ثالثا المماثلة والمخالفة والتداخل اللهجى وأثرها في نشأة المثلث اللغوي المتحد المعنى مر بنا كيف فسر انكماش الصوت المركب جزاء من أمثلة الظاهرة هذه ، وكيف فسر الاختلاف في تعريب الحركات الأعجمية في الألفاظ المعربة التي عربتها العرب. وهنا نرى أن هذه القوانين الثلاثة المتمثلة في المماثلة الصوتية والمخالفة الصوتية والتداخل اللهجى ، أو اقتراض لهجة من لهجة أخرى ستقوم بعبء وتفسير بقية أمثلة الظاهرة. ونحن هنا أمام مجموعة من الافتراضات هي كما يلي: أولا - أن نفترض أن الفتحة هى الأصل في عدد من الألفاظ المثلثة المتحدة المعنى ، فينشأ اللفظ و به عدد من الفتحات المتوالية ، ثم مالت السنة المتحدثين في مراحل تاريخية ممتدة إلى المخالفة بين هذه الحركات المتماثلة المتوالية ، بقلب أحد هذه الفتحات إلى حركة مغايرة (2) الضمة أو الكسرة ، وتم اعتماد هذه الصور الثلاثة جميعا في اللغة المشتركة الفصحى ، هذه الكلمات سواء كانت أسماء أو أفعالا ( بها أكثر من فتحة ، فتوالت الفتحات ، لأنهما من جنس واحد ، يسمى الحركات الضيقة، فنشأ من ذلك المثلث اللغوي في هذا النوع الذي تمثله هذه الأمثلة من الأسماء والأفعال. وهذا الذى ندعيه ليس بدعا من القول ، و إنما هو استثمار لما هو معروف في علم الصرف العربي في باب إسناد الأفعال إلى الضمائر حيث يرى علماء العربية أن سر بناء الفعل الماضي على سكون عند إسناده إلى ضمائر الرفع المتصلة إنما هو كراهة توالى أربعة متماثلات فيما هو كالكلمة الواحدة . (1) وقد وجد هذا القول للحركات في أبنية الأفعال التي مثلت بها ، فتم تغيير إحدى هذه الحركات المتماثلة مثلما حذفت عند الإسناد. وهذان طريقان معلومان للتخلص من توالى الأمثال في العربية . (2) وخاف ، مثل : دعا وقضى، أو من نوع ( اللفيف المقرون ؛ مثل: روى ، وهوى ، أ - مرحلة نمط الصحيح تماما؛ بمعنى أن قول وبيع ، ودعو ، وقضى وروى ، وهوى، فأصبح ينطق كل فعل منها بالحركات الثلاث الطويلة، بمعنى أن المتحدث بالعربية المشتركة أو الفصحى له حرية نطق أي فعل من هذه الأفعال بواو مد، أو ألف مد حسب عاداته الكلامية، أو النطقية ؛ لأنها صحيحة جميعا. والبحث يفترض أنها جميعا كانت صحيحة واوية أوبانية على التبادل الشهير بين الواو أو الياء ثم تحولت إلى صوت لين ممدود ممال؛ ليكون (أو) - (00) ، ثم في مرحلة أخيرة تطور اللين الممدود إلى فتحة طويلة خالصة. و يبدو أن هذه الأفعال المعتلة المثلثة المتحدة المعنى جمعت من لهجات مختلفة ، توقفت بعضها عند مرحلة واحدة من هذه المراحل المختلفة، فجمعت بعد تكوين اللغة المشتركة الفصحى، فنشأ المثلث فيها. وثانية اكتفت بمرحلة الإمالة بالضم وثالثة واصلت التطور بأصوات العلة حتى وصلت إلى مرحلة الفتح ، فلما جمعت اللغة بعد نزول الوحى الكريم واستقراره ، جمعت هذه الصور جميعا التشكل جزاء من المثلث اللغوى في قسم الأفعال. وهذا الذي نفترضه هو ما يسميه ابن جني بتركب اللغات، أو بتداخل اللغات، ومقصوده من مصطلح اللغات هو اللهجات ، وكان قد عقد له بابا خاصا في كتابه الخصائص ، ويقول وما اجتمعت فيه لغتان ) أي لهجتان أو ثلاث أكثر من أن يحاط به ، فإذا ورد شئ من ذلك كان يجتمع في لغة ( لهجة رجل واحد لغتان فصيحتان ، فينبغي أن يتأمل حال كلامه فإن كانت اللفظتان متساويتين في الاستعمال . فإن اخلق الأمر به أن . يجوز أن تكون لغته في الأصل إحداهما ، ثم أنه استفاد الأخرى من قبيلة أخرى ، وطال بها عهده وكثر استعماله لها فلحقت لطول المدة، واتصال استعماله - بلغته ) أي لهجته الأولى " (1) ثم قال : " وهكذا تتداخل اللغات " . (2) وهذا التداخل اللهجى هو ما كان يسميه أستاذى الدكتور رمضان عبد التواب - رحمه الله الاستعارة من نظام لغوى مجاور . وامتدادا لافتراض أن أصل الصوت الصامت الذي آل في النطق به بعد تطور، إلى التثليث - كان مفتوحا وبمجاورته صوت علة أو حركة أو شبيه بها - فنح نرى أن هذا النوع من الألفاظ عمل فيه قانون المماثلة ، أو تأثير صوت على آخر ، فتطورت أو تغيرت إلى صوت علة مماثل للمؤثر ، كان الأصل من وجهة نظرنا نطق تائها مفتوحة، أو الكسرة الطويلة ، فقلبتها حركة من جنسها ؛ أي كسرة قصيرة مماثلة لها ، فصارت تحيط - (tihet) وهى هنا مماثلة جزئية منفصلة مدبرة، ثم تبادلت مع الضمة ، وفق القانون المستقر القاضي بسهولة التبادل بين الضمة والكسرة ، فنشأ التثليث فيها. نستطيع أن نفسر أمثلة المثلث اللغوي المتحد المعنى التالية: بمعنى الحجارة المجموعة (1) ، ثم بودل بينها وبين الكسرة ومثلها: 2- الدعوة والدعوة والدعوة، بمعنى الطعام المدعو إليه . (3) 4- الرغوة الرغوة / الرغوة (4) ؛ زبد اللبن والسائل -5- الرشوة الرشوة // الرشوة (5) ؛ الجعل البراطيل. 6- الربوة الربوة // الربوة (6) ؛ الأرض المرتفعة. 7 - الركوة الركوة / الركوة (7) ؛ الزورق الصغير. 8 - السروة السروة / السروة (8) السهم الصغير. و الصفوة الصفوة الصفوة (9) النقاوة. 11 - العفو العفو // العفو ؛ الجحش. (11) ثم تبودلت الكسرة مع الضمة فنشأ التثليث فيها ومن أمثلة ذلك: 1 - الدرى الدرى// الدرى. 2 - الطيخة الطيخة الطيخة (3)؛ بمعنى الظلمة بمعنى استخراج ما في الضرع من لبن (4) 4 - المدية - المدية / المدية ؛ بمعنى السكين. (5) 5 - المنية المنية المنية ؛ بمعنى مدة استبراء رحم الناقة (6) 6 - يدى يدى // يدى ؛ بمعنى النعم (7) 7 - الوقاية الوقاية الوقاية (8) ؛ الصيانة والحماية. 8 - الطيلسان الطيلسان الطيلسان (9) (مثلثة اللام ) 9- قينقاع قينقاع // قينقاع (10) (مثلثة النون) 10 - يحصبيحصب // يحصب (1) ( مثلثة الصاد) شبه علة ، أو واو مد في القسم الأول ، وياء صامتة شبه علة أو ياء مد ، ثم بودل بين الضمة والكسرة ، فنشأ بذلك التثليث.