قال لي والدي : لماذا يا ياسِرُ ، لا تَأْخُذُ عُلْبَةَ الْأَلْوانِ وَدَفْتَرَ الرَّسْمِ، وَتَذْهَبُ إِلى مَزرعة جدك ؛ وتَحْتاجُ لِكَيْ تُبْدِعَ فِي الرَّسْمِ إِلى رُؤْيَةِ الطَّبِيعَةِ عَنْ قُرْبٍ ؟ بَابِ الْمَزْرَعَةِ يُرَجِّبُ بِي. وَضَعْتُ دَفَتَرَ الرَّسْمِ وَعُلُبَة الْأَلْوانِ فِي الْحَقِييَةِ، وَاسْتَأْذَنْتُ أُمّي وَأَبِي فِي الذَّهَابِ إِلى مَزْرَعَةِ جَدّي . وافَقَ وَالِدَايَ عَلَى ذَهَابِي شَرْطَ أَنْ أَعُودَ في وَقتِ مُبْكْرٍ. دَخَلْتُ وَجَلَسْتُ في رُكْنِ أَسْتَطِيعُ مِنْ خِلالِهِ أَنْ أَسْتَمْتِعَ بِرُؤْيَةِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يَمْلِكُها جَدّي ، أَخْرَجْتُ دَفْتَرَ الرَّسْمِ وَعُلْبَةَ الْأَلْوانِ مِنَ الْحَقِيبَةِ، أَذْكُرُ أَنَّني رَسَمْتُ حصاناً جامعاً يَجوبُ الْفَضاءَ بِخِفَّةٍ وَرَشَاقَة، وَدونَهُ أَرْنَبٌ أَبْيَضُ يَعْدُو تَحْتَ قِطَعِ الْغُيومِ الْمُتَنائِرَةِ هُنا وَهُناكَ ، وَشَمْساً مُشْرِقَةً تُنيرُ الْكَوْنَ بأَشِعْتِهَا الذَّهَبِيَّةِ ، وَأَزْهاراً جَميلَةً . زَرْكَشْتُ بِها اللَّوْحَةَ حَتَّى غَدَتْ رَائِعَةً، فَغَفَوْتُ قَلِيلاً . وَلَمْ أَصْحُ إِلَّا عَلَى صَوْتِ جَدّي وَهُوَ يُوقِظُني وَيَقُولُ : لَقَدْ تَأَخَّرْتَ يا يَاسِرُ ، حَمَلْتُ حَقِيبَتِي وَذَهَبْتُ ، وَحِينَ وَصَلْتُ إِلَى الْبَيْتِ بَحَثْتُ عَنِ اللُّوْحَةٍ فَلَمْ أَجِدْهَا فِي دَفْتَرِ الرَّسْمِ ، في نَفْسِي: رُبَّما هَرَبَتِ الْحَيَوَانَاتُ الَّتِي رَسَمْتُها مِنَ الدَّفْتَر !وَحَدَثَ ، بَعْدَ عِدَّةَ أَيَّامٍ ، أَنْ قُمْتُ بِزِيارَةِ جَدّي رُفْقَةً أُمّي وَأَبِي ، فَوَجَدْتُ اللَّوْحَةَ مُعَلَّقَةً عَلَى الْحَائِطِ في وَسَطِ الْغُرْفَةِ، وَقَدْ وَضَعَها جَدّي ضِمْنَ إطارٍ أَنيقِ.