أثرت الدولة العثمانية في تاريخ حركة المسلمين تأثيرًا كبيرًا لا يُمكن إنكاره، وقد لعبت المدرسة العثمانية دورًا بارزًا في تأسيس الدولة حضاريًا، فارتبطت الحياة العلمية والإدارية في الدولة العثمانية بالمدرسة اتباطًا وثيقًا، بحيث لم يكن يُسمح لغير خريجي المدرسة بتولي الوظائف العلمية والعدلية في الدولة. يقدم هذا الكتاب – الذي هو رسالة دكتوراه في الأصل – دراسة واعية بعيدة عن كل التحيزات؛ لتاريخ المدارس العثمانية، لمعرفة إلى أي مدى كان للتعليم دور في تلك الفترة، ويشتمل الكتاب على ثلاثة أبواب، يتناول الباب الأول “المدرسة العثمانية منذ نشأة الدولة وحتى نهاية عهد الفاتح”، حيث اقتصرت نشأة المدرسة العثمانية آنذاك على التعليم الديني فقط، ثم تطور الأمر سريعًا إذ أنشأ العثمانيون بين عامي 732 – 855هـ اثنتين وثمانين مدرسة، ولم يقتصر إنشاء المدارس حتى عهد السلطان الفاتح على العواصم والمدن الكبيرة مثل إزنيق وبورصة وأدرنة، بل أنشئ عدد من المدارس في المدن العثمانية الأخرى، وقد اعتُبِرت مدة تولي السلطان الفاتح أمور الدولة فترةَ ازدهار، فيما تناول الباب الثاني “المدرسة العثمانية من وفاة السلطان الفاتح وحتى نهاية عصر السلطان القانوني”، فأشار الباب إلى المدارس التي بناها السلطان بايزيد، إضافة إلى إنشاء عدة مدارس أخرى على يد كبار رجال الدولة. وجدير بالذكر أن المدرسة قد لعبت دورًا هامًا في عهد السلطان سليم الأول في التصدي للخطر الشيعي، وحمل العلماء والمدرسون ألقابًا تدلل على مدى الاحترام البالغ الذي نالوه في عهد السلطان القانوني، إلا أن الربع الأخير للقرن السادس عشر قد شكل نقطة البداية في هبوط المدرسة السريع من ناحية الكم والكيف؛ كما أسهمت التغيرات الاقتصادية التي ألمت بالدولة العثمانية، في التأثير بالسلب على الحياة العلمية في الدولة، وقد تمثل ذلك “في التعجيل بتخريج الطلاب من المدارس العثمانية المختلفة؛ ومن ثم أدى إلى تأخر النظام التعليمي في المدارس. أما الباب الثالث والأخير فيتعلق بـ “الدور الحضاري للمدرسة العثمانية”، حيث تناول أماكن التدريس للطلاب التي لم تقتصر في المجتمع العثماني على المدارس والمؤسسات الرسمية فقط؛ ويؤكد المؤلف أن المدرسة العثمانية خاصة، والحياة الفكرية والعلمية عامة قد عجزت عن استشراف نهضة تتناسب ومستوى الازدهار الذي حققه العثمانيون أنفسهم في المجالات الأخرى، مما أصاب العلم في الدولة بالتخلف والتأخر. ويختتم المؤلف كتابه ببيان دور الأوقاف في الدولة العثمانية؛ حيث لعبت دورًا بارزًا في إعطاء المدرسة دفعة قوية، وشكلت أحد المصادر الأساسية للتمويل المادي اللازم والداعم للعملية التعليمية؛ مما جعل التعليم مجانيًّا في المدارس العثمانية.