(1) كتب التاريخ المحلي الديني وهي الكتب التي اهتمت بتاريخ وخطط المدن الإسلامية المقدسة وأخبارها منذ نشأتها حتى العصر الذي عاش فيه المؤلف. وقد شمل التاريخ المحلي الديني مدن مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف. نشير هنا إلى كتاب الأزرقي ( ت ٢٤٤هـ) في أخبار مكة والفاسي (ت ٨٣٢هـ) وعنوانه شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام) ، والواسطي فضائل بيت المقدس والمقدسي وكتابه (فضائل بيت المقدس) ومجير الدين العلمي الحنبلي (ت (۹۲۸هـ) وكتابه الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل. وهناك نوع ثاني من كتب التاريخ المحلي تغلب عليه الصبغة الدينية أيضاً من خلال حصر اهتمام المؤلف بتراجم علماء الدين المتخصصين بالحديث والتفسير والفقه وغيرها من العلوم الدينية دون غيرهم من الرجال، وكتب أبو زكريا الأدزدي (ت ٣٣٤هـ) عن تاريخ الموصل وكتب أحمد بن محمد بن موسى الرازي (ت ٣٢٤هـ ) عن وصف قرطبة وخططها. أما القسم الثاني (التاريخ المحلي الدنيوي فالباحث يجد نفسه أمام خيارات كثيرة من كتب المدن والأقاليم، عبد الرحمن الدباغ وابن عيسى بن ناجي (ت ۸۳۹ هـ / ١٤٣٥م) وكتابهما معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان)، ومع ذلك تبقى المؤلفات في التاريخ المحلي كثيرة ومتنوعة مما حمل بعض الباحثين إلى تقسيمها إلى تواريخ محلية دينية وتواريخ محلية دنيوية كما سنتناول ذلك فيما بعد. بداية نشوء الكتابة التاريخية المحلية: اختلفت بدايات نشوء الرغبة لدى المؤرخين لكتابة تاريخ مدنهم أو أقاليمهم من منطقة إلى أخرى كما تنوعت أسبابها: وقد توافد الأخباريون والرواة والقصاص على دمشق باعتبارها عاصمة للدولة الإسلامية المركزية وشجعهم على ذلك رغبة الخلفاء الأمويين والأمراء في الاطلاع على الثقافة التاريخية بالإضافة إلى المفاخرات بين القبائل وإبراز مآثرها ودورها قبل الإسلام وبعده وخاصة في الفتوحات، وفي رواية تاريخية عن معاوية بن أبي سفيان: "أنه كان ينام ثلث الليل ثم يقوم فيقعد فيحضر دفاتر فيها سير الملوك وأخبارها والحروب والمكايد فيقرأ ذلك غلمان له مرتبون فتمر بسمعه كل ليلة جمل من الأخبار والسير والآثار وأنواع السياسات ". لقد شكل مجموعة من الأخباريين نواة النزعة الإقليمية للتدوين التاريخي في بلاد الشام لا يسعنا أن نذكرهم جميعاً بل نشير إلى عبيد بن شرية الجرهمي الأخباري المخضرم والذي يعد كتابه الموسوم (كتاب الملوك وأخبار الماضين (1)) أول تدوين تاريخي واضح في الإسلام وقد طبع سنة ١٣٥٧ هـ / ۱۹۳۸ م و له مؤلفات تاريخية أخرى منها كتاب أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها ) . بقد سقوط الأمويين ومجيء العباسيين اتجهت هذه النزعة إلى تدوين التاريخ الأموي ومناقب الأمويين فكتب خالد بن هشام الأموي كتابه ( أخبار الأمويين ومناقبهم) وكتب مؤلف مجهول ( البراهين في إمامة الأمويين ونشر ما طوى من فضائلهم) وكتب غيرهم عن سير معاوية ويزيد ابنه (٢). ونضيف إليهم وهب ابن منبه اليمني (ت ١١٤هـ) وكتابه ( التيجان المعرفة ملوك الزمان) وعبد الملك ابن هشام الحميري (ت ٢١٣هـ) وكتابه ( التيجان في ملوك حمير) (٢) . ومن رواد هذه الحركة عبد الله بن المقفع ( ت ١٤٢هـ ) الذي ترجم عدة كتب في هذا المجال مثل (خداي نامة) سير الملوك و آيين نامه) المراسم والتقاليد، وترجم أبان بن عبد الحميد اللاحقي (ت آخر القرن الثاني الهجري) سيرة أنو شروان وأردشير. وتناول الفرس المناقب والمثالب كذلك وبرز في هذا الباب علان الشعوبي وأبو عبيدة معمر بن المثنى. ومما تجدر الإشارة إليه أن بدايات النزعة الإقليمية الفارسية تحددت في ميدان الترجمة و النقل بالدرجة الأولى، أما في الجزيرة الفراتية فلعل من أبرز كتب التاريخ المحلية الأولى كتاب تاريخ الموصل لأبي زكريا الأزدي (ت) ٣٣٤هـ) وعز الدين ابن شداد (ت ٦٨٤هـ) في كتابه الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة). وأخيراً وليس آخراً فإن بدايات النزعة التاريخية المحلية لمدن العراق وإن غطت عليها المؤلفات التاريخية العالمية العامة التي ظهرت في العراق في القرن الرابع فإن هذه النزعة ظهرت مبكرة في كتابات عن تاريخ بغداد لابن أبي طاهر طيفور (ت) (۲۸۸ هـ ) وقبله عن خطط البصرة وقطائعها وسككها لعمر بن شبه (ت) (٢٦٣هـ) وعن واسط وخططها ورجالاتها لبخشل الواسطي ت ۲۸۸ هـ ) . وقد أشرنا سابقاً إلى ما قاله السلامي في كتابه أخبار ولاة (خراسان لتبرير هذا النمط في التدوين التاريخي عند المسلمين. ويرى المقريزي (۳) أن أهل كل قطر أعرف بأخباره ومؤرخو مصر أدرى بما جرياته. (طبقات الهمذانيين) "ينبغي لطالب الحديث ومن عني به أن يبدأ بكتب حديث بلده ومعرفة أهله. وقد لعب التنافس بين المدن والتفاخر بينها حول كثرة رواة الحديث ورجال العلم وكثرة الحفاظ أثره في ظهور مثل هذه المؤلفات وذلك من أجل إبراز دور مدنهم وعلمائها في التأليف وإثبات فضلهم في العلوم والدينية منها بصفة خاصة. فقد ظلت إلى حد ما منفتحة على الأحداث التي حولها في دار الإسلام ولذلك نجد في هذه التواريخ المحلية أخباراً عن أقطار أخرى وعلماء آخرين خارج حدود المدينة أو الإقليم الذي يتكلم عنه المؤلف.