لذلك نجد في كلّ يومٍ أمرًا جديدًا في المجالات العلميّة المختلفة، وغدت في طليعة المجالات الأكثر أهميّة في الفيزياء والكيمياء والأحياء والهندسة والطبّ وغيرها. ويعود أصل اشتقاق كلمة (نانو) إلى الكلمة الإغريقيّة (نانوس)، ويقصد بها كلّ ما هو صغير، فتعني تقنية الموادّ متناهية الصّغر أو (التكنولوجيا) المجهريّة الدّقيقة، ويقوم مبدأ هذه التّقنية على التقاط الذّرات متناهية الصّغر لأيّ مادّة، للحصول على موادّ (نانويّة) الأبعاد، وقد استخدم في صناعته جسيمات (نانو) من الذّهب تمّ خلطها بالزّجاج. كما كان العرب والمسلمون من أوائل الشّعوب الّتي استخدمت هذه التّقنية -دون أن يدركوا ماهيتها؛ إذ إنّ السّيوف الدّمشقيّة -المعروفة بالمتانة- يدخل في تركيبها موادّ (نانويّة) تعطيها صلابة (ميكانيكيّة)، ويحتوي تراكيب لأنابيب بأحجام (نانويّة) داخل الفولاذ، لصنع منتجات متينة تتّصف بخفّة وزنها. وعلى الرّغم من أنّ تقنية (النّانو) حديثة نسبيًّا، فإنّ وجود أجهزة تعمل وفق هذه التّقنية ليس بالأمر الجديد؛ تصل إلى حدود مقياس (النّانو)؛ إذ تُعدّ الخليّة مستودعًا لعددٍ كبيرٍ من الآلات البيولوجيّة بحجم (النّانو). وقبل ظهور تقنية (النّانو) كانت تقنية (الميكرو) مستخدمة في الأنظمة التّقنية؛ إذ استُخدمت في عددٍ كبيرٍ من الصّناعات؛ وتعدّ مادّة (السيلكون) العصب الرّئيس لصناعة الدّوائر الإلكترونيّة المتكاملة، وتعمل لمدّة تتجاوز البليون والتّريليون دورة دون عطب. فتعود إلى عام 1867، عندما أجرى الفيزيائيّ الإسكتلنديّ (جيمس ماكسويل) تجرِبة ذهنيّة تعرف باسم: عفريت (ماكسويل)، وكانت التّجرِبة الّتي ولّدت فكرة التّحكم في تحريك الذّرات والجزيئات. - وفي عام 1959 قام الفيزيائيّ الأمريكيّ (ريتشارد فاينمان) بإلقاء محاضرة بعنوان: (هناك متّسع كبير في القاع)، - وفي عام 1974 أطلق الباحث اليابانيّ (نوريو تاينغوشي) تسميّة المصطلح تقنية (النّانو). - عام 1976 استحدث الفيزيائيّ العربيّ (منير نايفة) طريقة (ليزريّة) تسمّى التّأيّن الرّنينيّ؛ وقياسها بأعلى مستويات الدّقة والتّحكم، ورصد بها ذرة واحدة من بين ملايين الذّرات، - وفي عام 1981 اخترع الباحثان السّويسريان: (جيرد بينغ) و(هنريك روهر) جهاز المجهر النّفقيّ الماسح، وقد مكّن هذا المجهرُ العلماءَ لأوّل مرّة من التّعامل المباشر مع الذّرات والجزيئات، لتكوين جسيمات (نانويّة). - عام 1986 ألّف (إريك دريكسلر) "محرّكات التّكوين"، كما بسط فيه الفِكَر الأساسيّة لتقنية (النّانو)، ومنها: إمكانيّة صناعة أيّ مادّة بواسطة رصف مكوّناتها الذّرّيّة واحدة تلو الأخرى. - عام 1991 اكتشف الباحث اليابانيّ (سوميو ليجيما) أنابيب الكربون (النّانوية). مبادئ تقنية (النّانو): لأنّ الذّرّة هي وحدة البناء لكلّ الموادّ. - إنّ الخصائص الفيزيائيّة والكيميائيّة للمادّة عند مقياس (النّانو) تختلف عن الخصائص للمادّة نفسها في الحجم الطبيعي؛ - إمكانيّة التّحكم بالذّرّات في صنع الموادّ والآلات، إلى الحدّ الّذي يمكن إهمالها، وإنّ نسبة حجم نواة الذّرة إلى حجم الذّرة ككل هو 1 إلى 100, وهنالك فراغات بين الجسيمات الّتي تكوّنها. واستغلّت تقنية (النّانو) هذا الفراغ الّذي سمح بإعادة هيكلة الذّرات والجزيئات وتشكيلها؛ لتوليد صورٍ أخرى من الموادّ على هيئة كيانات متناهية الصّغر، لأمكن الحصول على موادّ جديدة، أو بتعبير أدقّ: تراكيب من المادّة نفسها، لكنّها ذات خواصّ تختلف عن تلك الموجودة في المادّة الأصليّة من حيثُ: الصّلابة وخفّة الوزن ومقاومة التّآكل والظّروف الجويّة والبيئيّة المختلفة، ويُعزى هذا الاختلاف إلى المقياس الصّغير للمادّة الّتي تؤدّي بدورها إلى زيادة المساحة السّطحية للتّركيب (النّانوي) نسبةً إلى حجمه، وزيادة عدد الذّرّات السّطحية بشكلٍ كبيرٍ؛ مما يؤدّي إلى تغيير خواّص التّركيب (النّانوي) مقارنة بما هو أكبر منه. خواصّ المواد (النّانوية): يمكن القول إنّ المواد (النّانوية) هي: تلك الفئة المتميّزة من المواد المتقدّمة الّتي يمكن إنتاجها؛ إذ تتراوح مقاييس أبعادها أو أبعاد حبيباتها الدّاخليّة بين 1 نانومتر و100 نانومتر، وقد أدّى صِغَرَ هذه المواد إلى اختلاف صفاتها عن المواد الأكبر حجمًا، 1- الخواصّ (الميكانيكيّة): ترتفع قيم الصّلابة للمواد الفلزيّة وسبائكها، وكذلك تزيد مقاومتها لمواجهة إجهادات الأحمال المختلفة الواقعة عليها؛ وذلك من خلال تصغير مقاييس حبيبات المادّة، 2- درجة الانصهار: تتأثّر قيم درجات حرارة انصهار المادّة بتصغير أبعاد مقاييس حبيباتها. 3- الخواصّ المغناطيسيّة: تعتمد قوّة المغناطيس اعتمادًا كليًّا على مقياس أبعاد حبيبات المادّة المصنوع منها المغناطيس، وكلّما صَغُر حجم الجسيمات (النّانوية) وتزايدت مساحة أسطحها الخارجية- وبوجود الذّرّات على تلك الأسطح- زادت قوّة المغناطيس وشدّته. 4 - الخواصّ الكهربائيّة: إنّ صغر أحجام حبيبات الموادّ (النّانوية) يؤثر إيجابًا على خواصّها الكهربائيّة؛ فتزداد قدرة الموادّ على توصيل الّتيار الكهربائيّ، 5- الخواصّ الكيميائيّة: فكلّما ازداد تجانس الجسيمات (النّانوية)، إنّ مجالات استخدام تقنية (النّانو) في الوقت الحاضر وفي المستقبل كثيرة، ساعد تطوّر تقنية (النّانو) على تغيير القواعد الطّبيّة المتّبعة في القضاء على أنواع من الدّاء وتشخيصها وعلاجها، فمثلًا: تقدّم تقنية (النّانو) طرائق جديدة لحاملات الدّواء داخل الجسم، ويمكن بواسطة هذه التّقنية تصوير خلايا الجسم بسهولة، ويمكن التّحكّم بتلك الخلايا وتشكيلها بأشكال مختلفة. علاج السّرطان: تستخدم الأغلفة (النّانوية) المطليّة بالذّهب؛ لأنّها أصغر من حجم خلية السّرطان بنحو مائة وسبعين مرّة، وتركّزها على الخلايا المريضة فقط. مجال الأدوية والعقاقير: دخل مصطلح (النّانو بيوتك) إلى علم الطّبّ، وسوف تحلّ هذه التّقنية كثيرًا من مشكلات البكتيريا المقاومة للمضادّات الحيويّة الّتي أحدثت طَفْرَات تحول دون تأثير المضادّ الحيويّ على هذه البكتيريا؛ إذ يقوم (النّانو بيوتك) بثقب الجدار الخلويّ البكتيريّ أو الخلايا المصابة بالفيروس؛ وفي مجال العمليّات الجراحيّة، لا يزيد سُمْكُهُ على عُشْر المليمتر، تطبيقات (النّانو تكنولوجيّ) في مجال الصّناعة: فهي تدخل -على سبيل المثال- في صناعة الأبواب والمقاعد والدّعامات، وتتسم القطع المحسنّة المستخدمة في صناعة الأجزاء الدّاخليّة بأنّها تقلّل من استهلاك الوقود، وذلك باستخدام نوعٍ معينٍ من جسيمات (النّانو) يعرف (بالزّجاج النّشط)، إذ إنّ هذه الجسيمات تتفاعل مع الأشعّة فوق البنفسجيّة فتهتزّ؛ ممّا يزيل الرّواسب والأوساخ والغبار الملتصق بالسّيارات؛ صناعة المنتجات الرّياضيّة: تستخدم تقنية (النّانو) في هذا المجال بشكل عام لهدفين: أوّلهما: تقوية الأدوات الرّياضيّة، وثانيهما: إكسابها المرونة والخفّة، صناعة الدّهانات والأصباغ: إذ تتميّز هذه الدّهانات بأنّ لها القدرة على مقاومة الخدش والتّآكل والتّفتّت؛ صناعة الشّاشات: تتميّز هذه الشّاشّات المحسّنة بطريق تقنية (النّانو) بأنّها توفّر كثيرًا من الطّاقة الّتي تستهلك في تشغيلها، وبالنّسبة لحجمها، مما يجعل هذه الثّلّاجات تحافظ على جودة الطّعام لفترة أطول. تطبيقات (النّانو تكنولوجيّ) في مجال الإلكترونيّات: وسرعته في إجراء العمليّات الحسابيّة المعقّدة. لدى الحسّاسات العاديّة -في مجال الكشف عن المتفجّرات-العديد من العيوب؛ إضافة إلى انخفاض تكلفة إنتاجها. تطبيقات (النّانو تكنولوجيّ) في المستقبل: إذ يمكننا الوصول إلى تطبيقات أكثر سرعة وتعمل على زيادة سهولة حياتنا اليوميّة. يتمّ التّفكير -حاليًّا- في تصنيع أجهزة (نانويّة) ذات خصائص (ميكانيكيّة) وكهربائيّة تحلّ بديلًا لخلايا الدّم الأصليّة، وتقوم بجميع وظائفها، الأخطار المحتملة في التّعامل مع تقنية (النّانو): على الرّغم من التّطبيقات الواسعة لتقنية (النّانو) في الوقت الحاضر، إلّا أنّ هناك اهتمامًا كبيرًا في البحث عن إمكانيّة حدوث آثار جانبيّة لاستخدام هذه التّقنية على حياة الإنسان. يمكن الاعتقاد أنّ استنشاق الموادّ (النّانوية) سيؤدّي إلى سريان هذه الموادّ داخل الجسم، ولقد أشارت بعض الدّراسات إلى أنّ الجسيمات (النّانويّة) عند استنشاقها يمكن أن تُحدِث التهابًا في الرّئتين أكثر ممّا تُحدِثه الجسيمات ذات الحجم الكبير من النّوع نفسه، وأنّ الجسيمات (النّانوية) قد تسببّت في موت بعض القوارض، وحدوث تلف للمخّ في الأسماك، وعلى العموم فلا بدّ للعاملين في تقنية (النّانو) من أن يحتاطوا ؛ لتفادي استنشاق المواد (النّانويّة) على أنواعها جميعها، على أنّ تقنية (النّانو) تبقى واحدة من أهمّ التّقنيات في الحاضر ومستقبلًا، إضافة إلى أنّها تعطي أملًا كبيرًا للثّورات العلميّة المستقبلية في الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء والهندسة وغيرها.