صارت عليه أثراً وجيداً كجيد الرثم ليس بمعطال - الا زعمت بسياسة اليوم أنني كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي - كذبت لقد أصبى على المرء عرسه وأمنع عرسى أن يزن بها الحالي (۸) بعد عين الثاني : من حيث الباطن ؛ وقد تحولت فيه الدار من طبيعتها المحسوسة المعاينة إلى طبيعة إلهامية يتأمل فيها الشاعر بعض إن محاولة الاستكشاف للإمكانات التركيبية وما بينها من سوف يؤدى بنا إلى استكناه نظام عام - يجمع بين علاقات الأبيات ، يتفتق من خلالها البعد الزماني والبعد المكاني للتجربة كإفراز طبيعي للعلامات التركيبية . يجمع فيها الشاعر بين الطلل - الممثل للماضي - وبين ماضي عمره ، وبهذا يمكن أن يعد حديث الشاعر عن نفسه امتداداً الحديثه عن الطلل. ويتضح لنا هذا التوحد على مستوى الصياغة إذا قارنا بين نمط التركيب في البيت الأول والبيت الثامن ؛ فقد بدأ كل منهما بالأداة المنبهة ( ألا ) تلتها جملة فعلية مرتبطة بزمان ( عم صباحا ) و ( زعمت بسباسة اليوم ) . عاجزاً وعلى هذا يكون ( التكذيب الرافض ) في البيت التاسع منصباً على أمرين معا : الطلل ، بالاستفهام السالب - إلى التعبير عن عبثية التحية والدعاء وأنها و بانكسار لحظة ( الحضور ( مع كلمة ( البالي ) يطفو الماضي وينتشر من خلال عدة تراكيب ( العصر الخالي ) ، ويستمر تأثير هذا الاستفهام السلبي - دلاليا - على البيت الثاني ، ونمط التركيب في هذه الصيغ يأتي - في الغالب - على صورة الجمع ، وبملاحظة حركة الأفعال في الأبيات وأبعادها الزمانية تتبلور عملية الصراع بين الماضى والحاضر ؛ أحدث نوعاً من الاتصال بين الشاعر وبين الطلل ، وتستمر سطوة ( كان ) إلى البيت الثالث ، قبل أن يذوى ويصبح أثرا بعد والسادس ، ثم يربط بين الفعل والواقع أن الشاعر الطللى ما كان يعنيه كثيرا رصد الأسباب التي أدت إلى تحول الديار العامرة إلى أطلال إلا بحسبانها عملية باطنية تعطيه نوعا من الراحة والطمأنينة ؛ أو منبها يستعيدون لما نجتها من جنوب وشمال - ترى بعر الآرام في عرصاتها وقيعانها كأنها حب فلفل ه - وقوفا بها صحبي على مطيهم - كأن غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي ناقف حنظل من خلاله أخص تجاربهم الذاتية ، بوصفه وجارتها أم الرباب بمأسل. لكنه استعان بوسيلة أسلوبية هي (التجريد ليحدث بها انفصاماً بينه وبين الذات ، والطبيعة الحوارية في البيت الخامس من دعوته إلى الوقوف على الطلل الدارس ، ثم إضافته إلى ياء المتكلم ليؤكد خصوصية التجربة وبعدها الذاتي . بل إن البيت نفسه أوضح رفض الشاعر للطلل صراحة باستخدام أداة المقابل للزمن الماضي المتجسد في تتابع الأسماء (منزل - سقط اللوى - الدخول - حومل - توضح - المقراة) . وتمتد طبيعة التقابل إلى البيت الثالث من خلال الفعل (ترى) بما فيه من دلالة على الحاضر المعاين، واختيار البعد) هنا يشى بالميل إلى رفض الطلل والنفور منه ، وعليه فلا حاجة به بعد ذلك إلى طلب حيلة أخرى ، وأبعد عن معنى الفناء والتحلل المتمثل في الطلل . ويأتى البيت الرابع بأسباب تحول الدار إلى طلل ، المتحرك إلى أمام - ولذا فرغ البيت من صيغة الفعل وما فيه من دلالة على الزمن، من حيث كانت تجربة الطلل - في الحركة الأولى - ذات نهاية مغلقة في حين أخذت تجربة الشاعر - في الحركة الثالثة - طبيعة الاستمرار المليء بالحيوية . البيت الثامن حيث سيطرت فيه (إذا) على ما بعدها مخلصته المعنى الاستقبال ، و بمعنى آخر فإن العلاقة بين الحركتين تحولت إلى طبيعة جدلية بين السلب والإيجاب . بأن يتدفع الشاعر بكل طاقته ورغبته في الحياة إلى رحلة طويلة على ظهر ناقة قوية إلى حيث الخصب والنماء . ويمكن أن نستكشف هذه الصورة في قول امرئ القيس : غشيت ديار الحي بالبكرات فعارمة بركة البيرات الساري فقول فعليت فأكناف منبج إلى عاقل فالحب ذي الأمرات ۳ - ظللت ردائی فوق رأسي قاعدا أعد الحصى ما تنقضى عبران - أعنى على النهمام والذكرات يبتن على ذي الهم معتكرات ه - بليل التمام أو وصلن بمثله مقايسة أيامها نكرات ٦ - كان وردق القراب وتمرقى على ظهر عبر وارد الخبرات - ارن على حقب حيال طروقة كذود الأجير الأربع الأشرات - عنيف بتجميع الضرائر فاحش شتیم كذلق الزج ذي نمرات - ويأكلن همى جعدة حبشية ويشرين برد الماء في السيرات ۱۰ - فأوردها ماء قليلا أنيسه يحاذرن عمراً صاحب القدرات (۱۱) تنقضى عبرانی . وإذا كانت الأبيات الثالث والرابع والخامس تمثل رفضا سلبيا للطلل ، تمتد الأولى إلى البيت الخامس ، وتمتد الثانية إلى العاشر السادس من صيغة الفعل لتكون انطلاقة الشاعر بعيدة عن قيود وتأكيدا لهذا المعنى يأتي الشجن) مرتبا على الإبصار لا على وجود الطلل فى ذاته ؛ ومن اللافت أن الشاعر الطللي لم يلجأ في رسم الصورة المجازية إلى تقديم الطلل في شكل جثة هامدة ، وبرغم أن الأبيات الثلاثة الأولى تكون الحركة الأولى في هذه الأبيات ، کخط زبور في عيب يمان وم ۲ - دیار لهند والرباب وفرتنا 4 6 ليالينا بالنعف من بدلان - ليالي يدعوني الهوى فأجيبه واعين من أهوى إلى روان وإن أمس مكروبا فيارب بهمة كشفت إذا ما اسود وجه الجبان وإن أمس مكروبا فيارب قينة منعمة أعملتها بكران التمتع بغناء القينات) ، الذي يأتي بعده الجار هذا الاستفهام الإنكارى إلى (طلل) الذي جاء (منكرا) ليكون ويلفتنا أن الصياغة في مفتتح البيت معتمدة على المنبه الأسلوبي نفسه الذي أثره الشاعر كثيرا في وقوفه على الطلل ، ويمكن أن نعود به كذلك إلى ما ترسب من أبعاد نفسية عن موت الأب الذي يعيد إلى الابن الإحساس برجولته وفتوته ومن هنا كان وقوفه متأملا لحظة الفناء دافعا إلى لحظة الحياة ؛ ولكن هذا الانطلاق إلى الحياة يخالطه - بلاشك - نوع من الإحساس بالوحدة والغربة ، حتى تستحيل لحظة الفناء إلى لحظة حياة بكل ما تحويه الكلمة من مضمون . ذلك أن الشاعر - عن طريقها - يريد أن يضع نفسه في موقف محايد بين الذات دون أن نصاب منها بأي أذى (4) مرت كام علوم ساري والطلل ، بالإضافة إلى ما في الفعل ذاته من دلالة على الزيارة السريعة الخاطفة ، تجعل الجملة الواقعة في حيز الأمر ( على الربع القديم بعسعسا شيئا هامشيا بالنسبة للشاعر . بأن يجعل الطلل هو الرافض للذات ، ثم رفضه سليا من خلال رفض الطفل له وتعود الذات إلى سيطرتها على المعنى في الشطرة الثانية عن طريق تعديل الضياغة بوسيلة تعبيرية أخرى هي (الالتفات) من الخطاب إلى التكلم ، يقول امرؤ القيس : 1 - ألما على الربع القديم بمعا كان أنادي أو أكلم أخرسا ۲ - فلو أن أهل الدار فيها كعهدنا وجدت مقيلا عندهم ومعرسا وتتأكد طبيعة المفارقة عند مواجهة البيت الأول بالثاني . في حين تتحول الصياغة في البيت العاشر إلى (التكلم) ليكون النفي إيجابياً مباشراً ، تعود بعدها الذات إلى حالة الصحو والتنبه ، فتصب كل ذلك في قوالب فنية ذات تكوين ثابت . ورفض الذات نابع من وجود غالب وقدرة على ممارسة الحياة في كل مكان وكل زمان . وباحتوائهما على البعد الزماني من المواضعة على دلالتهما على منتصف النهار وآخر الليل بالنسبة للوجه الاسترجاعي في التجربة . فتستحيل صورة الطلل إلى عجوز تناويته عوامل الضعف والتحلل حتى وصلت به إلى تلك الحال . بما فيها من تغلب على كل عوامل الضعف ، وبما فيها من قدرة على المغامرة العاطفية بلا حدود ؛ أو بمعنى آخر تخلص الذات من الملامح الطللية التي يقول امرؤ القيس : ٢ - تمشى النعاج بها مع الآرام - ديار هند والرباب وفرتني نصفا الأطيط فصاحتين فغاضر تسربت إليها من طبيعة التوحد بينهما . وتمتد هذه اللحظة على مساحة الصياغة في البيتين الأول والثاني ، فقدم (التساؤل) على ما بعده من تراكيب تنصرف جملة إلى الماضي من خلال سيطرة (غشيتها عليها ، وتأتى حالة التنبه السريع مع مطلع البيت الثالث بالاعتماد على خاصية الحذف في (ديار) المحذوفة المبتدأ ؛ مع فقدان القدرة على الكلام والحركة، وكأنه يقول لنفسه : كان يجب أن تعرف هذه الديار بعد أن (غشيتها) وتلبست بها ؛ وبهذا يحدث نوع من التعادل بين المخلفات النفسية القديمة والحقيقة التي يمر بها الشاعر ويعيشها في كل لحظة كلما مرت به ذكري قديمة ، وعلى مستوى الدلالة ، بحيث بدت علاقته به علاقة سلب في مجملها ،