قرص الشمس في أقصى الافق لحظة الغروب، وقف البلبل الف على طرف غصن في أ شجرة من الأشجار الباسقة التي تملأُ الغابة. كانَ يقفُ صامتًا حزينًا يتأمل مشهدَ الضَّوء الخافتِ لحظة رحيله، فجأةً خرجَتْ من بين الأغصان المتشابكة دودةٌ صغيرةٌ، وهي نادرًا ما تخرج من بيتها في هذا الوقتِ خَوْفًا من البرد. قالتِ الدّودة للبلبل : ما بك؟ لماذا تظل صامتا لا تغنّي في مثل هذا الوقتِ من كلِّ يوم؟ إنَّني أنتظرُ غناءَكَ العذب الجميل ولكن دون جدوى، 77 نظر البلبل إليها نظرة دامعةً ثم تنهد تنهيدةً عميقةً، وواصل تأمله الأفق البعيد بصمتِ؛ حيثُ لا يرى إلا الظَّلامَ، اقتربَتْ مِنْهُ صديقته الدّودة وقالت: أنا أعلَمُ أَنَّكَ حزين لذهاب يومٍ من أيام عمرك القصير. فهو يعرفُ قيمة الحياة وقيمة الوقت، ويعرفُ أهميةً صوته وتغريده في الغابة، اقتربتِ الدّودة الحكيمة منه أكثر، وكانت كبيرة في السِّنَّ وقالت: عليك أن تحزن لعدم غنائِكَ وتغريدك الجميل كل مساء، وهو ما كان ينشر البهجة والسرور في أنحاء الغابة، وهنا اهتز الغصن ومال حتى كادَ البلبل يفقد توازُنَهُ ويقع، ولكنَّهُ حَرَّكَ جَناحَيْهِ وأمسك بطرفِ الغُصنِ بقوة، وصار يتأرجح في الهواء والدّودة تتأرجح معه، وقد بدَتْ عليها علامات الخوفِ حتى ثبتَ الغُصنُ من جديد. ضَحِكتِ الدّودة من أعماق قلبها وقالت: أراك تحبُّ الحياة أيُّها البلبل، فاسعد يا صديقي واستمتع بكل لحظة من لحظات حياتك، ولا تهدر وقتك وعمرك في الحزن والهم ولا تستسلم، علت الابتسامة وجه البلبل وقالَ: أَعدُكِ أَنَّني لن أتوقَّفَ عن الغناء بعد اليوم. صاحتِ الدّودة الوفية لصديقها البلبل بصوت عال قائلةً: شُكرًا لكَ يا صديقي فكلُّنا نُحِبُّكَ ونحبُّ صوتك الجميل.