نشأت الفتوة عند العرب نشأة طبيعية في الصحراء الشاسعة، كما تنبت الأزهار البرية العبقة الشذا في مجرى السيل على سفح الجبل، فالصحراء قد فرضت على العرب أخلاقا وألزمتهم بتقاليد لا يستطيعون عنها حولا ، وطبيعة وفطرة، وصارت عنوانا لهم بين العالمين. ولا عجب فالصحراء فضاء متسع رحيب، يملأ جوانب النفس خشية ورهبة، وبحر من الرمال المختلفة الألوان لا ساحل له ، وسيول متدفقة، فهذه الطبيعة الخشنة قد انعكست على نفس العربي قوة وصرامة وجلدا، لا يرهبها، ولا تتضعضع نفسه أمام جبروتها، وماهو إلا أن يعزم على أمر فلا يرده عن عزيمته شيء مهما عظم . ولقد علمته هذه الطبيعة الصبر والجلد والكفاح المر. لقد أكسبته الصحراء أخلاقا فطرية عالية، والفطرة في الإنسان هي الخير . والفتوة مجموعة من الفضائل النفسية صهرت في بوتقة الصحراء، حتى صارت حلية نادرة الحبات، فامتزج بهذه الطبيعة والصحراء امتزاجا تاما، وصار قلبه جلدا لا يرهب ، لذلك عظمت قوى الكفاح في العربي، فصار من أصح أهل الأرض بنية، وأوفرهم قوة، وقد جعله هذا الصبر الذي فرضته عليه الصحراء عدلا المئات من هؤلاء الذين يقتلهم ظما ساعة، وتقضي عليهم . شديد الجلد، حتى لقد سئل أحد الأعراب : ( كيف البدو فيكم ؟ فقال : « نأكل الشمس ولم تتعرض لما يفسد فطرتها كانت نفسا خيرة، والخير يأبى إلا الظهور والوضوح ولذلك نرى الفتى العربي ينفر من الضغط على نفسه، لأن الخير الذي فيه لا يقبله، لأن الضيم في أية صورة من صوره نوع من الضغط، وإباؤه الضيم ونفوره من الذل جعله محبا للموت فخير له أن يموت شجاعا من أن يعيش ذليلا جبانا ، بلا إرادة، وعندما يأتي الموت لا يحد الدنيا، ولا يحرص على البقاء، وبهد صار قويا عزيزا . و لذلك كثرت حروبهم وتعددت أيامهم، وفي الحروب مران على أعمال الفتوة، وبلاء المقدرتهم على مقارعة الحوادث، وصلاحهم للبقاء والسيادة،