إن إدارة الأرشيف في أي مرحلة من مراحل عمره لا يمكن أن تعتمد على منحى تجريبي وعملي دون الاستناد إلى نظرية ومفاهيم ورؤى . وربما يخال للبعض أن إدارة الوثائق هي مجرد أعمال بسيطة تتمثل في ترتيب الوثائق وحفظها ويمكن تكليف موظف بسيط بإجرائها، لذا يرتكز أي نظام لإدارة الأرشيف على نظرية ومبادئ معينة . ويمكن بصفة سريعة التمييز بين -مفهوم حديث ومدمج للأرشيف يرتكز على حلقة متصلة تخص الوثائق منذ نشأتها وعبر المسار الذي تمر به، فتتم إدارتها في مرحلة أولى لفائدة منشئيها لتلبية أغراض حسن تسيير شؤون الدولة والمجتمع، وقد تم اعتماده في تونس منذ صدور القانون المتعلق بالأرشيف سنة 1988 وهذا المفهوم بالذات هو الذي يناسب الدول النامية لأنه خلافا لذلك يصعب تحسيس المسؤولين فقط حول البعد التراثي للأرشيف دون أن يدركوا أهمية إدارة الوثائق لفائدة منشئيها . وأوضحت التجربة أنه كلما تم التأكيد على أهمية حسن إدارة الوثائق في عمرها الأول والثاني (الأرشيف الجاري والوسيط) إلا وتم التجاوب مع المسؤولين الذين يقدّرون انعكاس الفائدة على الأجهزة والهياكل التي يسيّرونها . إلا أن تجسيده أدى إلى ظهور عدة تجارب وأنماط مختلفة في بعض مظاهرها. فمن ذلك مثلا نجد في ألمانيا تجميع كل الوثائق والملفات الجارية الاستعمال في مكتب واحد بالنسبة إلى كل قسم في الوزارة ويتجه كل موظف إلى مكتب الأرشيف ليتسلم الملفات التي يحتاجها للقيام بالعمل المطالب به ثم يرجعها بعد ذلك . بينما يحصل في أغلب الحالات حفظ هذا النوع من الأرشيف في مكتب كل موظف معني بذلك . كما إن تنظيم الأرشيف الوسيط قد يكون عن طريق تجميعه في مركز واحد بالنسبة لعدة وزارات وإدارات عمومية مثلما هو الشأن بالنسبة إلى بعض المناطق بالولايات المتحدة الأمريكية أو بالإدارة المركزية بفرنسا، بينما يتم ذلك في مراكز خاصة بكل وزارة أو إدارة عمومية في البلدان الأخرى . ووصل الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الفصل بين إدارة الأرشيف الجاري والوسيط من ناحية وبين إدارة الأرشيف النهائي من ناحية أخرى، فيكوّن الأخصائيون في إدارة الأرشيف الجاري والوسيط سلكا منفصلا عن الأرشيفيين،