السبع، والسموات السبع. ما إن وطئت قدماي مدرج مطار إسلام آباد حتى انصرف تفكيري نحو أخي هزاع قبل سنّ وعشرين سنة أقلتنا سفينة إلى هذا البلد قبل أن نسافر جواً إلى نيودلهي. هذه المرة أقلتني طائرة بصفتي رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة. عجباً كيف أن بعض الأمكنة تكلمك وتبدو لك أليفة بعد أن كانت مجهولة بالأمس. هذا على أي حال ما أحسسته لدى اكتشافي باكستان. منذ ذلك الحين بقيت هذه البلاد عزيزة علي. هكذا بقيت باكستان عزيزة علي. لكن يجدر القول إن إسلام آباد مدينة محيرة حيث الشوارع والجادات تكاد تسحقها الحرارة وتجمع حروف الأبجدية بمعنى لا يعرفه أحد سواها. على الرغم من الطابع الاحتفالي لهذا العشاء كان ثمة تباين مع الجو المتكلف في ولائم قصر باكنغهام. حل لحم الغنم محل السلمون والبرياني محل التفاح البري، ومحل الملابس الإنجليزية الرسمية حل الشوريدار الأنيق كان بصدد تطبيق ما أسماه الاشتراكية الإسلامية» معتبراً أن تعاليم الإسلام متلائمة مع مبدأي المساواة وإعادة توزيع الثروات ولتحقيق هذا الهدف يعتزم القيام بسلسلة طويلة من التأميمات ابتداء بالبنوك والقطاع الصناعي. شخصياً كنت لا أشاطره وجهة النظر هذه فأنا بقدر ما أرى لا بل حيوي، أرفض مصادرة الملكية الخاصة، كان محقاً. لكن كيف ننسى أننا كنا في وادي السند ملتقى الحضارات العالمية منذ فجر التاريخ؟ لفتني فيه وجه فتي أسيل يخفي عمره الذي قدرته بحوالي أربعين عاماً. سموك، اسمح لي أن أقدم نفسي، أنا محسن شابير، أستاذ العلوم الطبيعية في جامعة القائد الأعظم. هناك أيضاً أروع الصقور. zeta - اسم ذلك المكان؟ التفت على الفور نحو مضيفي. هناك ؟ لكن يا صاحب السمو قال لي، ونحن الآن في يناير. الصقور. ساعة بالطائرة. لا يوجد مطار في رحيم يارخان ولا نعم، يا صاحب السمو. - أنت تكلم بدوياً، سيادة الرئيس، على ظهر الجمل تحت شمس حارقة ما قيمة بضع ساعات لبت بضع ثوان قبل أن يجيب: موافق. سوف نقدم لكم المؤن والماء وكل المعدات الضرورية. لكن لا بد من حراس يرافقونكم. وافقت. - هل تعرف المنطقة جيداً، دكتور شابير؟ ولدت فيها. إذن، لعلك تقبل أن تكون دليلنا. - هذا شرف لي، سموك. ألقيت نظرة خاطفة على نشيبي. بعد ثمان وأربعين ساعة مع خيوط الفجر الأولى، بدأنا المسير يرافقنا 5y عسكري اختيرت عناصره بدقة، ولا شك في أن من بينهم أفراداً من الحرس الشخصي للرئيس بوتو. كانت الرحلة رائعة. بين الفينة والفينة كان المشهد الطبيعي يتغير، بيداء، ومن حين إلى حين تظهر فجأة عند منعطف بيوت صغيرة مبنية بالآخر. أكواخ قافلة جمال تسير وسط زوابع رملية ملتفة. وكلما اقتربنا من غولستان أصبحت الأرض أكثر وعورة. لا أذكر متى رأينا بناء ضخماً وصلباً مؤلفاً من نحو أربعين موقعاً محصناً على ارتفاع حوالي ثلاثين متراً. هذه قلعة دروار، تحتوي على قبور أمراء مدينة باها ولبور، ولا يُعرف عمرها. يؤكد بعضهم أنها بنيت قبل أكثر من قرنين فرادة هذه القلعة أنها بنيت بآلاف مؤلفة من قطع القرميد الصغيرة التي تم نقلها بواسطة سلسلة بشرية انطلاقاً من مدينة أوش شريف على مسافة عشرات الكيلومترات. كان الرجال يمررون قطع القرميد باليد من أحدهم إلى الآخر على مدى أيام وأيام. تطوراً، وأن يُشيد مباني رائعة بأيد عارية». والشاحنات المزينة بكثافة حتى لكأنها لوحات فنية على أربع عجلات بدت لي المدينة فقيرة جداً ومن دون بنية تحتية أساسية. أو تطريز بياضات منزلية. مدمرة كنت أقرب إلى الحقيقة مما تصورت. وأصبحت المدينة أكثر فقراً وحرماناً من أي وقت مضى. إن نهر السند قلب لا تؤمن مفاجآته. أنتم بحاجة إلى مطار قبل كل شيء. بالتأكيد. هل عندكم مستشفيات؟ مستشفى وحيد، لكنه قديم ويفتقر إلى التجهيزات. والعديد من المنازل لا تصلها مياه الشرب. بدت كثبان غولستان قريبة جداً. لكن حال نشيبي لم تكن كذلك فهو لم يعتد النوم في سرير مخيم على الأرض. بسكينة. وعندما اقتربنا منها ذهلت : قلما رأيت صقوراً بمثل هذا الجمال. وأول ما تبادر إلى ذهني هو أن أمتلك بعضها لأخذه إلى بلادي. لكن ذلك مستحيل، لأنها لن تتحمل الرحلة، فضلاً عن أن فصلها عن مروضيها لا معنى له. - كما قلت لكم، قال الدكتور شابير، ستجدون صعوبة 5 ^ - نجتاز حدود غولستان برفقة اثنين منمروضي الصقور. للأسف، عدنا بخفي حنين. احرصوا على حفظ الحبارى الطبيعة هشة. تأملت في الأمر طويلاً وأدركت أن صيد الظباء بالبندقية هو أسرع وسيلة للتسبب بانقراضها. في البداية عرضت على الرئيس بوتو إنشاء مطار في رحيم يارخان ومستشفى حديثا، وتعهدت بإعادة توطين ظباء الشينكارا في غولستان. ومنذ ذلك الحين أصبحت باكستان بمنزلة وطني الثاني، أو لم أعلن ذات يوم لتيسيغر: «إذا ما توليت الحكم يوماً ما فسوف أكرس كل جهدي وما أنعم علي الله به من قدرة لكي أسمع العالم كله صوت الشعوب المتطلعة إلى الحرية وأساعدها على العيش بأمان وسكينة. حان الوقت لأقرن حاكم الشارقة الشيخ خالد كان علينا أن نتصرف بسرعة. فور علمنا بالنباً قررنا التدخل عسكرياً. وفي بضع ساعات استتب الأمن مجدداً واعتقل المسؤول عن التمرد. غير أن ما يدعو إلى الأسف هو مقتل الشيخ خالد أثناء الاشتباكات من دون معرفة ظروف الحادث. والله الحمد، فورث منصبه، وهو جدير بذلك. كنت أعرف الرجل. كان ذكياً المعياً ومهندساً زراعياً تخرج حديثاً من جامعة القاهرة، ومثقفاً رفيع المستوى، ولا شك في أن توليه الحكم في الشارقة سيكون مدعاة للطمأنينة. عدنا سبعة مجدداً. السبعة رقم له أسراره. تماماً كعجائب الدنيا السبع، والقارات السبع، والسموات من باب المصادفة أيضاً أن يكون عدد الأودية التي يذكرها الشاعر الكبير فريد الدين العطار في «منطق الطير» سبعة: الثاني وادي العشق. الثالث وادي العرفان. الرابع وادي الاستغناء. السابع وادي الفقر والفناء. لكن هل ثمة مصادفة؟ على أي حال كنت أرى أن هذا أكتوبر 1973. في السادس من أكتوبر الساعة 14، بدأ الجيشان المصري والسوري الهجوم. لم يكن التوقيت اعتباطياً. كان هذا اليوم العاشر من شهر تشري في التقويم العبري، تلك هي اللحظة المثالية التي اختارها الرئيس أنور السادات لإطلاق عملية بدر. طوال الأسبوع السابق تكثفت التدريبات العسكرية المصرية على الضفة الغربية لقناة السويس. ولوحظ تحرك قوات سورية على جبهة الجولان وعلى الرغم من هذه المؤشرات المنذرة استبعدت حكومة غولدا مائير إمكانية الهجوم. كانت مخطئة. في أقل من نصف ساعة انصب سيل هائل من القذائفعلى خط الدفاع الإسرائيلي المعروف بخط بارليف. في الوقت نفسه اجتازت أول فرقة مدرعات مصرية القناة. بعد هذا الدعم الأمريكي كان حاسماً. في الحادي عشر من أكتوبر انقلبت المعركة لمصلحة إسرائيل. نجح الجيش الإسرائيلي بقيادة أربيل شارون - الذي قرر التحرك من تلقاء بعد ثمان وأربعين ساعة استعاد الجيش الإسرائيلي الجولان. مرة أخرى تهب ريح الحرب لمصلحة إسرائيل. منذ اليوم التالي لبدء الحرب بعثت برسالة دعم وتضامن إلى الرئيسين السادات والأسد. شجعني على ذلك الموقف الاستثنائي الذي كانت قد اتخذته قبل ثلاث سنوات، في 1970. المملكة المتحدة أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، وحليف الولايات المتحدة، ولها تأثير كبير في القضايا الدولية. لذلك كان يحدوني الأمل في إقناع رئيس الوزراء إدوارد هيث، بضرورة الدعم البريطاني لنا وحمل الولايات المتحدة على إعادة النظر في سياستها. طبعاً، ولا أجهل العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي تعدها واشنطن الولاية الأمريكية الحادية والخمسين. غير أنني أبدي حياله أسمى مشاعر التقدير. فيما كان العالم يعتقد أن فرنسا ماتت كان له من النباهة أن حمل جثمانها بين ذراعيه لإقناع العالم بأنها لا تزال حية. عندما سئل عن رأيه في الوضع آنذاك أدلى بتصريح ما زلت أذكر كل كلمة فيه. قال: «إني لأتساءل ما إذا كان اليهود الذين كانوا مشتتين والذين بقوا مثل ما كانوا في كل الأزمنة، شعباً نخبوياً، واثقاً من نفسه، ميالاً للسيطرة، سيحولون أمانيهم المؤثرة، التي ظلت تراودهم منذ تسعة عشر قرناً، في أن يلتقوا العام المقبل في إسرائيل، إلى طموح جامح ونزعة للغزو حالما يجتمعون في موقع مجدهم الغابر».