التصوف في حقيقة مجاهدة النفس وكبح جماحها والابتعاد عن الشهوة ودفع اغراءاتها. ثم تنقية القلب وتصفية الحس مما يرين من أدران الهوى التي تبعد المرء من ربه وتسلك به طرقا ملتوية كلها شرور وآثام. نشأ منى حياة التقشف والزهد والتقوى التي كان يحياها المسلمون في حياتهم الاولى والتي كانوا يتخذون فيها النبي صلى الله عليه وسلم مثلهم الاعلى الذين يحتذرون به ويسيرون على هداه. وكان لها أثر ظاهر في الصبغة الجديدة التي اصطبغ بها التصوف والتي جعلت منه فلسفة دينية بعد أن كان مجرد مجاهدة للنفس وزهد في متاع الدنيا وابتغاء رضوان الله. إذ بذلك يصبح وسيلة لاغاية يستعان بها على الوصول إلى غاية منيعة لا تدرك إلا بعد الجهاد العنيف بين المرء ونفسه. وهذه الغاية هي الوصول إلى مشاهدة الجمال الازلي ومطالعة وجه الله. ثم وجدت غاية أخرى غير مجاهدة النفس ومطالعة وجه الله هي الوصول إلى درجة من السمو والعلو إذا وصلها فقد فنى عن نفسه واتخذ بربه. وهذا هو المذهب الرئيسي في التصوف الاسلامي في أـرقى ادواره.