يقول البعض إن اللغة العربية هي أقرب اللغات السامية إلى «اللغة السامية الأم»، وذلك لأنها احتفظت بعناصر قديمة تعود إلى اللغة السامية الأم أكثر من أي لغة سامية أخرى. ففيها أصوات ليست موجودة في أيّ من اللغات السامية الأخرى، بالإضافة إلى وجود نظام الإعراب والعديد من الصيغ لجموع التكسير والعديد من الظواهر اللغوية الأخرى التي كانت موجودة في اللغة السامية الأم. وتُعد اللغة العربية «الشمالية»، أقرب اللغات إلى الأصل الذي تفرّعت منه اللغات الساميّة، لأن عرب الشمال لم يمتزجوا كثيرًا بغيرهم من الأمم، ولم تخضعهم أمم أخرى لحكمهم كما كان الشأن في كثير من الأمم السابقة الأخرى كالعبرانيين والبابليين والآشوريين، فحفظتهم الصحراء من غزو الأعداء وحكم الأمم الأجنبية، كما حفظت لغتهم من أن تتأثر تأثرًا كبيرًا بغيرهم. كذلك فإن العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظًا بسمات السامية الأولى فقد احتفظت بمعظم أصوات اللغة السامية وخصائصها النحوية والصرفية، فقد احتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: غ، ولا ينافسها في هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية، واحتفظت أيضًا بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى، وبمعظم الصيغ الاشتقاقية للسامية الأم: اسم الفاعل، وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، واحتفظت العربية بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة. وبما أن معجم العربية الفصحى يُعتبر ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أي معجم سامي آخر، فإنها أصبحت عونًا لعلماء الساميات في إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة كنصوص الآثار الأكادية والفينيقية والأوغاريتية وحتى نصوص التوراة العبرية.ينقض هذا الرأي فرضية أن هذه العربية هي العربية الصحيحة والسليمة وماسواها فاسد وردئ، فاللحيانيون والأنباط والسبئيين كانوا يكتبون ويدونون بعربية مختلفة وهي «فصحى» بالنسبة لهم فإن عرفوا هذه العربية أو اعتقدوا أنها أفصح وأفضل من لغاتهم لدونوا بها كما أن لغات الأنباط والسبئيين موجودة قبل أن يوجد أي تدخل أجنبي في بلدانهم وإن كانت التجارة «تفسد» اللغة وفق منطق لغويي العصور الوسطى، لأنطبق منطقهم على قريش كونهم تجار وأهل حاضرة ولم يكونوا أعراباًكما أن تسمية لغة المناذرة وكندة (الذين تركوا أقرب النصوص لهذه العربية) بالـ«عدنانية» خاطئ فهم لم يعرفوا التسمية قبل الإسلام ولم يدعوا النسبة بعده فكل هذه النظريات أنتجتها العصبيات التي ظهرت في عصر الخلافة العباسية ويناقض أهل الأخبار أنفسهم لأنهم يلجؤون للرواية الشفهية لا النقل عن مصدر وسند مكتوب إذ يناقض رواية عدم احتكاك «عرب الشمال» بأحد روايات الإخباريين عن استعانة قصي بن كلاب بالروم لطرد الأزد من مكة وإن شكك أحد في هذه الرواية فإن كتابات اليونانيين فصلت في أحوال شبه الجزيرة العربية منها سيطرة الإمبراطورية الرومانية وإخضاعها لشمال الجزيرة العربية مراراً وذكر اليونان أن ساحل كنانة (القبيلة التي تتفرع منها قريش حسب النسابة) كان خاضعا للأحباش في القرن الأول قبل الميلاد فهذه كتابات كلاسيكية واكتشافات أثرية تضعف الروايات التي ظهرت نتيجة العصبيات بين يثرب ومكة فحرصت قبيلة قريش أن تجعل من نفسها تاجرة جزيرة العرب،