عكف الباحث العماني حبيب بن مرهون الهادي على دارسة التاريخ العماني، إلى عصور ما قبل الإسلام، في الأثناء نقل العمانيون ثقافة بلادهم وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم إلى تلك البلدان بطريقة غير مباشرة، وفي طريق العودة حملوا معهم من منتجات البلاد الآسيوية ليعودوا بالبضائع المتنوعة إلى أرض السلطنة، في مقابل جلب بعض الثقافات والعادات من تلك البلدان إلى أرض عمان الحبيبة، جمع الباحث حبيب بن مرهون الهادي دراسته بين دفتي كتاب حمل عنوان «التواصل الحضاري بين عُمان والسواحل الآسيوية»، واحتوى الكتاب على أربعة مباحث رئيسية، الأول بعنوان «مدخل للعلاقات التاريخية العمانية مع شعوب السواحل الآسيوية»، والثاني بعنوان «عوامل ازدهار العلاقات التجارية بين عُمان والسواحل الآسيوية»، والثالث بعنوان «العلاقات التجارية بين عمان والسواحل الآسيوية»، وأخيرا «التأثيرات الحضارية العمانية على السواحل الآسيوية»، مستندا إلى حوالي 115 مصدرا متنوعا بين كتب ومحاضرات ومؤتمرات دولية، واقتربت «عمان» من الباحث حبيب الهادي، فكان الحوار التالي: العلاقات العمانية الخارجية منذ القديم كانت نشطة ومزدهرة وعلى مختلف المجالات والأصعدة، ومن ضمن تلك العلاقات العلاقة مع الشرق الآسيوي والتي لم تنل نصيبًا كافيًا من البحث والتقصي، ومن هنا جاءت فكرة البحث في ما هو جديد ومفيد ولم يتطرق إليه من قبل فهي إلى المغامرة أقرب لندرة المصادر والمراجع والبعد الزماني والمكاني الشاسع. وبما أن العلاقات العمانية الحالية سعت إلى التواصل مع جميع شعوب الأرض بسياسة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ثم مواصلة جلالة السلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- تلك السياسة في التواصل والتفاعل مع دول العالم المختلفة مما شجعني على دراسة تلك العلاقات تدعيما للتواصل الحالي بالماضي وتذكيرا لشعوبها بالعلاقات الودية التي كانت بين عمان وشعوب السواحل الآسيوية، كما أن قلة طرق هذا الجانب المشرق من قبل الباحثين والدارسين شجعني على البحث فيه والتنقيب عن كنوز تلك العلاقات، ومما شجعني أيضا المؤتمر الذي أقيم في ماليزيا بعنوان «الدور العماني في وحدة الأمة» بتنظيم من مؤسسة ذاكرة عمان والجامعة العالمية الإسلامية بكوالالمبور، ما المقصود بالسواحل الآسيوية في بحثكم؟ التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية كما قال ابن خلدون في مقدمته، ففيه القصص والعبر والأخبار والأحداث والسير والدروس والتجارب والمواعظ، ولا بد للسياسي من دراسة التاريخ حتى يلم بتفاصيل إدارة بلاده والعلاقات والنظم وعلى مختلف الأصعدة، فمن ليس له تاريخ فلا حاضر ولا مستقبل له كما يقال، فالتاريخ رسوخ وعمق حضاري وأصل ثابت تنطلق منه الأجيال نحو أفق واسع ورحب من العطاء والإعمار من خلال بحثكم التاريخي، وماهو ذلك الأثر، أو الآثار المباشرة وغير المباشرة؟ حيث المساجد والمدارس والعادات والتقاليد الإسلامية انتقلت إلى تلك السواحل وأصبحت ذات طابع إسلامي. ولا سيما العادات الدخيلة السيئة، فهل اكتسب العمانيون «ثقافات» سيئة؟ العماني صاحب قيم حضارية منذ القديم وعندما دخل أهل عمان الإسلام هذبهم الإسلام وقومهم فكانوا رسل خير وصلاح وهداية للعالمين، فهم كما قال فيهم المصطفى عليه الصلاة والسلام، «لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك» فسعوا في الأرض عدلا وصلاحا والحمد لله، وهذا الذي وجدناه خلال تتبعنا لسيرة العمانيين في علاقاتهم مع الشرق وقد تكون هناك حالات شاذة فلكل قاعدة شواذ. من قبل الإسلام إلى ما بعده، هل نقل العمانيون الإسلام فعلا إلى تلك البلدان، جهود العمانيين في نشر الإسلام بالسواحل الآسيوية واضحة جدا حيث يشير المؤرخون والجغرافيون المسلمون كالمسعودي والمقدسي والأصطخري والحموي والحميري وابن بطوطة وابن حوقل وغيرهم إلى أن أغلب التجار مع الشرق هم من أهل عُمان، كما أن في ملقا بماليزيا حاليا يوجد إلى اليوم المسجد العماني الذي بناه الداعية العماني عبد العزيز، وفي ميناء كانتون بالصين يوجد مسجد أبي عبيدة وقد قامت حكومة السلطنة بترميمه. كيف تصف العمانيين في نقل رسالة الإسلام؟ أم هي رسالة أخلاقية قبل أن تكون رسالة إسلامية؟ العمانيون أهل قيم وأخلاق وأدب جم وذلك قد تجذر في أصلهم منذ القدم نتيجة عوامل جغرافية واجتماعية، فتواصلهم الحضاري مع شعوب مختلفة وحضارات متباينة ونجاحهم في هذا التفاعل مكنهم من اكتساب أسلوب راقٍ في حسن التعامل، وعندما ظهر الإسلام كانوا في انتظار هذا النور الرباني العظيم حيث دخلوا فيه أفواجا شعبا وحكاما طوعا عن قناعة ودراية، وبذلك الإسلام أضفى نوره على قلوب العمانيين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم. من خلال بحثكم، هل وجدتم العكس، بمعنى هل هناك نماذج عمانية اعتنقت ديانات السواحل الآسيوي؟ وهل ما زال هناك ممن هم من أصول عمانية يعيشون في الجانب الآخر؟ لم نعثر على ذلك التأثير العكسي، بل ما وجدناه يدل على حجم التأثير العماني الكبير على تلك الشعوب التي كان كثير منها يعيش حياة بسيطة في أدغال آسيا الموسمية والاستوائية، فكان الإسلام تجديدا لتلك الشعوب للحياة وبثا لروح العطاء والبقاء، والمغلوب مولع باتباع الغالب ولا غالب إلا الله، وما مدى عمق تلك العلاقة اليوم؟ كما أن التوابل والحرير ومنتجات الخزف الصيني تصل إلى موانئ عمان عبر طريق الحرير. كما أن أباطرة الصين كانوا قد احتكروا تجارة اللبان القادمة من شحر عمان (ظفار) لأهميتها الدينية والتجارية والطبية آنذاك، ويعد ميناء الدقم اليوم واجهة التجارة الخارجية العمانية، حيث تستثمر الصين في هذا الميناء بمليارات الريالات في خضم مشروع الصين لطريق الحرير. باختصار،