التطور التاريخي لعلم النفس : ان علم النفس من أحدث العلوم وأقدمها في آن واحد. فعلم النفس ذو التاريخ الطويل هو علم النفس الدارج الذائع بين الناس، والذي يحاول به الفرد أن يفهم غيره من الناس ممن يزاملهم ويعاملهم ويتصل بهم. وعلم النفس ذو التاريخ القصير هو علم النفس العلمي الذي لا يقنع بمجرد الفهم السطحي الساذج بل يتجاوزه الى التفسير الذي لا يقوم على الملاحظة العابرة أو الخبرات العملية العارضة، ومن ثم التنبؤ بالسلوك والتحكم فيه. أولاً : المرحلة البدائية الخرافية تتلخص حول مفهوم الإنسان للروح والحياة والجسد ، وتستطيع دراسة هذه المفاهيم عن السلوك والنفس بدراسة طقوس وأفكار وعادات الحضارات الأولى في وادي الرافدين (سومر، بابل، أكد). وفي أوراق البردي للفراعنة، وفي خرافات وأساطير اليونان القديمة، وفي اعتقادات الهنود والصينيين عن الروح. ثانياً : المرحلة الفلسفية - الطبيعية تتمثل هذه المرحلة في ربيع الفكر اليوناني وبداية الحضارة الرومانية ، وتتميز بالتفكير العميق والمدقق في أحوال النفس والروح والسلوك وعلاقتها بالجسم، والإقتراب من ربط ظواهر السلوك بأعضاء الجسم أبتداء من (فيتاغورس، القرن السادس (ق. م) حيث كان يقول بعدم فناء الأرواح و (ديموقريطس، القرن الخامس ق. م) الذي قال أن العقل والنفس شيء واحد وأنالسعادة تكون بضبط النفس. وأعتبر (سقراط، 470 - 399 ق. م) أن النفس البشرية موجودة قبل الجسم وأن الجسم قالبها. أما (افلاطون، 427 - 347 ق م) فكان يعتقد أن النفس (أزلية) قديمة نزلت لتحل في الجسم وتتعرض لجهاد ورياضة تهبط أولاً ثم ترتفع وتسموا بعد انفصالها فتصبح عندئد أبدية، وقسم العالم الى عالمين : روحي أزلي ومادي جسدي. الجسد تنشأ عنها وتتفرع ثلاثة أنواع من النفوس هي :- 1 - النفس العاملة ومركزها الرأس، وهي العقل. 2 - النفس العصبية ومكانه القلب. 3 - النفس الشهوانية وموضعها البطن. أما أرسطو 384 - 322 ق. م) فقد أعتبر النفس جوهر وأنها والجسد حقيقة واحدة، وقال بخلود النفس بعد الموت، وانها وجدت مع البدن وليس قبله ولكنها تبقى بعده. وكتب عن الذاكرة " أن الشيء يذكرنا بشيء أخر إما لشبه أو الفارق عنه أو لإتصاله وتماسه معه " ، وهذه الشروط دعاها فلاسفة المدرسة الانكليزية في القرنين (18) - 19 م) ب (قوانيين الترابط). وجاء (أبو الطب إيبوقراط ، 460 - 37 ق. م) فربط بين العقل والجسم، وربط بنية المخلوق بشخصيته، وتقدم بنظريته عن الأمزجة أي بدأ بعلم النفس الفوارق، بإعتبار أن الأفراد يختلفون في طباعهم حسب السوائل السائدة في أجسامهم، فإضطراب السلوك ترجع الى العقل. والأمزجة وقسم الناس إلى أربعة أصناف : 1 - الشخصية الدموية . 3 - الشخصية الصفراوية. 2 - الشخصية البلغمية 4 - الشخصية السوداوية. ثالثاً : المرحلة التطبيقية - العربية فعند الدين الإسلامي الحنيف وضحت الفوارق بين الروح والنفس. وربما هي أن الروح أصل النفس، أما النفس فمحدد بالعقل والذات والإرادة. وأوضح القرآن الكريم مسؤولية الأعمال والسلوك، حيث قال تعالى وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّنَهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَنَهَا الشمس : 7-8 ، معاذيرة القيامة : 14-15 أما الروح فهي من أمر الله، حيث قال تعالى وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) الإسراء : 85 ، 1 - المطمئنة : قال تعالى يأيتها النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ الفجر 27. 2 - اللوامة : قال تعالى وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللُّوْامَةِ القيامة 2. 3 - الأمارة بالسوء : قال تعالى ﴿وَمَا أُبَرِئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) يوسف 53. وعند المسلمون فلاسفة كثيرون بحثوا في موضوع النفس والسلوك الإنساني نذكر منهم : الرازي 864 - 932 م)، ابن سينا 980 - 1037 م) (ابن مسكويه ، يبين فيه أن النفس الإنسانية يمتلك أربعة قوى هي :- 1 - قوة عقلية : إدراك حقائق الأمور، التمييز بين الخير والشر، الأمر بالفعل الصحيح. 2 - قوة غضبية سبعية : يوجه النفس الى الظلم والإيذاء والعداوة والبغضاء. 3 - قوة شهوية بهيمية : يوجه الإنسان الى المنكر و الفواحش والحرص على الأكل 4 - قوة وهمية شيطانية : إستنباط وجوه المكر والحيل والتوصل الى الاغراض بالتلبيس والخداع وتهيج الغضب والشهوة . رابعاً : المرحلة الناهضة قبل العلمية: وفيها ظهرت محاولات واجتهادات فلسفية وعلمية كان لها دور في تطوير علم النفس الحديث أبرزها : الفيلسوف الفرنسي (ديكارت، 1596 - 1650) فقد اعتبر الجسم مادة منفصلة عن النفس، وأن النفس هي قوة التفكير والشعور وأعتبر الإنسان أشبه بالماكنة أو الآلة يستجيب بكل جزء فيها لحوافز خارجية أو داخلية كرد فعل إنعكاسي. فديكارت أول من أشار الى المنعكسات العصبية، وطبق المعلومات الفيزيائية على السلوك، وظهرت في إنكلترا في أواخر قرن 17 وحتى أواخر قرن 18 مدرسة فكرية دعيت الفلسفة الترابطية ومن روادها هوبز، لوك، هيوم، سبنسر، بيركلي) عالجت مسألة التفكير والتعلم على أساس الترابط والعلاقات بين الأشياء والأفكار أو التجارب فالترابط هو محور العمليات العقلية أو نشاط الدماغ. فالمعرفة تأتي من التجربة، والتجربة هي التي تخلق الرابطة أو تكشفها . والرابطة تجذب الأفكار الى بعضها ، ولكن الأفكار قد تتجاذب أو تتنافر أيضاً، أما أهم عنصر الترابط الأفكار والتجارب والذكريات والرموز فهي القرب والتماس والتشابه وفي عام (1743 - 1815م) قام الطبيب السويسري فردريك ميزمر بطرح نظريته التنويم المغناطيسي. ودعيت نظريته (بالمزمرية) والتي إستغلها الكثير من الدجالين. الإرادة ووصل حوالي الى (24) ملكة. خامساً : المرحلة العلمية فقد نشر العالم الألماني فيخنر (1887-1801 Fechner) كتابه عن (مبادئ علم النفس الفسلجي) إلا أن إهتماماته كانت ميتافيزيقية، وتبعه في ذلك العالم فيبر (1878-19795 , Weber) ثم ظهر العالم النفسي الألماني ولهلم فنت أو فندت أو فونت (1920-1832, W. Wundt) ليعلن في عام (1879) إستقلال علم النفس التجريبي عن الفلسفة، وأسس أول مختبر في جامعة (لا يبزج)، وتتلمذ على يديه كاتل. وفي روسيا ظهر ( بافلوف، وبيختريف) وإنصبت أبحاثهم في علم النفس الفسلجي. وفي فرنسا ظهر (جانيه، وشاركو).