الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْرِفَةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ بَدَلٌ مِنْهَا: وَاخْتَلَفُوا فِي الْكُبْرَى، فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِهَا بَدَلًا مِنَ الْكُبْرَى، وَكَانَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ يَرَوْنَ أَنَّ التَّيَمُّمَ يَكُونُ بَدَلًا مِنَ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ. وَأَنَّهُ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُمُ الْآثَارُ الْوَارِدَةُ بِالتَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ، وَمَنْ كَانَتِ الْمُلَامَسَةُ عِنْدَهُ هِيَ اللَّمْسَ بِالْيَدِ، أَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعُودُ الضَّمِيرُ عِنْدَهُ عَلَى الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ فَقَطْ، وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فَإِنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ مَجَازٌ، وَهُوَ أَنَّ حَمْلَهَا عَلَى تَرْتِيبِهَا يُوجِبُ أَنَّ الْمَرَضَ وَالسَّفَرَ حَدَثَانِ، وَهَذَا هُوَ أَحَدُ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَوْجَبَتِ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَقَالَ: لَا تُصَلِّ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ تَنْفُخَ فِيهِمَا، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ»، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهُ قَالَ لَهُ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ، فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا كَيْفَ يَصْنَعُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَبِي مُوسَى: لَا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَأَوْشَكَ إِذَا بَرُدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ، وَذَكَرَ لَهُ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟ خَرَّجَهُمَا الْبُخَارِيُّ، وَإِنَّ نِسْيَانَ عُمَرَ لَيْسَ مُؤَثِّرًا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ، وَالْحَائِضِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا». وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَهُوَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ: يَا فُلَانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» وَلِمَوْضِعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ اخْتَلَفُوا: هَلْ لِمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ أَنْ يَطَأَ أَهْلَهُ أَمْ لَا يَطَؤُهَا؟