بعد أن بلغ الأدب العربي شأواً لا بأس به إن لم يكن أفضل ما بلغ في العصر الجاهلي كان لابد من ظهور لازمه و هو النقد، ولأن الأدب بالضرورة سابق للنقد كان النقد أقل تطوراً مقارنة بالأدب، كان النقد الأدبي في الجاهلية بارزاً في بيئتين من بيئات الجاهلية: الأولى: بيئة الأسواق الأدبية كعكاظ. جانب يختص بالنقد الذاتي للأديب ؛ إذ لا يعرض الشاعر شعره في هذه الأسواق إلا بعد إرجاع النظر فيها و التدبر مخافة تلقي الرواة عنه عمله الأدبي بعيبه فيوسم به بعيوبه، ويصوره قول المتأخر: لا تعرضن على الرواة قصيدة ما لم تكن بالغت في تهذيبها وإذا عرَضت الشعرَ غيرَ مهذّب ظنوه منك وساوس تهذي بها وشاهده ما اشتهر عن أصحاب الحوليات كزهير بن أبي سلمى ومن قبله أوس بن حجرالتميمي، و كذلك أبيات لعدي بن الرقاع يقول فيها: وقصيدة قد بت أجمع بينها حتى اقوم ميلها و سنادها نظر المثقف في كعوب قناته حتى يقيم ثقافه منآدها وهذا ما اصطلح عليه بنقد التنقيح و التجويد. وأما البيئة الثانية فهي بيئة المجالس، فإنها تتأرجح بين الذاتية والموضوعية الجزئية التي لاتقوم على المراجعة والنظر العميق.