شعر المرأة الأندلسية وكان لها دور بارز في تلك النشاطات وأثر ملموس في الحياة العامة، أما في مجال الأدب فقد شاركت المرأة في ضروب النشاط الأدبي من الشعر والنثر والموشحات وحضور المجالس الأدبية والمشاركة في المعارضات والمساجلات الشعرية. وكان الشاعرات الأندلس شهرة تفوق شهرة سواهن من النساء الأندلسيات. وقد أحصى محمد المنتصر الريسوني في كتابه الشعر النسوي في الأندلس (1) خمساً وعشرين شاعرة أندلسية موزعة على مختلف عصور الأدب الأندلسي، وأحصى سعد بوفلاقة في كتابه الشعر النسوي في الأندلس أغراضه وخصائصه الفنية (2) سبعاً وعشرين شاعرة. وفي كتابه نزهة الجلساء في أشعار النساء» ترجم جلال الدين السيوطي لخمس عشرة شاعرة أندلسية من مجموع تراجم الكتاب البالغة اربعين شاعرة. وكان من شاعرات الأندلس في عهد الإمارة الأموية (138-316 هـ ): الشاعرة حسانة التميمية ابنة الشاعر أبي المخشي (3) التي عاشت أيام الأمير الحكم بن هشام وابنه عبد الرحمن الأوسط، والشاعرة قمر البغدادية (4) التي كانت جارية إبراهيم بن حجاج اللخمي الذي استقل بإشبيلية في أيام الأمير عبد الله بن محمد . ومن شاعرات عصر الخلافة (316-422هـ ) عائشة بنت أحمد بن محمد بن قادم القرطبية (5) (ت 400 هـ) وكانت خطاطة تكتب المصاحف وتمدح الملوك والرؤساء، وكانت شاعرة ومغنية، والغسانية البجانية (8) ولها شعر تعارض به أحمد بن دراج القسطلي، ومن شاعرات الأندلس في عصر ملوك الطوائف (422) هـ - 484 هـ) والمرابطين (524-484) : ولادة بنت المستكفي (11) (ت 484 هـ)، ومهجة بنت التياني القرطبية (12) ونزهون بنت القلاعي الغرناطية (13) ، ولها أشعار في مهاجاة شعراء عصرها، وحمدة (حمدونة) بنت زياد المؤدب (14) وأختها زينب (15) ، وكانت حمدونة تعلم النساء ولها شعر في الغزل ووصف الطبيعة وعرفت بخنساء الأندلس، والعبادية جارية المعتضد بن عباد (17) ، واعتماد الرميكية جارية المعتمد بن عباد (18)، وبثينة بنت المعتمد بن عباد (19)، وزينب بنت فروة المرية (20)، وأم الكرام بنت المعتصم بن صمادح (21). وغاية المنى (22) جارية المعتصم بن صمادح. وكانت شاعرة ووشاحة، وأم السعد بنت عصام بن أحمد الحميري (24) من أهل قرطبة وتعرف بسعدونة ولها شعر في تمثال نعل النبي ()، وأسماء العامرية (27) كانت أيام يعقوب الموحدي، وأم الهناء بنت عبد الحق (28) ، وهند جارية عبد الله بن مسلم الشاطبي (29) . فرثاها بشعر كثير (30). ومنهن أيضاً : أم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطنجالي من أهل لوشة، اعتبرها ابن الخطيب ثالثة حمدة وولادة وأورد لها بعض أشعارها (الإحاطة (430/1-431)، ومنهن كذلك عائشة بنت عبد الواحد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمد اللخمي أم الفقيه الصوفي أبي عبد الله الشقوري، الإحاطة / نصوص جديدة، ومنهن أيضاً محبة بنت ابن عبد الرزاق، قال ابن الخطيب إنها كانت أديبة شاعرة من طبقة نزهون القليعية. (الإحاطة نصوص جديدة ص (41) (وورت عساك تنجو به من لجة التلف في الذيل والتكملة 492/8 مهجة. وغيرهما . وقد دفعت مشاركة المرأة في النشاطات الأدبية في الأندلس الأديبات الأندلسيات إلى مخالطة الرجال وحضور مجالسهم الأدبية والانخراط في المساجلات والمطارحات الشعرية، حتى إن حفصة بنت الحاج الركونية من شاعرات القرن السادس الهجري في غرناطة، وفي ذلك يقول ابن بسام الشنتريني صاحب كتاب الذخيرة (32) : وكان مجلسها بقرطبة منتدى الأحرار المصر وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها، ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها، إلى سهولة حجابها، تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم أنساب وطهارة أثواب على أنها سمح الله لها وتغمد زللها، اطرحت التحصيل وأوجدت إلى القول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاراتها بلذاتها . وتفوق البرعاء». لو كنت تبصر من تجالسه. فأجابت نزهون (34) : وبسبب رقة طبع هذه الشاعرة وخفة ظلها كلف الشعراء بمحادثتها ومراسلتها ومنهم أبو بكر بن سعيد وأبو بكر المخزومي وابن قزمان الشاعر وأبو بكر الكتندي. وكانت تجالسهم وتهاجيهم بسلاطة لسان. ومن نوادرها أن ابن قزمان الزجال جاء يوما ليناظرها، خلقت أعمى ولكن جازيت شعراً بشعر تهيم في كل أعور وكان كثير من هؤلاء الشاعرات يفدن على الأمراء والملوك ويمدحنهم ويتكسين بشعرهن مثل حسانة التميمية وعائشة القرطبية وحفصة بنت الحاج الركونية والشاعرة الشلبية. وقد نظمت المرأة الأندلسية الشعر في مختلف أغراضه كالمدح والتهنئة والحنين إلى الأوطان والحكمة والعتاب والفخر والزهد والرثاء والوصف، ولم تتحرج من الخوض في موضوعات كالغزل بالرجال والغزل الماجن والهجاء الفاحش. إن الذي يقرأ أشعار النساء الأندلسيات يجدها قصيرة النفس، وأكثرها مقطعات، أما الفرق بين شعر المرأة الأندلسية وشعر المرأة العربية في المشرق فيتمثل أولاً في قلة ما وصل الينا من أشعار المرأة الأندلسية بالقياس مع ما وصل من أشعار النساء المشرقيات كما أن شعر المرأة الأندلسية أكثر تعبيراً عن مشاعر المرأة وأكثر جرأة وتحرراً من شاعرات المشرق مثل علية بنت المهدي وليلى الأخيلية وثواب بنت عبد الله الحنظلية الهمذانية، إن شعر المرأة الأندلسية يكشف لنا عن جوانب من حياة المرأة في الأندلس وشخصيتها ولا سيما جرأتها وتحررها واعتدادها برأيها واستقلاليتها واختلاطها بالرجال في المجالس العامة ومجالس الأدب وبلاط الملوك والسلاطين وغير ذلك مما تشهد عليه الروايات التاريخية والأشعار الصادرة عن النساء. ولا شك أن ميل الأندلسيين إلى التحرر وانتهاز فرص العيش الرغد وحرصهم على تحقيق الانسجام مع ما وهبه الله للأندلس من غنى وتنوع وجمال في الطبيعة والمخلوقات كانت جميعها عوامل أدت إلى شيوع هذه الظواهر في شعر المرأة الأندلسية. وقد كانت هذه الظواهر أكثر بروزاً في شعر الطبقات الثرية والمترفة منها في شعر الطبقات الفقيرة. وقد كشفت لنا أشعار المرأة الأندلسية عن تمايز طبقي واضح في مجتمع المرأة الأندلسية، فبينما نجد بعض النساء يقصدن قصور الأمراء والسلاطين للتكسب بشعرهن بسبب الحاجة والفقر، نجد في الوقت نفسه بعض الشاعرات يعشن عيشة مترفة مثل ولادة بنت المستكفي وحفصة بنت حمدون الحجارية التي تقول متضجرة من عبيدها (65) . ونلاحظ كذلك مما وصلنا من أشعار النساء الأندلسيات، بفعل ما أصاب التراث الأندلسي من تدمير وضياع،