غالبا ما تكون نتائج التحصيل الدراسي التي يحصل عليها التلميذ مؤشّرا ً هاما ً يعطينا صورة سلبية أو إيجابية عن طبيعة بيئات التلميذ المؤثرة في تحصيله الدراسي بشكل مباشر، والتي ساعدته على الحصول على نتيجة ما، إن تفحص عملية التحصيل الدراسي بنظرة تحليلية وما يرتبط بها من عوامل عديدة تؤثر فيها، وبمعرفة هذه العوامل وآثارها على التحصيل الدراسي يمكن معرفة ما يعوق تلك العملية، وبالتالي دراسة الطرائق والأساليب المناسبة لتفادي المعيقات والوصول بالتحصيل الدراسي إلى أقصى حد ممكن. ولما كان من الطبيعي أن أي إصلاح تربوي يجب أن يبدأ بمحاولة رصد الواقع بإنجازاته ونواحي قصوره كان عليه أن يواكب التطور في التربية تطورا مماثلا في رفع الأداء الدراسي للوصول إلى مستوى عالي و مرتفع من التحصيل العلمي للتلاميذ. وفي اجتماعيات التربية يكثر استعمال جملة الظروف والمؤثرات الاجتماعية المباشرة كالأسرة في تأثيرها على التفوق أو القصور الدراسي على اعتبار أنهما لا يظهران في عزلة عن تلك السياقات الاجتماعية، التي تشكل المناخ التربوي العام المساعد لإفراز التفوق أو القصور الدراسي. ونقصد بالمناخ في معناه الواسع ذلك الوسط المباشر والتأثيرات الاجتماعية، الثقافية والتعليمية التي يعيش فيها التلميذ ويتأثر بها، إلا أن أهم المناخات وأكثرها تأثيرا على التحصيل الدراسي هو المناخ المجتمعي الأسري بحيث أن مستوى ثقافة الأسرة وإمكاناتها ومدى قدرتها على مساعدة التلميذ في تحصيله الدراسي، وكذلك توفر المناخ الأسري المهيأ للتحصيل والقائم على التفاعلات الإيجابية بين التلميذ ووالديه وإخوته فضلا عن الرعاية والتوجيه الإيجابي الأسري للأبناء كلها ظروف وعوامل وجودها يؤدي إلى تحقيق التفوق. ومن هذا المنطلق جاءت فكرة هذا البحث، للتعرف على دور الأسرة في التحصيل الدراسي للأبناء، وتعد هذه الدراسة التي قمنا بها محاولة لبحث مختلف العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي، مركزين بشكل معمق على العوامل الثقافية، الاجتماعية و الاقتصادية. قسمنا بحثنا إلى فصلين: بالإضافة إلى العوامل الأسرية وتأثيرها في حياة الطفل الدراسية . الفصل الثاني: خصصناه للمدرسة و التحصيل الدارسي للتلاميذ. الفصل الثالث: يمثل الجانب الميداني للدراسة تطرقنا فيه إلى عرض البيانات والنتائج مع تحليلها. وإننا نرجو أن تضفي هذه الدراسة الجديد للدراسات السابقة وتكون منطلقا لمزيد من الاهتمام بدور الأسرة في التحصيل الدراسي. الإشكالية: تعتبر الأسرة الوحدة الاجتماعية التي ينشأ فيها الطفل ويتفاعل مع أعضائها، وهي التي تسهم بالقدر الأكبر على تنشئة الطفل، وتكوين شخصيته وتوجيه سلوكه، وتبدأ العلاقات الاجتماعية للطفل مع أفراد أسرته حيث ينمي الطفل انطلاقا من هذه العلاقات الأولية خبرته عن الحب والعاطفة والجماعة ويزداد وعيه لذاته، كما يزداد نموه بزيادة تفاعله مع المحيطين به وقيامه بدوره الخاص، وينمو لديه شعور بالطمأنينة عن طريق هذا التفاعل تأخذ شخصيته بالتبلور والاتزان. فالأسرة هي البيئة الأولى التي يرجع لها العامل الحاسم في عملية الميلاد الثاني للطفل، حيث تهيئ استعداداته البيولوجية والنفسية ليغدو لبنة صالحة متهيئة لعملية التنشئة الاجتماعية، التي تهدف إلى إعداد الطفل للاندماج في أنساق البناء الاجتماعي والتوافق مع المعايير الاجتماعية والقيم السائدة ولغة الاتصالات والاتجاهات الخاصة بالأسرة التي ولد فيها، وبالجماعات التي ينظم إلى عضويتها، كما يتفهم الحقوق والواجبات الملزمة المتعلقة بمجموعة المراكز التي يشغلها، ويتعلم الأدوار المناسبة لكل مركز ويتفهم أدوار الآخرين الذين يتعامل معهم والمواقف الاجتماعية المتنوعة. كما أن الأسرة بما تقدمه من خبرة للتعلم تقوم على أهمية المشاركة لكل سلوك يأتيه الطفل تخلق لديه الرغبة في تكراره ومن ثم توجيهه ومحاولة التغلب على مشاكله، كل ذلك شأنه أن يجعل الأسرة المكان الذي يتعلم بداخله الطفل كيف يعيش ويستقي منه أسلوب الحياة وعاداته لأن نمو الطفل يحتاج إلى جو أسري هادئ مستقرن، وإلى مساندة والديه وكذا الشعور بالتقبل في إطار الأسرة. تعتبر الدراسات والبحوث التي تناولت البحث في أثر العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من العوامل الأخرى في التحصيل الدراسي موضوعاً قديماً، لكن الاهتمام به زاد في الوقت الحاضر، فبدأ الباحثون التــــــربويون والنفسيون وعلـماء الاجتماع بالبحث في الخلفية الاجتماعـية والاقتصادية والثقافية للتلاميذ لمعالجة المــــشكلات التي تنجم عنها ومحاولة تجاوزها، والتكيف مــع الظروف التي تطرأ على العملية التربوية لرفع مستوى تحصيل التلاميذ في المواد الدراسية. ويعتبر التحصيل الدراسي جانباً من جوانب كثيرة يظهر فيها دور الأسرة واهتمامها وخاصة عندما تكون ذات مستوى تعليمي معين. ومن هذا المنطلق نجد أنفسنا أمام إشكالية تتمثل في: * ما العوامل الأسرية المؤثرة في التحصيل الدراسي للتلميذ ؟ - هل المستوى الثقافي للأسرة يتحكم في التحصيل الدراسي للتلميذ؟ أسباب اختيار الموضوع : كان اختيارنا لموضوع دور الأسرة في التحصيل الدراسي لعدة اعتبارات منها ما هي موضوعية ومنها الذاتية ، أ.إبراز العلاقة التكاملية بين الأسرة والمدرسة لتحقيق غرض مشترك وهو التحصيل الدراسي. ب.تكملة ما توصلت إليه الدراسات السابقة حول الموضوع لكن من جوانب أخرى. أهداف البحـــــث : لعل من أهم أهداف البحث الآتي : ومدى فاعليتها في التحصيل الدراسي . ب. تحديد أهم المتغيرات الثقافية، ج. إبراز أثر هذه المتغيرات على التحصيل الدراسي. د. الكشف عن أشكال علاقات القوة والاستقطاب الثقافية، الاجتماعية و الاقتصادية وأثرها في تحديد نوعية التعليم والتحصيل الدراسي وبالتالي نواتج التعلم. الفرضـــيات : تتمثل فرضيات هذا البحث في : الفرضية الأولى: يختلف مستوى التحصيل الدراسي باختلاف الأوضاع الثقافية للأسرة؟ الفرضية الثانية: الوضع الاجتماعي و الاقتصادي للأسرة له تأثير مباشر في التحصيل الدراسي. الفرضية الثالثة : النمط التربوي المتبع في الأسرة يؤثر في التحصيل الدراسي. المفاهيم و المصطلحات : الأسرة: كما أنها الأرضية لميلاد الوليد البشري ونشأته فمنها يكتسب اللغة، والاتجاهات كما يتحدد مسار أعضائها من خلال التربية والتنشئة التي يقوم عليها، وهي تتكون في العادة من عدة أفراد، الأبوين وطفل واحد أو عدة أطفال تربطهم رابطة الدم والأهداف المشتركة. بل أنها مؤسسة اجتماعية تكونت لأسباب اجتماعية ، ويرتبط أعضاؤها حقوقيا أخلاقيا ببعضهم البعض". المدرسة: هي مؤسسة تعليمية يتعلم بها التلاميذ الدروس بمختلف العلوم وتكون الدراسة بها عدة مراحل وهي الابتدائية والمتوسطة والثانوية وتسمى بالدراسة الأولية الإجبارية في كثير من الدول. وتنقسم المدارس إلى مدارس حكومية ومدارس خاصة، التي يعهد إليها دور التنشئة الاجتماعية للأفراد وفق منهاج وبرنامج يحددهما المجتمع حسب فلسفته. تهدف من خلالها إلى تنظيم فاعلية العنصر البشري، بحيث تنتج وتفعل وفق إطار منظم يضبط مهام كل فئة ويجعلها تقوم بعملها الخاص لكي يصب في الإطار العام ويحقق الأهداف والغايات والمرامي. الثقافة: الفن، القانون، وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع. " الدراسات السابقة : إن اقتناعنا بأن عملنا هذا عبارة عن حلقة متصلة بمحاولات كثيرة ودراسات سابقة للبحث الذي نحن بصدد الخوض في أعماقه قد بدأ الاهتمام به في أواخر الألفية الثانية نذكر بعضا منها: - دراسة جانو ونصرة 'جامعة تشرين 1976' : ( أثر العوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية في مستوى تحصيل الطلبة الدراسي ) : وتوصلت نتائج الدراسة إلى ما يلي : "يؤثر المستوى التعليمي المتوسط للآباء إيجابيا في مستوى تحصيل الأبناء، بينما يؤثر عدم تعليم الأبوين سلباً في مستوى تحصيلهم الدراسي. - دراسة قبعين في الأردن '1978" : عن أثر الظروف الاجتماعية والاقتصادية للطلبة المتفوقين في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة في الأردن:وشملت هذه الدراسة المتغيرات التالية : مستوى تعليم الوالدين وعملهما وتوصلت إلى النتيجة التالية : لا يوجد تأثير لمستوى تعليم الوالدين في تحصيل الطلبة المتفوقين ، وشملت متغيرين : مستوى تعليم الأب ومستوى تعليم الأم و توصلت إلى النتائج التالية: - إن مستوى تعليم الوالدين المنخفض يؤثر في انقطاع الأبناء عن المدرسة، ويظهر بشكل واضح لدى الإناث، ويرجع السبب إلى ضعف اهتمام الآباء بأبنائهم، وقصور الوعي بأهمية التعليم،