زواج المعطية : عندما ترتكب عملية قتل تحكم الجماعة على الجاني بدفع الدية التي تقدّر بأكثر من ألف فرنك وإذا لم يتمكّن الجاني من جمع المبلغ المطلوب وهو ما يحدث في الغالب، يتمّ اللجوء إلى حلّ آخر هو تقديم إحدى بنات عائلته ومعها خمسون باسيطا تسمّى حقّ الكفن أي كفن الميّت. 26سجّل فيرو بأنّ حالات الخيانة الزوجية نادرة في القبائل الشرقية لأنّه في أدنى الشكوك في خيانة الزوجة يقوم الزوج بقطع رأس زوجته دون خوف من أيّ متابعة، لأنّ هذه الأخيرة غير متوفّرة بل المقصود هو الجماعة التي تعتبر القتل حكما كافيا في مقابل عدم مطالبة الزوج أيضا بالمهر الذي كان قد دفعه. 27إذا وُعد شابّ بالزواج من فتاة معيّنة ولكن الطمع استبدّ بوالد تلك الفتاة ويوشك أن يجعله يخلف وعْده وذلك بتزويج ابنته من آخر، فإنّ الشابّ يشعر بالهوان وكذا جميع عائلته تشعر بطعنة عميقة في كرامتها ولذلك يجرّد الجميع أسلحتهم وتقع مواجهة شرسة قد تمتدّ على سنوات، على المرأة محلّ النزاع. كنّا مستقلّين وكلّ واحد سيّد نفسه، وإذا تعرّف صاحب المنزل المحروق على الجاني فإنّه يقوم بتقديم شكواه إلى الجماعة، وهذه الأخيرة تأمر فورا بإنزال أقصى العقوبة على الجاني، وإذا كان الجاني من قبيلة أخرى تتجنّد قبيلة الضحية وتحمل السلاح لشنّ الحرب على قبيلته (أي على قبيلة الجاني طبعا)، أمّا إذا كان من نفس قبيلة الضحية فإنّ الجماعة تتنقّل إلى منزله فتأمر بإحراقه وتحويله إلى رماد والاستيلاء على مواشيه كلّها فتُذبَح لإعداد الوليمة للجماعة. نادرا ما يقْدِم القبايلي على بيع بستانه أو أرضه بل يفضّل رهنها وينتظر حتّى تمرّ الضائقة المالية التي حاقت به ثمّ يدفع المال لاسترداد أرضه39. وعلى كلّ صاحب منزل يمرّ به موكب العرس أن يقدّم غربالا مملوءا بالفول أو الجوز أو التين المجفّف هدية للعروس، تقبّله ثمّ تعيده إلى الغربال وفي الأخير تعبَّأ هذه الكمّيات المُهداة في أكياس تحملها امرأة عجوز تتلقّى الهبات لتجهيز منزل العريس40. 33عندما يصل الموكب إلى نهاية جولته تنزل العروس ثمّ تحيط بها نساء يقمن بوضع يدها داخل إناء مملوء بالسمن السائل، ويعطينها عددا من البيض تقوم بكسرها على رأس البغلة التي نقلتها بين أذنيها، وقد تبيّن لي أنّ هذه التفاصيل على درجة من الأهمّية في الدراسة الإثنوغرافية لهذا الشعب البربري مع أنّ بعض هذه التقاليد اختفت الآن تماما (1860). 34" دون الحاجة إلى إقامة مقاربة عميقة ما بين هذا التقاليد والمعتقدات الوثنية نكتفي بالإشارة إلى ما ذكره بلين (Pline, 35عندما تضع العروس قدمها في الأرض للدخول إلى منزلها الزوجي يقدَّم لها الحليب واللبن والماء، ويقترب العريس بدوره ويطلق طلقة بارود على رأس عروسه ليسكن الخوف قلب عروسه فلا تعصي له أمرا. رغم حالة القهر المسلَّطة على المرأة، بعد القيام بالطقوس المذكورة أعلاه وهي دليل على ذهنية التطيُّر المتحكّمة في هؤلاء السكّان، تدخل العروس إلى الغرفة وتتخطّى بقدمها الأيمن العتبة فيقوم العريس بحملها بين ذراعيه إلى الداخل ويبقى الأهل والمدعوّون ينتظرون في الخارج، وعلى العريس بعد أن ينال وطره أن يعلن عن ذلك بطلقة بارود من بندقيته فيفهم الجميع مغزى هذه الإشارة وتتعالى الأصوات بالغناء والزغاريد وتزداد طلقات البارود وترقص النساء بقميص العروس المخضّب بدم البكارة ثمّ تظهر العروس بنفسها وسط النساء وتشاركهن في الرقص والقميص بين يديها،