والتي أثمرت مذهبا خاصا بها ، تبناه مجموعة من البخلاء ، حتى أن هذه الظاهرة كانت مثار نقاش كبير بين الكتاب وسالت بموجبها أقلام كثيرة، ويعد الجاحظ : أبو عثمان بن بحر (ت 255ه) من أبرز النقاد والأدباء الذين سخروا من البخلاء ونددوا بغفلتهم في الحياة، وبما أن الجاحظ ينتمي إلى الفترة التاريخية التي نحن بصدد دراستها ، فإننا سنقف على ظاهرة البخل وعلاقتها بالهزل والضحك من خلال كتاب " البخلاء" الذي يعد – حسب علمنا – أهم مرجع في الموضوع في العصر العباسي مستفدين في الوقت ذاته ببعض المراجع التي تناقش الموضوع نفسه . ومنه قول عمرو بن معد يكرب : يا بني سليم، وفي حديت النبي صلى الله عليه وسلم: الولد مجبنة، وقيل لرجل: بفلان خبل وبأخيك بخل، وهو يسوغ لنا ملامسة الجوانب التي لحقها البخل في رسالة البخلاء للجاحظ وفي حياة هؤلاء البخلاء . وفي سياق الرسالة نفسها عرف الجاحظ البخل ، ما مرة قال : " والبخيل عند الناس ليس هو الذي من لا يدع لنفسه هوى إلا ركبه، فالجاحظ قارب مفهوم البخل من خلال الموصوف به، أي البخيل الذي – كما قال – يزهد في كل ما يوجب الشكر، وينوه بالذكر ويدخل به صاحبه الأجر، بمعنى أن البخل يجعل صاحبه بعيدا عن المكارم والمحامد، ولا من الاحتجاج إلا بما رسم في الكتب، ولا عجبي من مغلوب على عقله، كما لا نجد البخيل يفر من اسم البخل إلى الاقتصاد، بناء على ما سبق نستخلص ما يلي : - البخل شمل جميع الجوانب في حياة البخلاء من مأكل ومشرب وملبس وإنفاق . - البخل يرتبط بالقدح والذم والتحقير - البخيل يرتبط بالاقتصاد والإقتار في كل شيء. لاشك أن استفحال ظاهرة البخل في العصر العباسي دعت أصحابه إلى الانضواء تحت مذهب خاص بهم يتدارسون فيه قضاياهم، وما يهمهم للدفاع عن مذهبهم والاحتجاج له، شكل البخلاء مذهبا قويا مؤثرا في التشكيل الاجتماعي للعصر العباسي، وحلقة يقعد فيها أصحاب الغنية، ويبدو أن مسجد ابن رغبان بحي البصريين في بغداد كان ملتقاهم، وكان على رأسهم فيه أبو عبد الرحمان الثوري، منهم : إسماعيل بن غزوان، وعبد الرحمان العروض والحزامي عبد الله بن كاسب، وكان أبو سعيد المدائني إماما للبخل في البصرة في ذلك العصر، وكان البخل عندهم دعوة ومذهبا اقتصاديا، ويوصي به ويدعو إليه 6. ويقوم مذهب البخلاء على التناصح والتذاكر في البخل من خلال حفظ المال، كما يرتكز مذهبهم أيضا على الوصايا والنصح لأبنائهم بسلك مسلكهم، وكيفية تدبير أمورهم ومن وصاياهم نذكر وصية أسد بن جاني لابنه قال : " وأعلم أنه إذا كان في الطعام شيء ظريف، وأنا بعد أكره لك الموالاة بين اللحم ، فإن الله يبغض أهل البيت اللحمين"7، وقال له أيضا: " أي بني عود نفسك الأثرة، ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تلقم لقم الجمال، قال أبو ذر لمن بذر من أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم يخضمون ونقضم والموعد الله 8 لقد ركز أسد بن جاني في وصاياه لابنه على جانب أساسي في حياة الإنسان، وهو المأكل وكأنه يرى أن البخل على النفس بما تشتهي من لذات العيش هو الوسيلة الوحيدة لحفظ المال، بمعنى أن الشهوات خاصة شهوات البطن، فلا تجعل نفسك بهيمة، وقد قال بعض الحكماء : إذا كنت بطينا فعد نفسك في الزمني،