هي تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد بن السلمية, لقبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبته. عرفت بحرية الرأي وقوة الشخصية ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عز وجاه مع والدها وأخويها معاوية وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم؛ لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها، فتزوجت من ابن عمها عبد الله بن رواحه بن عبد العزيز السلمي ، لأنه كان يقامر ولا يكترث بماله ثم تزوجت بعدها من ابن عمها مرداس بن أبي عامر السلمي وأنجبت منه أربعة أولاد ، وهم يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة . لأنها عاشت في عصرين : عصر الجاهلية وعصر الإسلام ، وبعد ظهور الإسلام أسلمت وحسن إسلامها . كانت الخنساء صغيره عندما دق الموت بابها اسمها تماضر وهي تشبه الضبي الصغير وسميت الخنساء بهذا الاسم نسبة لأحد أسمائه . لم يلتفت أحد إلى جمالها ، كانت قبيلتها ( سليم ) في ذيل القبائل حتى جاء أخواها . لقد أصبح من حق أبيها أن يسير إلى عكاظ ليفاخر بقية العرب لا بماله ولا بنسبه وإنما بولديه وحفظت الخنساء هذا التفاخر تمثله كحقيقة شخصيتها ، تعزو من حولها من القبائل وتفرض كلمتها، ماذا تفعل بنو مرة وأسد أو غطفان ، ومع الحرب والغارات تدفقت الأسلاب على القبيلة وامتلأ البيت حول الخنساء بالغنائم الملوثة بالدم وكانت رائحتها أطيب من أي عطر لدى الخنساء الشمس الساطعة التي تبهر عينيها ، غاية في السماحة و الجود والعطاء والقوة ، لم يدانيه في الفروسية إلا دريد بن الصمه فارس بني حتم لذا تصادقا و تحالفا. امرأة هي السبب مجرد امرأة تؤثر الأقوى والأقدر على دفع الثمن. إنها ( أسماء المرية ) بغى سوق عكاظ دعاها معاوية إلى نفسه فامتنعت وصمم معاوية على أن ينالها. واعتبر ( هاشم ) الذي فضلته على ( أسماء المرية ) أن ما فعله معاوية بمثابة الإهانة, وظل يترصد معاوية ويرقب تحركاته حتى تخلى معاوية ذات مرة عن حذره وسار وسط جمع قليل من رجاله وإذا بجيش ( بني مرة ) يحاصرهم. وحاول معاوية شق طريقا ولكن هاشما وأخاه تصديا له تظاهر أحدهما بالهزيمة وحين هم معاوية بالإجهاز عليه طعنه الأخر في ظهره. منذ تلك اللحظة خرج طائر الصدى يجوب الفضاء ويزعق من العطش ولبست الخنساء الحداد وبدأت أيام المراثي. قال صخر لأخته سوف نذهب لموسم الحج هذا العام لعلنا نرى من قتلوا أخانا فنهضت الخنساء لتمسح دموعها ، وتستعد للرحيل إلى البلد الحرام حيث يتجاور القتلة وطالبوا الثأر ، دون أن يجرؤ أحد على رفع سيفه. سافرا إلى مكة وطافا بالكعبة والأصنام وسوق عكاظ وفى كل مكان يسألان عن مكان بني مرة. كان صخر هادئا والخنساء تنتابها انفعالات شتى حتى رأت عباءة معاوية معلقة فوق الخيام ممزقة من أثر الطعن ملوثة بالدم وولدا (حرملة وأسماء) يشربان ويفاخران بما فعل أبواهما وصخر والخنساء لا يستطيعان شيئا إنهما في البلد الحرام . وعادا إلى ديار ( سليم ( وبدأ صخر يستعد للثأر بينما الخنساء تستعد للزواج زواج بلا حب أو رغبة ولكنها تؤدى ما تعرض عليها التقاليد القبلية وفى ليلة الزفاف لم تخلع ثوب الحداد وزفت وهي حليقة الرأس وظلت تنتظر عودة صخر من أول غزواته ونسيت الخنساء أنها وزوجها ( رواحه ) قد أصبحا في بيت واحد وعندما وضع يده عليها ارتعدت نظرت إليه في اندهاش وسمعت الخيل وهى عائدة فهرعت إليها فكان صخر فهتفت به !هل أدركت ثأرك ؟ فأجابها صخر قائلا لم أشف غليلي بعد !وفى ليلة جلست الخنساء أمام رواحه تجتر أحزان عمرها الذي لم يبدأ بعد واستيقظت في الصباح ولم تجده بجانبها. ولكن ها هو صخر قد عاد عاد سعيدا من الغزو لقد أباد بني مرة قتل ولدى حرملة ظفر بثأر وحشي وسوف تظل الجثث عارية تأكل منها الجوارح حتى التخمة ثم تذروها العواصف لعل معاوية يهدأ ولعل أشعار الخنساء تصفو اندفع إلى خيمتها يحمل البشرى فوجدها باكية ماذا أصابك يا أختاه ؟ انه رواحه لقد أخذ ما يمكن بيعه وذهب فاستل صخر سيفه وهو ما زال دافئا. ورغم أن رواحه هو ابن العم والزوج ولكن أشرق وجه الخنساء عندما انتبهت لعلامات القتال على ثياب صخر فهتفت بسؤالها التقليدي هل أدركت ثأرك ؟ فأجاب وأفنيت بني مرة عن بكرة أبيهم كان يحسب أنها سوف تهدأ . لكنها تساءلت في مرارة وحلفاء بني مرة . أسد وغطفان مازالا بخير ؟ أليس كذلك ؟ ووافقها صخر كأن الصحراء كانت مقبرة واسعة . وفى الصباح عثروا على جثة رواحه زوج الخنساء قالوا إنه تعثر في الصخور وسقط لكن آثار الطعان كانت واضحة في جسمه ، نقلوه إلى بيته ثم إلى قبره ولم تكن الخنساء قد خلعت ثوب الحداد بعد لكنها لم تنح عليه بكلمة . لم ترثه ببيت ولم تفكر لحظة في أن تزور قبره وظلت ترثى معاوية كأنه هو الذي مات بالأمس ولم يبقى إلا عبد الله ابن رواحه وتالف وفد منهم ظهرت عليهم إمارات الاقتناع المفاجئ بالدعوة الجديدة والخنساء بينهم، تسير بثوبها الغرابى وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ( في مسجده وأحست سليم أن الأمر مختلف عما تصورت ليس تحالف أو سعيا للحماية بل إنها رسالة وليست فرصة تنتهز انسابت كلمات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتشربتها نفوسهم كالأراضي العطشى . وابتسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في وجه الخنساء واستمع إلى أشعارها في حزنها وأخبرها أن في الإسلام العزاء لكل القلوب الحزينة . وتزوجت الخنساء للمرة الثانية من ( مراوس بن أبي عمر( شيخ كبير يلائم مزاجها النفسي فتفرغت لحياتها الزوجية ووالت إنجاب الأطفال تحاول تعويض أيام العقم والرثاء لكنها تجردت من كل عواطفها ماتت داخلها رغبة الاستمتاع بالنزوات وأصبحت أما صارمة عكرة المزاج ولكن لم يمنعها هذا من أن تنجب بنتا جميلة هي ( عمرة ) ظبية صغيرة تملك قلبا متوثبا ولم ترحم الأيام الخنساء فقد حولت كل ذكرياتها إلى قبور ولم ترحم هي نفسها وحين أقبلت الخنساء على المدينة ومعها أناس من قومها التقوا مع بن الخطاب وقالوا: هذه الخنساء نزلت المدينة بزى الجاهلية فلو وعظتها يا أمير المؤمنين فقد طال بكاؤها في الجاهلية والإسلام . وقام عمر بن الخطاب واتاها يا خنساء ما الذي قرح عينيك ؟ رفعت رأسها وقالت : البكاء على السادة من مضر . قال : أنهم هلكوا في الجاهلية هم وقود اللهب وحشو جهنم قالت : فذاك الذي زادني وجعا وعاشت الخنساء أيامها كلها في الشيخوخة رفعت بصرها قربانا لأيام البكاء الحارة وحين جاءتها الأخبار أن أولادها الأربعة قد استشهدوا في معركة القادسية كانت قد استنفدت كل الدموع وكل أبيات الشعر وزاد عدد القبور أربعة قبور وأدركت بشكل غامض أن كل ما يمت إليها بصلة مقضي عليه . ولم يبق إلا هي : وحيدة كئيبة تنتظر وقع دبيب الموت الذي تأخر عن موعده. أ َع ْيني ُجو َدا ولا تَ ْجمدا ألا تَبكيان ل َص ْخ ِر النَّدى ؟ ألا تبكيان الجر َي الجمي َل . ألا تَ ْبكيا ِن الفَتَى ال َّس ِيدا ؟ تعـد الخنساء من الشعراء المخضرمين ، تفجر شعرها بعد مقتل أخويها صخر ومعاوية ، وخصوصا أخوها صخر فقد كانت تحبه حبا لا يوصف ، ورثته رثاء حزينا وبالغت فيه حتى عدت أعظم شعراء الرثاء. ويغلب على شعر الخنساء البكاء والتفجع والمدح والتكرار؛ لأنها سارت على وتيرة واحدة ، ألا وهي وتيرة الحزن والأسى وذرف الدموع ، وعاطفتها صادقة نابعة من أحاسيسها الصادقة ونلاحظ ذلك من خلال أشعارها. من اقوالها في اخيها صخر: وإن صخراً لوالينا وسيدنا وإن صخراً إذا نشتو لنحار وإن صخراً لمقدام إذا ركبوا وإن صخراً إذا جاعوا لعقار حمال ألوية هباط أودية شهاد أندية للجيش جرار نحار راغية قتال طاغية فكاك عانية للعظم جبار لم ت َره جارة يمشي بساحتها لريبة حين يُخلي داره الجار وبعد انتهاء المعركة الفاصلة سألت الخنساء عن أبنائها الأربعة فأخبروها أنهم قد استشهدوا جميعاً ، فتلقت هذا الخبر بالصبر والرضا والجلد واحتسبتهم عند الله عز وجل ، فلم ترثهم كما كانت ترثي أخاها صخراً في الجاهلية . وبشر الصابرين الذين إذا أصباتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (3) أتدري ماذا قالت حين علمت باستشهاد أبنائها الأربعة ؟ قالت : " الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، هكذا استقبلت الخنساء : تماضر بنت عمرو الأسلمية نبأ استشهاد أبنائها الأربعة فما وهنت وما ضعفت وما استكانت وما تفوهت بما تتفوه به الثكلى عادة لعلمها بأنها ستلحق بهم وتحشر معهم إن شاء الله وتلقى جزاء الصابرين من جنات النعيم