وهو يقول هذا كله في لهجة جد واقتناع ويقين حتى ينسيني أو شابان نقصد إلى النزهة في ريفنا ذلك البعيد،يقف متدفق لا يريد أن يهدأ يسأل ولا ينتظر الجواب،يجيب وهو يمضي في حديثه لا يلوي على شيء، ويعجزني اتباعه ولكنه ماض في حديثه، لا يقف عند شيء ولا يلوي على شيء،عني وعما أحب فكأنما أنا أتحدث عن نفسي.قال : فإنك لا تريد البقاء في هذه الحديقة لأن نفسك لا تنهياللخلوة ولا للحديث الهادئ المطمئن وإنما أنت اليوم مهيأ للحركة وما أرى أنك تستريح حتى تكلف نفسك بالمشي ولولا أنك شديد الحياء،والعقبات الأثرت العدو ولكلفت بالجري السريع،العامة فليس لك في هذه الحديقة أرب منذ اليوم.هلم وليكن مشينا سريعاً يشبه العدو، وهأنذا أحس أن قدميك تثقلان وأن نشاطك ينال منه الفتور،وأنك تؤثر مشياً رزيناً هو إلى التلكؤ أدنى منه إلى الجد والسرعةلقد فهمت أن مكانك من هذه البيوت الأربعة التي تنتظم على شاطئالقناة في نسق بديع وقد امتدت أمامها حدائقها الواسعة ذات الشجرالملتف والأغصان المتدلية على الأسوار وأنت تريد أن تسعى سعياًهيناً إلى جانب هذه الأسوار وأن تداعب بيدك هذه الأوراق الخضرالنضر لأنك تجد في مسها راحة ولذة ونعيماً لنفسك وهدوءاً لقلبكتريد أن تقف وأن تعبث بهذا اللبلاب الذي يتلوى على سور تريد أن تداعبه وتلاعبه وتقوم اعوجاجه وتصلح التواءهتعلم ثم أنت تريد أنتطيل الوقوف عند بيت الملاحظ وما أظن إلا أن نفسك تنازعكإلى أن تطرق الباب وتدعو عثمان أو محموداً، فمن يدري؟ لعل أحدهما أن يستجيب لك وأن يدعوك إلى الدخول لتتحدث إليه، وإن نفسك لشديدةالالتواء، لم تكذب على نفسك؟ وتكذب عليّ؟ إنك لا تريد عثمان وإنما تريد أن تدخل الدار وتقطعإليها هذه الحديقة العريضة متلكثاً بعض الشيء،والمهل، حتى إذا بلغت الدار وأجلست في هذه الحجرة المتواضعةأرضاً قد رصفت أو بعض ما تستطيع أن تلقيه منها، قل إنك لا تريد عثمان ولا تبتغي الحديث إلى محمود،أحد هذين الصوتين اللذين تشيع فيهما العذوبة كماتشيع النضرة في الغصن المورق اللدن، بل أنت أسعد الناس إن أتيحلك الاستماع إلى الصوتين جميعاً .أيهما آثر عندك وأحب إليك؟ صوت هذه الفتاة الناهد التي وقد أم صوت أختها أمينة هذه التي نيفت علىالعشرين،وفيقلقاً لا تتبين ولا سره ولكنك تخافه وتحبه معاً.مسرفاً فيما تتيح لضميرك من حرية. إنك لتحب الصوتين جميعاً، وتحب أن تنعم ما وسعك .تثيران في نفسك من هذه العواطف الحادة المبهمة الغامضة،لتسمع لهما إذا تحدثتنا أو ضحكنا أو جاءتا بشيء من الحركة فتعي وأخذتتتخيل ما أحسست به من حركة، وأخذت تتعمق هذا كله، وتستخرجولكنها تنسيك نفسك وأهلك ودارك، وتنتهي بك إلى عالم غريب هوأحب إليك ألف مرة من هذا العالم الذي تعيش فيه،الستُ أصور ما تجد وأقص ما تحس وأحدثك بما تحب أنأتحدث إليك فيه؟ ولكنك قد أطلت الجلوس بين عثمان و محمود،صلاة الظهر، ولئن بقينا لتُدْعَين وأنا أعرف أن حياءك وأدبك يأبيان عليك أن تستجيبلهذا الدعاء، وأن نفسك تنازعك إلى البقاء.أرسلت نفسك على سجيتها لأقمت ولاحتملت ساعة الغداء هذهالثقيلة لتستمتع بعدها بساعاتٍ طوال تنعم فيها بهذين الصوتين ومافيهما من فتنة وروعة وحنان ولكن لا سبيل إلى الإقامة، وكيف تلقى أمك؟ وكيف تجيبها؟ فأما الآن قصدقنيأما الآن وقد تجاوزنا عشبة الدار، وأغلق من دوننا الباب،عثمان ومحمود أدراجهما في الحديقة واستقبلنا القناة، فوقفنا أنعود إلى حيث كنا بعد أن تقدم النهار؟أم نمضي عن يمين إلى المدينة وإن عرضنا ذلك لشيء غير قليل مناللومثم أثرنا اللهو والعبث فأخذنا طريقنا عن يمين نحو الخطالحديدي نسعى هادئين. أما الآن فإني أحمد جدك وحزمكأعاجيب ولا يألفها أهلالأقاليم، وتعرض علينا عزيزة العزف على البيانو.أمينة القراءة في بعض القصص،على أني لا أفهم كلفك بالاستماع لعزيزة وأمينة، وافتتانكبأحاديثهما هذه التي يلتوي فيها لسانهما بلهجة أهل القاهرة في تأنقوتكلف وتعمد للفتنة،نفسها،رقيقة خفيفة حسنة الموقع في الأسماع، ولا يلقيه كما تلقيه نحن إلقاء لا يعجبني شيء من هذا لأني أراء تكلفاً واستمعنا لهما في ولعلهمايومئذ أن تجدا إلى نفسي الغليظة سبيلاً، أما الآن فإن قلبي مغلقدونهما إغلاقاً، وماوصوت محبب إلى النفوس على ما يضطرب فيه من بعض الجفاءستغضب وستثور وستنكر ذوقي أشد الإنكار، ولكني لا أتردد مععزيزتك هذه المتكلفة المتصنعة،علي، على أمينتك هذه التي ترى أن ليس على الأرض امرأة تعدلها