يسوع حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم وجاء يشهد ان يسوع هو ابن الله وحَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29، تشير عبارة " في الغَد " الى اليوم الذي فيه أرسل اليهود من اورشليم البعثة لاستجواب يوحنا المعمدان "إِذا لم يكُنِ المسيحَ ولا إِيلِيَّا ولا النَّبِيّ، أمَّا عبارة " فقال" فتشير الى قوله على مسمع الجمع الذي أجتمع اليه. أمَّا عبارة " رأَى يسوعَ آتِياً نَحوَه " فتشير الى مجيء يسوع الى يوحنا المعمدان في بدء خدمته العلنية لأنه بحاجة لشهادة وإعلان حتى يعرفه الناس، المسيح أتى ليوحنا المعمدان ليمنحهُ الفرصة للشهادة له ويستلم المسيح تلاميذه الذين أعدهم له المعمدان مثل يعقوب ويوحنا ابنا زبدى وبطرس وأندراوس؛ أمَّا عبارة "هُوَذا حَمَلُ اللهِ" فتشير الى تسمية المسيح حملاً كونه ذبيحة الخطيئة وأنه المرموز إليه بكل الذبائح التي قُدمِّت في العهد القديم كفارة عن الإثم (الاحبار 5: 6). وبالتالي فهي تدل على موت يسوع التكفيـري، مع انه بريء يقرّب نفسه تقدمة حَمَل " كحَمَلٍ سيقَ إِلى الذَّبْحِ " (أشعيا 53: 7 ) ، "فَيكونُ الدَّمُ لَكم عَلامةً على البُيوتِ الَّتي أَنْتُم فيها، ولا تَحِلُّ بِكُم ضَربَةٌ مُهلِكة، ويليق بالمسيح ان يكون ذبيحة لأنه كان حملا " لَّذي لا عَيبَ فيه ولا دَنَس" ( 1 بطرس 1: 19). أمَّا عبارة " هُوَذا " فتشير الى يسوع المسيح كما تكلم عنه يوحنا المعمدان وهو يخاطب الفرّيسيّين الذين يستمعون إليه، ولكنّهـــــــــم لم يُقرّوا أنّ يسوع هو المسيح، "هوذا حمل الله الّذي يرفع خطيئة العالم"؛ أمَّا الفعل " يَرفَعُ " في اللغة اليونانية ???? (معناها إمَّا "حمل، أمَّا عبارة "خَطيئَةَ" فتشير الى صيغة المفرد للدلالة على المعنى الكلي لخطايا العالم، باعتبار ان كل خطايا العالم جُعلت حِمْلا واحد ليحمله المسيح. وليس بمقدور قواه الذاتية وحدها الخلاص منها دون ذبيحة حمل الفصح ربنا. إذ قدّم الخلاص لكل العالم. أمَّا عبارة "يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" فتشير الى خطيئة كل إنسان، رفع يسوع الخطيئة عن غيره بوضعه إياها على نفسه وفق نبوءة أشعيا " قَرَّبَت نَفسُه ذَبيحَةَ إِثمٍ . وهو يَحتَمِلُ آثامَهم" (أشعيا 53: 10-11). فيسوع يزيل خطايا العالم كما ورد في رسالته "تَعلَمونَ أَنَّه قد ظَهَرَ لِيُزيلَ الخَطايا ولا خَطيئَةَ لَه " (1 يوحنا 3: 5). فها هو بيلاطس نفسه الذي حكم عليه يقول: فلَم أَجِدْ على هذا الرَّجُلِ شيئاً مِمَّا تَتَّهِمونَه به "(لوقا 123: 14)، وهناك شهادة أخرى عن يسوع البار الذي بلا خطية، أمَّا عبارة " العالَم " فتشير الى كل البشر وليس اليهود فقط كما زعم البعض. قدّم المسيح الخلاص مجانا لكل إنسان بدليل قول الرسول بولس " ذلك بِأَنَّ اللهَ كانَ في المَسيحِ مُصالِحًا لِلعالَم وغَيرَ مُحاسِبٍ لَهم على زَلاَّتِهم " (2 قورنتس 5: 19). وشهادة يوحنا المعمدان هي أوضح شهادة عن المسيح قدمها إنسان مملوء بالروح الذي فتح عيني قلبه. فعلينا ان ننظر الى يسوع بعين العبادة والشكر والمحبة والايمان لخلاصنا الآن وتعزيتنا عند موتنا وتمجيدنا في السماء. 30 هذا الَّذي قُلتُ فيه: يأتي بَعْدي رَجُلٌ قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي. تشير عبارة "يأتي بَعْدي رَجُلٌ قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي" الى شهادة أدَّاها يوحنا المعمدان سابقا "هذا الَّذي قُلتُ فيه: إِنَّ الآتيَ بَعْدي قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي " (يوحنا 1: 15) وكان قد أشار اليه أنه الآتي، أمَّا عبارة "يأتي بَعْدي" فتشير الى يوحنا الذي جاء قبل يسوع المسيح على الأرض، ومع ذلك فالمسيح كان موجوداً قبل يوحنـا، لأنه الكلمة المولود قبل الزمن. يوحنا المعمدان يأتي كسابق للمسيح كما تنبأ ملاخي النبي "هاءَنَذا مُرسِلٌ رَسولي فيُعِدُّ الطَّريقَ أَمام" (ملاخي 1:3). ولكن المسيح الأزلي كان قبله في الزمان والبهاء والعظمة والمجد. أمَّا عبارة " قَبْلي" فتشير الى شهادة يوحنا المعمدان الذي يلمِّح الى ان يسوع الذي جاء بعده في التاريخ وحيث أنه صار جسداً، الاَّ انه اعطى يسوع المكانة الأسمى "أَنتُم بِأَنفُسِكم تَشهَدونَ لِي بِأَنِّي قُلتُ إِنِّي لَستُ المَسيح، وذلك دليل على تواضع يوحنا كما صرّح "لا بُدَّ له مِن أَن يَكبُر. ولكِنِّي ما جِئْتُ أُعَمِّدُ في الماء إِلاَّ لِكَي يَظهَرَ أَمْرُه لإِسْرائيل تشير عبارة " لم أَكُنْ أَعرِفُه " الى ان يوحنا المعمدان لم يعرف يسوع شخصيا لأنه أَقامَ في البَراري إِلى يَومِ ظُهورِ أَمرِه لإِسرائيل (لوقا 80:1)، ولم يعرف يوحنا ان يسوع هو المسيح الى ان رأى الروح القدس يستقر عليه في اثناء اعتماده (يوحنا 1: 32-33). هي التي كشفت عن سر يسوع المسيح، ويعلق العلامة اريجين "وإن كان قد عرفه وهو لا يزال في رحم أمه (لوقا 1: 41-44) بالتأكيد لم يعرف كل شيء عنه، وربما لم يكن يعرف أنه ذاك "الذي يعمد بالروح القدس والنار"؛ قصد يوحنا ان يُبين لليهود ان شهادته بان يسوع هو المسيح مبنيَّة على إعلان الله لا على معرفته الشخصية. ويُعبّر البابا فرنسيس من خلال هذه الكلمات الثلاثة عن موقف يوحنا تجاه دعوته " موقف يجب أن يميّز كل دعوة. فكل منا مدعو في دعوته الشخصية أن يتجاوز ما يستطيع فهمه وأن يسير وراء الرب بتواضع وطواعية. أمَّا عبارة " ما جِئْتُ أُعَمِّدُ في الماء إِلاَّ لِكَي يَظهَرَ أَمْرُه لإِسْرائيل " فتشير الى اَّنَّ الله أرسل يوحنا المعمدان ليعمد التائبين كعلامة على توبتهم وبالتالي لكي يتمكّنوا من معرفة المسيح، فيؤسس المسيح سر المعمودية، أن تقديم هذه الشهادة امر جوهري في ارسالية يوحنا المعمدان. أمَّا عبارة " أُعَمِّدُ في الماء " فتشير الى التطهير الروحي الذي ُيهيئ الطريق للمسيح. أمَّا عبارة "إِسْرائيل" وهو اسم عبري ?????????? ومعناه " الله يصارع" او يجاهد مع الله" للدلالة على يعقوب، بل بالأحرى الى "إسرائيل" بمعنى روحي أي شعب الله الروحي الأمين ( أشعيا 49: 3)، ويوضّح ذلك بولس الرسول إذ يفرّق بين إسرائيل حسب الجسد وإسرائيل حسب الروح " أُولئِكَ الَّذينَ هم بَنو إِسرائيل ولَهُمُ التَّبَنِّي والمَجْدُ والعُهود والتَّشريعُ والعِبادَةُ والمَواعِدُ والآباء، تشير عبـــــــارة " رَأَيتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِــــــــنَ السَّماءِ كأَنَّه حَمامَة فيَستَقِرُّ علَيه" الــــى العلامة التي أعطـــــاها الله ليوحنا المعمدان ليعرف أن يسوع هو المسيح ابن الله. فالمسيح هو أمير السلام؛ أمَّا عبارة "فيَستَقِرُّ علَيهِ" فتشير الى حلول الروح القدس حلولا دائما ثابتا على المسيح كما تنبأ أشعيا "يَحِلُّ علَيه روحُ الرَّبّ روحُ الحِكمَةِ والفَهْم روخُ المَشورَةِ والقُوَّة روحُ المعرفةِ وتَقوى الرَّبّ" (أشعيا 11: 2)، بعكس حلول روح الربّ على الأنبياء في القديم، بمعنى يوحنا لم يكن يعرف يسوع انه المسيح. أمَّا عبارة " أَرسَلَني " فتشير الى الله الذي أمر يوحنا ان يعمِّد. أمَّا عبارة " أُعَمِّدُ في الماءِ " فتشير الى معمودية التوبة للهرب من الغضب الآتي (متى 3: 7)، لان معمودية المسيح الآتي تحمل معها دينونة (متى 3: 12)؛ فكانت معموديّة يوحنّا تعني أمرين: الغُسل والتنقية وهو رمز للغسل الروحي، أمَّا عبارة " قالَ لي" فتشير الى وعد الله ان يعرِّفه بالمسيح؛ أمَّا عبارة "إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ" فتشير الى إعطاء الله ليوحنا علامة "الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ الروح " كي يعرف المسيح. وأمَّا عبارة "هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحِ القُدُس" فتشير الى شهادة يوحنا للمسيح بان معمودية يسوع بالروح القدس لكل المؤمنين ليقويهم ليحيوا حياة الله والشركة معه وينادوا برسالة الخلاص وقد بدأت هذه المعمودية يوم العنصرة (أعمال الرسل 2) بعد قيامة يسوع من الأموات وصعوده الى السماء؛ ولا تجدهم يقولون "معموديتي". فمن يتعمد بمعمودية الرب يتمتّع باستنارة الحياة، لأنّ نور حكمة الربّ يُشرق في حياته، بل يُعطينا القوّة لاتّباع هذا الصواب، والعمل بما هو حقّ والمقدرة لمجابهة مشكلات الحياة والانتصار عليها. وهو يتمتّع أيضا بنقاوة الحياة لان معمودية يسوع هي معموديّة النار (متّى 3، إنّها معموديّة التي تنقِّي من كل خطيئة وغش. تتميز معمودية يوحنا الذي هي بالماء عن معمودية يسوع الذي هي في الروح. وبهذه المعمودية يهب المسيح حياة روحية لنفس الانسان المؤمن به. تشير عبارة " وَأَنا رأَيتُ وشَهِدتُ "الى تأكيد وتقرير فكأن يوحنا يقول رأيت جليا وأيقنت تماما ومنذ ذلك الحين شهدت علانية بانه بما ان يسوع هو المسيح، حمل الله الذي يضحى بحياته ويبذل نفسه في سبيل أحبائه ليُحرِّر الانسان من الخطيئة، فهو بالتالي ابن الله. أمَّا عبارة " ابنُ الله " فتشير الى إعلان صريح عن الوهية الكلمة انه الله (يوحنا 1: 14). يخص الابن وحده الذي " في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله " (يوحنا 1:1)، فهو وحده الذي يقال له: "هو ابني "إذ هو على الدوام ابن اللٌه. وقد استعمل هذا اللقب عن يسوع المسيح في العهد الجديد ما يقرب من (44) مرة، والمسيح بما انه ابن الله فهو إله بكل الكمالات غير المحدودة التي تخصُّ الجوهر الإلهي (يوحنا 1: 1-14) والابن مساو لله في الطبيعة (يوحنا 5: 17-25). وكثيرون أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا بأن المسيح هو ابن الله على خطى يوحنا المعمدان مثل بطرس الرسول (متى 16: 17)، وقد قال المسيح عن نفسه انه ابن الله (يوحنا 5: 17) وقد اتهمه كهنة اليهود وحكموا عليه لأنه قال انه المسيح ابن الله (متى 26: 63-66). ويُعلق القديس كيرلس" أمَّا أنت فيُقال لك: "الآن تصير ابن الله " إذ لا تحمل بنوة طبيعية بل تتقبلها بالتبني. وجد يوحنا في مجيء يسوع معنى لحياته واكتمالاً لرسالته وهي الشهادة ليسوع انه "حمل الله، وهكذا شهد يوحنا أنّ الله واحد في ثلاثة أقانيم، نستنتج انه يتمحور حول شهادة يوحنا المعمدان بتعابير نبوية عن يسوع المسيح المنتظر هو "حمل الله " وإبن الله". فكانت مهمته هي توجيه الشعب الى يسوع المسيح الذي كانوا يتطلعون اليه ليعرفوه كما عرفه هو نفسه. ومن هذا الإطار يمكن ان نطرح سؤالين: ما معنى حمل الله؟ وما معنى ابن لله؟ 1) ما معنى يسوع المسيح "حمل الله"؟ لم يكن يعرف يوحنا المعمدان ان يسوع هو المسيح المنتظر، لكنه عرفه من خلال كشْف الله له يوم اعتماد يسوع على يده. ولمّا جاء يسوع الى يوحنا المعمدان لإعلان خدمته العلنية من خلال المعمودية، فقدّمه الى الناس بمناداته " هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29)، وذلك لان الله عيَّن يسوع المسيح منذ الازل ذبيحة إثم، ووعد بانه يكون كذلك في النبوءات والرموز، ثم قام بإرساله من السماء ليكون ذبيحة فاستحق ان يسمَّى "حمل الله" تمييزاً عن سائر الحملان كما جاء في تعليم بولس الرسول "ذاكَ الَّذي جَعلَه اللهُ كَفَّارةً في دَمِه بِالإِيمان ليُظهِرَ بِرَّه، تدل عبارة " حمل الله " التي وردت مرتين (يوحنا 1: 29، 36) على ان يسوع هو المسيح المنتظر، ا) يسوع حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم أشار يوحنا المعمدان الى يسوع بعبارة " حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم " (أشعيا 53: 7، ويُعلق العلاَّمة أُريجين "أن خروفين حوليين كانا يُقدمان كل يوم دائمًا، " وعندما كان إرميا النبي يعاني اضطهاد أعدائه، أخذ يشبه نفسه بحمل فقال "كنتُ أَنا كَحَمَلٍ أَليفٍ يُساقُ إِلى الذَّبْح " (إرميا 11: 19). ويرجع أصحاب الأناجيل إلى هذا النص عندما يوضِّحون أن المسيح "ظل صامتاً " أمام المجلس (متى 26: 63)، وبهذه الطريقة دفع يسوع بموته ثمن خطايانا كي ننال الغفران " فقَد ذُبِحَ حَمَلُ فِصْحِنا، ويدل يوحنا الإنجيلي بعبارة حمل الله يرفع خطيئة العالم على موت يسوع التكفيري. وعليه فان موته يُشكل مظاهر التضحية القربانية والنيابية والفدائية. والمسيح قبل كل شيء هو ابن لله الذي صار بشراً. وكونه ابن الله وابن الانسان أصبح أداة فريدة للخلاص، لذلك فهو حقا حملا لله الذي يحمل خطيئة العالم والذي يساق الى الذبح في عيد الفصح. أتى يسوع ليس فقط ليرفع خطيئتنا بل ليحملها أيضًا ويضعنا على عن درب الله. ونستنتج مما سبق ان شهادة يوحنّا المعمدان عن يسوع أنّه "حمل الله" لها طابع نبويّ، المسيح هو حمل الله الوديع وعبد الله المتألِّم والمنتصر بآلامه وصلبه وموته وقيامته. ب) يسوع حَمَلُ الفصح حمل الفصح هو حَمَلٌ تامٌّ ذَكَرٌ حَولِيٌّ الذي أمر الله كل أسرة ان تذبحه، فمكّنهم من أن يُصبحوا " مَملَكةً مِنَ الكَهَنَة وأُمَّةً مُقَدَّسة" (خروج 19: 6) يربطهم بالله ميثاق عهد وتحكمهم شريعة موسى. ويُعلق الرابي اليعازر " ان هناك قيمة فدائيّة لدم الحمل "بسبب دم عهد الختان، ورأى التقليد المسيحي في المسيح "حمل الفصح الحقيقي. ويُعلق العلاَّمة اُريجين " صار حمل الله حملًا صغيرًا بريئًا يُقاد للذبح لكي ينزع خطيئة العالم "، أمَّا هنا فالذي يُعد ُّالذبيحة هو الله الآب نفسه الذي يقدّم ابنه الوحيد ذبيحة " كما ورد في تعليم بطرس الرسول "قَد عَلِمتُم أَنَّكم لم تُفتَدَوا بِالفاني مِنَ الفِضَّةِ أَو الذَّهَب مِن سيرَتِكمُ الباطِلَةِ الَّتي وَرِثتُموها عن آبائِكم، ويعلق العلامة اريجين "أية عظمة لحمل الله الذي ذُبح لكي يرفع الخطيئة ليس عن قليلين بل عن كل العالم "لأنه " وإِن خَطِئ أَحدٌ فهُناك شَفيعٌ لَنا عِندَ الآب وهــــــــو يسوعُ المَسيحُ البارّ. إن المسيح هو الحمل الصحيح أي بلا عيب ولا دنس الذي يفتدي البشر بثمن دمه. فإن حادث موت المسيح ذاته هو أساس هذا التقليد. 2) ما معنى يسوع المسيح "ابن لله"؟ تكشف الاناجيل الإزائية وانجيل يوحنا وفي رسائل القديس بولس الرسول معنى يسوع المسيح ابن الله أ‌) أبن الله في انجيل متى ومرقس ولوقا لم يشهد يوحنــــــا المعمدان أن "يسوع حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" فحسب، إنما شهد أيضا ان يسوع "هو ابنُ الله"(يوحنا 1: 34). يقترن عادة بلقب المسيح كما جاء في شهادة بُطرس الرسول "أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ" (متى 16: 16). وعليه فــــــإن لقب "ابن الله " هو لقب مسيحاني مرتبط برباط وثيق وثابت الذي يوحّده بالآب، وأكَّد لتلاميذه الطابع المسيحاني لابن الله " بَدأَ يسوعُ مِن ذلِكَ الحينِ يُظهِرُ لِتَلاميذِه أَنَّه يَجِبُ علَيهِ أَن يَذهَبَ إِلى أُورَشَليم ويُعانِيَ آلاماً شَديدة مِنَ الشُّيوخِ وعُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة ويُقتَلَ ويقومَ في اليومِ الثَّالث " (متى 16: 21). واحس يسوع في هذا الالتباس خاصة عندما طرح قيافا عظيم الكهنة السؤال الأساسي: " أَستَحلِفُكَ بِاللهِ الحَيّ لَتَقولَنَّ لَنا هل أَنتَ المسيحُ ابنُ الله " (متى 26: 63)، وأَنا أَقولُ لكم: سَتَرونَ بعدَ اليومِ ابنَ الإنسانِ جالِساً عن يَمينِ القَدير وآتِياً على غَمامِ السَّماء" ( متى 26: 64)؛ وهكذا اتسم لقب المسيح وابن الإنسان بمعنى إلهي محض، أبرزه لوقا بوضوح في إنجيله لما سأله شُيوخِ الشَّعْبِ مِن عُظَماءِ كَهَنَةٍ وكَتَبَة " أَفأَنتَ ابنُ اللهِ ؟ " فقالَ لَهم: "أَنتُم تَقولونَ إنِّي هو" (لوقا 22: 70). لكن موت يسوع على الصليب بدَّد كل التباس كما جاء في اعتراف قائد المائة "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقّاً! "(مرقس 15: 39). تسود ألفة عميقة بين الاثنين، وهذه الالفة تتطلب "المعرفة" المتبادلة الكاملة والمشاركة الشاملة كما صرّح يسوع "قد سَلَّمَني أَبي كُلَّ شَيء، فما مِن أَحَدٍ يَعرِفُ الابنَ إِلاَّ الآب، ولا مِن أَحدٍ يَعرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْن ومَن شاءَ الابنُ أَن يَكشِفَه لَه" (متى 11: 27). ولذلك يخاطب يسوع الله ويدعوه " أَبَّا، وهكذا وضّح يسوع المعنى الكامل للقبه "ابن الله" بانه المسيح المنتظر. ب‌) ابن الله في انجيل يوحنا يحتل موضوع البنوة الإلهية مكاناً مرموقاً عند القديس يوحنا. يسوع يتحدث بعبارات واضحة عن العلاقات بين الابن والآب: تقوم بينهما وحدة في العمل والمجد " الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: لا يَستَطيعُ الابنُ أَن يَفعَلَ شيئاً مِن عندِه بل لا يَفعَلُ إِلاَّ ما يَرى الآبَ يَفعَلُه. فما فَعَلَه الآب يَفعَلُه الابْنُ على مِثالِه "(يوحنا 5: 19). ويمنح الآب كل ما هو له لأبنه لأنه يحبه " إِنَّ الآبَ يُحِبُّ الابن فجَعَلَ كُلَّ شيءٍ في يَدِه"(يوحنا 3: 35) ويعطيه سلطة إحياء الموتى "فكَما أَنَّ الآبَ يُقيمُ الموتى ويُحيِيهِم فكَذلِكَ الِابنُ يُحيِي مَن يَشاء" (يوحنا 5: 21)، وعندما يرجع يسوع إلى الله، يُمجِّد الآب الابن لكي يُمجده الابن "مَجِّدِ ابنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابنُكَ"(يوحنا 17: 1). وهكذا تتجلى عقيدة التجسد بكل أبعادها: أرسل الله ابنه الواحد إلى العالم ليُخلص العالم " ما ظَهَرَت بِه مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا هو أَنَّ اللهَ أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إِلى العالَم لِنَحْيا بِه. وهذا الابن الواحد هو الذي يُخبر عن الله كما أعلن يسوع المسيح "إِنَّ "اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه"(يوحنا 1: 18)، ويمنح البشر الحياة الأبدية التي تأتي من الله " هذِهِ الشَّهادةُ هي أَنَّ اللهَ وَهَبَ لَنا الحَياةَ الأَبدِيَّة وأَنَّ هذهِ الحياةَ هي في ابنِه. مَن لم يَكُنْ لَه ابنُ الله لم تَكُنْ لَه الحَياة"(1 يوحنا 5: 11-12). والعمل المطلوب هو الإيمان بالابن كما يناشد يسوع " عَمَلُ اللهِ أَن تُؤمِنوا بِمَن أَرسَل" (يوحنا 6: 29). من يؤمن بالابن له الحياة الأبدية" فمَشيئةُ أَبي هيَ أَنَّ كُلَّ مَن رأَى الِابنَ وآمَنَ بِه كانَت له الحياةُ الأَبَدِيَّة وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير" (يوحنا 6: 40)، وامَّا من لم يؤمن به فيُحكم عليه " مَن آمَنَ بِه لا يُدان ومَن لم يُؤمِنْ بِه فقَد دِينَ مُنذُ الآن لِأَنَّه لم يُؤمِنْ بِاسمِ ابنِ اللهِ الوَحيد"(يوحنا 3: 18). ج) ابن الله في رسائل بولس الرسول أصبح موضوع البنوَّة الإلهية عند بولس الرسول نقطة انطلاق لفكر لاهوتي أكثر تعمقاً: "فلَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لامرَأَةٍ" (غلاطية 4: 4) لكي يُتمَّ بموته الصلح بيننا وبينه "فإِن صالَحَنا اللهُ بِمَوتِ َابِنه ونَحنُ أَعداؤُه، أمَّا الآن فقد أقامه الله في القدرة (رومة 1: 4) فهو يدعونا لمشاركته " هو اللهُ أَمينٌ دَعاكُم إِلى مُشارَكةِ اَبنِه يسوعَ المسيحِ رَبِّنا"(1قورنتس 1: 9)، إذ انه نقلنا إلى ملكوته " فهو الَّذي نَجَّانا مِن سُلْطانِ الظُّلُمات ونَقَلَنا إلى مَلَكوتِ ابنِ مُحَبَّتِه"(قولسي 1: 13). إن الحياة المسيحية في مفهوم بولس الرسول هي حياة "في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي"(غلاطية 2: 20)، تطبّق الرسالة الى العبرانيين على المسيح ما جاء في المزمور 39 " لِذلِكَ قالَ المسيحُ عِندَ دُخولِه العالَم: لم تَشَأْ ذَبيحَةً ولا قُرْبانًا ولكِنَّكَ أَعدَدتَ لي جَسَدًا. واستخدم صاحب الرسالة الى العبرانيين لقب " ابن الله" عن المسيح بنوع خاص في التحدث عن عمل الفداء العظيم الذي اجراه يسوع المسيح، فهو النبي الاعظم لأنه "كَلَّمَنا في آخِرِ الأَيَّام هذِه بِابْنٍ جَعَلَه وارِثًا لِكُلِّ شيء وبِه أَنشَأَ العالَمِين"(عبرانيين 1: 2)، لأنه "المسيحُ لم يَنتَحِلِ المَجْدَ فيَجعَلَ نَفْسَه عَظيمَ كَهَنَة، الخلاصة بعدما قبِلَ يوحنا المعمدان أن يُعمد يسوع (لوقا 3: 21)، وهكذا كشف يوحنا المعمدان أن يسوع هو في الوقت نفسه العبد المتألم الذي يساق صامتا الى الذبح (أشعيا 53: 7)، فكل حياة المسيح تُعبِّر عن رسالته الخلاصية، وهي أن يخدم ويبذل نفسه فداء عن الكثيرين " لأَنَّ ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس" (مرقس 10: 45). " ابنِهَ الحَبيب (مرقس 1: 13). ويسوع نفسه قال لتلاميذه: " إنَّكم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً" (يوحنا 1:14). ان الابن "واحد في الجوهر" مع الآب، احتفظ بهذا التعبير في صياغة قانون ايمان نيقية، المولود من الآب قبل جميع الدهور، وهنا يكمن السر في شخصية يسوع الناصري الذي حاول يوحنا المعمدان ان يعلنه ويشهد به. يا حامل خطيئة العالم ارحمنا، كما شهد يوحنا المعمدان،