الفصل الأول والتطور، والمفاهيم، والأنما ط المحاضرة الأولى النشأة الأولى وتطور التفكير الإنساني لكن بظهور نظرية التطور بدأ البعض يتحدث عن تطور الفكر الإنساني، واللغة، بادئ ذى بدء علينا أن نفرق بين مصطلح الخ ارفة ومصطلح الأسطورة، ومن البداية نشير إلى أن الأسطورة جاءت فى الفكر الإنساني بعد الخ ارفة . والخ ارفة هى تفسير الإنسان لمظاهر الطبيعة )الفيضانات ـ الرعد ـ البرق ـ الزلازل. على أنها من تدبير كائنات خ ارفية تحاول قتل الإنسان. أما الأسطورة فهي الحكاية التي ألفها الإنسان لكي يفسر بها ليس مظاهر الطبيعة فحسب لكن أيضا لتفسير سر الكون، وهناك فارق كبير بين أن يخترع الإنسان الأسطورة ويصدقها ويحيكها، فقد اكتشف أنه كان - من دون وعى واضح منه - يؤرخ في الأسطورة لنفسه، وكينونته، لكن علينا أن ندرك أن هذا الوعي الإنساني بالأسطورة )بطريقة منهجية( وربطه بصورة واضحة ونهائية بتاريخ الوعى والتجربة الإنسانية قد تبلور حتى وصل إلى الذروة فى عصر النهضة الأوروبية، وصولًا إلى عصر التن وير، فى هذا الكتاب يقول إن الإنسان منذ البدء شعر بحاجته إلى اخت ارع الأسطورة وجعلها جزءًا أساسيًا من حياته، وقبل أن يخترع العقل البشرى أى شيء آخر وقبل أن يصل إلى أى أفكار أخرى بما فى ذلك الأفكار الدينية، اخترع الحكاية التى كانت هى الأسطورة فى البداية*** . حتى قبل أن يتفلسف مع الإغريقيين إلى طرح أسئلته عن سر وهدف وجوده فى هذا الكون، وسر هذا الوجود، والقوة التي ساوره منذ البداية شعور جاد بأنها تسّير هذا الوجود، ومن البديهي أن بحث الإنسان عن معنى الأسطورة تأخر كثي ار عن الزمن الذي وجدت فيه الأسطورة نفسها، ولكن من الواضح أن الأسئلة عن الأسطورة طُرحت منذ زمن بعيد، في نفس الكتاب يقول شيلنج إن فلسفة التاريخ والأسطورة عنص ارن متكاملان، ويبدأ هذا الجزء بالقول «إن الأسطورة لكي تكون أساس للوصول إلى فلسفة حقيقية، أي شيء آخر غير ذلك التتابع القصصي، عليها أن تحتوي على حقيقة خاصة بها»، ويرى أن هذه السيرورة تتحقق داخل الوعي البشرى لا خارجه، وهذا كله قبل عصر الأنبياء والكتب المقدسة، وهنا نرى مبادئ السيرورة هى نفسها مبادئ الكينونة. ومن هنا يرى شيلنج أن الابتكا ارت والاكتشافات والإعلانات التى توصل إليها الوعي الإنساني على مدى مئات الآلاف من السنين إنما هى تصور الخالق بوصفه إلهًا واحدًا، وإن كان الوعي البشرى قد وصل إلى هذا من طريق أشكال وأساليب متنوعة، وهذا الكائن المطلق أو الكينونة المطلقة لابد أن يكون له تموضع ذاتي فأي كينونة لها ذات . لكن يأتي سؤال يقف عنده شيلنج هو العلاقة الثلاثية بين إد ارك وحدانية الله وإ اردته من جهة، والأسطورة من جهة أخرى، والوعي الإنساني من جهة ثالثة. ويضيف المفكر المصري عبد الرحمن بدوي إلى هذا أن شيلنج إنما بدأ بحثه كله عبر طرحه ثلاثة أسئلة هى التي تخطر ببال الإنسان العادي حين يجد نفسه فى إ ازء الأساطير: كيف ينبغي أن تفهم الأساطير؟! ما معناها أو المعاني التي تقدمها؟ وكيف حدثت؟ مارحل تطوّر الفكر الإنساني بدأ الإنسان الأول قبل ارتقائه للحالة الإنسانية الكاملة كما هي اليوم، بدون لغة، فاكتفى بالرسوم والإشا ارت مع بعض الكلمات البسيطة التي تقترب من الطبيعة الحيوانية ، وكانت لغته شبه معدومة لأنّ أهم ما كان يسعى إليه الفرد هو البحث عن سبل العيش من طعام وش ارب وسكن وتكاثر ونحو ذلك، فكان أقرب إلى الطبيعة الحيوانية منه إلى الطبيعة البشرية ، وبعد أن ظهرت اللغة بشكل واضح وتام للتواصل بين الأف ارد بدأ الإنسان يبحث عن وسائل متطورة للعيش وبدأ يبتكر الكثير من الأشياء من الخشب والحجر والنار والصلصال وبدأ يفسّر الأحداث والظواهر الكونية وأزمة الوجود بشكل بدائي من خلال )الأسطورة( مع وجود التابوهات؛ فظه رت عدة أشكال من الأساطير تتمثل في الأسطورة الطقوسية المرتبطة بالشعائر والأسطورة الرمزية ذات البعد الدلالي، والأسطورة التعليلية التي تفسر أسباب الظواهر وعلل الأشياء بالإضافة إلى أسطورة التكوين التي تفسّر الظواهر الكونية وحقيقة الوجود. ثم ارتقى الانسان بعد ذلك – بعد أن اتسعت مفرداته وكلماته وأصبح لديه فائض لغوي – ليبدأ بالتأمل الذهني عبر التفكير الفلسفي الذي يبدأ بمقدّمات منطقية يصل من خلالها إلى نتائج مقنعة فأصبح يعالج قضايا الكون والوجود من منطلق فلسفي وتفكير تأمّلي خارج نطاق الأسطورة البدائية التي تفتقد المنطق في التفكير أو النظر للأمور من خلال الاستقصاء والاستنتاج والتأمّل والربط بطريقة مقنعة. وبذلك تشعبّت الأمور الفلسفية من خلال ال ازوية التي تركز عليها فظهرت الفلسفة الميتافيزيقية والفلسفة الإبستمولوجية: وهنا نوضح أن الأبستمولوجيا مصطلح تعود جذوره للغة اليونانية وهو مؤلف من مقطعين (episteme) وتعني العلم أو المعرفة، و(logos) وتعني د ارسة أو نظرية، ومن هنا تكون ترجمتها إلى العربيةنظرية العلوم، أو د ارسة العلوم. ومصطلح أبستمولوجيا يدور في محورين: المحور الأول في الاصطلاح المعاصر ويعني الد ارسة النقدية للعلوم والتي تهتم بد ارسة العلوم وموضوعاتها ، وأهميتها، ونتائجها. والمحور الثاني هو الأبستمولوجيا في سياق الفلسفة وهي د ارسة المعرفة والفرق بينها وبين العلم والإد ارك وطرق تحصيل المعرفة وهو قسم من أقسام الفلسفة الثلاثة التي تهتم بد ارساتها فلسفة )الأبستمولوجيا. كما ظهرت أيضاً إلى جانب الفلسفة الميتافيزيقية والأبستمولوجية الفلسفة الجمالية والفلسفة الأخلاقية ثم ظهرت فلسفات للعلوم وغير ذلك من أنواع الفلسفة. وبوجود اللغة – التي وصلت مستوى عاليا رفيعاً مع مستوى من الفكر المتوقّد والخيال الجامح الذي خلفته الأساطير في نفوس النا س- نشأ الشعر والغناء والقصص. ثم جاءتْ مرحلة جديدة حيث بدأ يخوض الإنسان التجارب ويعتمد على الملاحظة والتفكير المنطقي مما أدى ذلك إلى ظهور الحركة العلمية فبدأ الإنسان بالصناعة والعمل في ميدان الصحة واكتشاف بعض الأمور في الطبيعة أو في جسم الإنسان، حيث أصبحت الأحكام العقلية مبنية على التجارب والمحسوسات والنظر للأمور بشكل علمي مدروس . وظهر أشخاص آخرون رفضوا الفكر العلمي وارتبطوا بالفكر الأسطوريّ والتابوهات والغيبيات، وهنالك من رفض الفكر العلمي لعدم شعوره بالاطمئنان تجاهه ولأنه لم يجد فيه ما يبني إنسانيته ورفض معه كذلك الفكر الأسطوري والتعلق بالتابوهات والأمور الميتافيزيقية لأنه لم يجدها – أيض اً- قد حققتْ ما يطمح إليه من سعادة. ومن الطبيعي مع ارتفاع مستوى الفكر ومستوى العلم وسهولة الحصول على المعرفة أن تتغير المعادلة، بالإضافة إلى شعور الإنسان بالسيطرة والقوة والتفوّق، الاول الفكر المتحضّر التنويري بما فيه من علم ومعرفة وحقوق إنسان، وهكذا تطوّر الفكر الإنساني من البساطة إلى التعقيد ولا ي ازل هذا الفكر متطواًر بشكل ديالكتيك حتميّ عبر الزمن ليجد الإنسان نفسه في حقبة تاريخية متلونة بنمط فكريّ معيّن . تزداد أهمية تحديد المفاهيم والمصطلحات كلما تنبهت الأمة إلى ضرورة تحديد الأرضية الثقافية والفكرية التي ينبغي الوقوف عليها، بنقد كل ما من شأنه تعطيل هذا النظر، ومن ي ارجع قواميس اللغة والد ارسات المنطقية والعلمية التي عرّفت الفكر وتحدثت عنه، ومن المفيد هنا أن نعرض مفهوم الفكر في اللغة والمعاجم الحديثة، ورجل فكير: كثير التفكير، وعرفه الفيروز آبادي بقوله: الفكر، بالكسر ويفتح، إعمال النظر في الشيء كالفكرة. والتفكّر جولان تلك القوّة بحسب نظرالعقل، ولا تفكّروا في الله(. ومنها: أفكر في الأمر، وفي الأمر أعمل عقله فيه، ومنها تفكر، والتفكير إعمال العقل في مشكلة للتوصل إلى حلها ، ومنها الفكير: الكثير التفكي ر وتري الموسوعة الحرة أن: الفكر هو مجموع العمليات العقلية التي تمكن البشر من نمذجة العالم المحيط بهم، الوعيconsciousness ، والاستنتاج واتخاذ الق ارار ت. ويعتبر التفكير أعلى الوظائف الإد اركية التي يندرج تحليلها وتحليل العمليات التي تسهم في التفكير ضمن إطار علم النفس الإد اركيcognitive psychology. والاتجاهات الفكرية تتقاطع فيما بينها بشكل كبير، فقد جاءت مشتقات العقل في تسع وأربعين آية كلها بالصيغة الفعلية، مثل يعقلون، وان وردت م اردفاتها بهذه الصيغة، مثل: اللبّ، والحجر، والنهى، ويمكن القول إن تلبس العقل في تمام الموارد التي جاء فيها في القرآن بالصيغة الفعلية، وهي العمل باستم ارر على التفكر، والتبصر، والنظر، والتذكر، وهذه كلها أفعال تتطلب فعالية دؤوبة متوثبة للعقل بنحو متواصل. قال الله: }أفَلَا يَنظُرُونَ إلى الِْإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ{ أفلا يفكرون في خلقها… ويضيف بأن “النظر إذا قيد بالقلب لا يحتمل إلا التفكير، والرؤية، وغيرها. 4 -الفكر عند بعض العلماء والمفكرين قديماً وحديث اً وبروز إشكالات من قبيل ما هو كلامي أو فلسفي في الثقافة المعرفية الإسلامية، كان لهذا المفهوم حضواًر في مجموع السجلات والتأليفات، وإن لم يكن في كثير من الأحيان بصيغة الفكر، والتدبر، والنظر. والواحد منا يجد هذه الصفة من نفسه، ويفصل بين أن يكون متفك اًر أو بين أن لا يكون متفك اًر، وأجلى الأمور ما يجده الإنسان من نفسه. ” ويرى الإمام أبو القاسم جار الله الزمخشري في كتابه المنهاج في أصول الدين أن “النظر هو التأمل والاستدلال: أي ترتيب علوم أو ظنون ليتوصل بها إلى علم أو ظن، كمن أرى دخاناً فعلم أن تحته نا اًر، يقول الإمام أبو حامد الغ ازلي: “اعلم أن معنى الفكر هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة”، وعرفه عبد الرحمن الزنيدي: “الفكر في المصطلح الفكري -والفلسفي خاصة- هو الفعل الذي تقوم به النفس عند حركتها في المعقولات، أي النظر والتأمل والتدبر والاستنباط والحكم، وهو كذلك المعقولات نفسها، أي الموضوعات التي انتجها العقل البشر ي. وعرف الشيخ محمد رضا المظفر الفكر بقوله: “تعرف مما سبق أن النظر -الفك ر- المقصود منه إج ارء عملية عقلية في المعلومات الحاضرة لأجل الوصول إلى المطلو ب. أي جمله الآ ارء والأفكار التي يعبر بواسطتها هذا الشعب أو ذاك عن مشاكله واهتماماته، عن مثله الأخلاقية ومعتقداته المذهبية وطموحاته السياسية والاجتماعية، وأيضاً عن رؤيته للإنسان والعالم. ” ويعرف الفكر كأداة بأنه: “أداة لإنتاج الأفكار سواء منها تلك التي تصنف داخل دائرة الأيديولوجيا أو داخل دائرة العلم، ومن الآ ارء والأفكار والنظريات. ويربط الجابري بين الفكر كأداة والفكر كمحتوي ويقول” المبادئ والمفاهيم والآليات الذهنية التي يفكر العربي بواسطتها هي علي الرغم من طابعها كلي إنساني، الاجتماعي الثقافي، وعلى ذلك فالفكر العربي هو في آن واحد أداة ومحتوى أو بنية عقلية وبنية أيديولوجية )بالمعني العام والواسع لكلمة أيديولوجيا(. المستفاد من التعريفات والتحديدات السابقة: وغير ذلك، يستفاد ما يلي: بهدف الوصول إلى تحقيق معرفة جديدة. ‌ج- إن التفكر عملية عقلية تستخدم فيها كل الوسائل المساعدة للوصول إلى حقيقة الدنيا والآخرة. وهكذا تتضح حقيقة التفكّر، وبأنها: حركة عقلية وقوّة مدركة يكتشف الإنسان عن طريقها القضايا المجهولة لديه والتي يبحث عنها ويستهدف تحصيلها، فتنمو معارفه وعلومه وأفكاره في الحياة. ويرتبط بمفهوم الفكر مفاهيم أخري تشكل منظومة مت اربطة ومتناسقة مع بعضها البعض بداية من المفهوم الرئيسي والجذري وهو )الفكر( والمفاهيم النابعة منه،