إذا كان العقد الاول من القرن الحادي والعشرين الأردني صعباً من المنظور الاستراتيجي في المنطقة، فإن العقد الثاني جاء أصعب وأكثر تعقيداً؛ يكن الأردن في منأى عن التحولات والاضطرابات التي شهدها العالم العربي منذ نهاية عام 2010 )الربيع العربي(، وأصبح الأردن يشار إليه على مستوى دولي وبإجماع أنه حالة فارقة في المنطقة وُصفت ب «الاستثناء الأردني . »شهد الأردن مع مطلع العقد الثاني من هذا القرن حراكاً إصلاحياً شعبياً ورسمياً، بالتزامن مع مرحلة التحولات والثورات التي اجتاحت العالم العربي منذ عام 2011 ، إذ برز ما يزيد عن 130 حراكاً مثّلت مختلف المناطق الجغرافية والجماعات والفئات الاجتماعية التي انخرطت في مئات التحركات المطلبية والسياسية. ووصل عدد التحركات الشعبية خال عام 2011 إلى 3769 تحرّكاً، ومع نهاية عام 2013 كان قد نُفِّذ حوالي 8 آلاف تحرُّك شملت الاعتصامات، وقدمت الأجهزة الأمنية نموذجاً متقدماً على مستوى المنطقة في التعامل مع الحراك، » ظهرت العديد من القوى الفاعلة في حركة الاحتجاجات الأردنية، أبرزها جماعات المصالح المؤسسية مثل النقابات العمالية والمهنية والأحزاب السياسية، وجماعات المصالح غير المنظمة ومنها الجمعيات والروابط الأهلية والعشائرية، وجماعات المصالح الوقتية التي تجتمع بصورة عفوية في المظاهرات ومن دون اشتراط ارتباطها بتنظيم رسمي أو عضوية جماعة وتنتهي بانتهاء الحدث أو الفعالية الاحتجاجية )مثال ذلك الاعتصامات العمالية المؤقتة، واعتصامات عمال الكهرباء، يمكن عَدّ يوم 7 كانون الثاني 2011 التاريخَ الفعلي لانطاق الحراك الشعبي في المملكة الذي جاء في سياق «الربيع العربي »، وللمطالبة بالإصلاحات السياسية ومحاسبة الفاسدين وإقالة الحكومة وحل مجلس النواب. بعد ذلك تسارع انطاق الحركات الشبابية والشعبية التي استندت إلى خلفيات متعددة. وفي المقابل صاغت المؤسسة السياسية والأمنية الأردنية نموذجها الخاص أيضاً في التعامل مع الحراك، 1- بقيت مطالب الحراك الشعبي إصلاحية واقتصادية، ليتميّز بذلك عن بقية الحركات الاحتجاجية العربية. وعبّر هذا الحراك عن حيوية المجتمع الأردني وقدرته على تطوير طريقته الخاصة في التعبير عن مصالحه في ظروف اضطرابٍ إقليمي غير مسبوق. 2. ابتعد معظم الحراك الشعبي عن جميع أشكال العنف، لا بد من الإشارة إلى أن المواطنن الأردنين أثبتوا قدرة عالية على التعبير المطلبي والسياسي والانضباط في الوقت نفسه. أي أنها حركات ذات مطالب محددة )سياسية واقتصادية واجتماعية( وتحاول الضغط على المؤسسات لتحقيق بعض المصالح. وتطورت الاستجابة الرسمية لمطالب الحراك الشعبي على خاف ما حدث في دول عربية أخرى، إذ تبنّى الملك عبدالله الثاني الخطاب الإصلاحي «الربيع العربي » في الدعوة إلى الحرية والكرامة والعدالة، وأكدت تصريحاته المبكرة وفي أكثر من مناسبة أن «الربيع العربي » شكّل فرصة ليواصل الأردن جهود الإصاح وتحقيق التنمية، ومثّل «جرس الإنذار » للأنظمة العربية لتمضي قُدماً في الإصاح والتغيير. تُعَدّ هذه الأوراق تجديداً لفلسفة الدولة السياسية والاجتماعية، إذ قدّم الملك من خلالها صيغة حداثية مبتكرة ومتقدمة لإدارة النقاش العام،